بقلم : مايسة سلامة الناجي - المغرب
رغم أن الأسواق تعج بالباعة والمشترين.. والسوق في الأزمة مكان أمين.. لا يمسه نصب ولا كساد، يبقى أن الغلاء خاصة في شهر الصيام نار تلفح جيوب العباد.
وكأنها مكنة تصنع نوعا خاصا من المواطنين، مكنة متسلسلة: إنتاج يتبعه إعلان وإشهار يتبعه ترخيص لقروض وديون لتدفع بالمواطن للشراء.. يرى المنتج فيحس بالحاجة إليه، ينظر جيبه ولا يجد مالا فيلجأ للقرض، ليستهلك ويستهلك ويستهلك ما يريد وما لا يريد.
إن فهمنا هذه المكنة وكيف تلعب بعقلية الفرد والمجتمع، لن نستغرب حين نجد الغني يستهلك نفس ما يستهلكه الفقير، بنفس الكمية والحجم، فالأول لديه المال ليشتري، والثاني يقترض ليشتري، وأفقرهم يتسول ليشتري: طبقية في كيفية الحيازة على المال، لكن تساوي في طريقة الشراء والاستهلاك. الفقير لديه عمله وراتبه الذي تؤخذ منه الفوائد فيقل.. والغني لديه مورد مستمر. مورد الغني هو فوائد راتب الفقير ولذلك هو مورد مستقر!!! فلا عجب أن الأول يزيد غنى رغم استهلاكه والثاني رغم عمله يفتقر. تقول "هيلاري كليتنون" وزيرة الخرجية الأمريكية السابقة: "أعتقد أن الاقتصاد العالمي هو مثلث قاعدته تستريح على عاتق المستهلك.
وإذا كان المستهلك لا يملك من الدخل ما يكفي للحفاظ على مستوى يخلق المزيد من الفرص، (أي يجعل مكنة الاقتصاد تستمر)، جيلا بعد جيل، يعني هذا حتما أزمة للجميع." نعم.. أي أن سلوكياتنا الاستهلاكية سواء كنا من الطبقة المتوسطة أم فقراء، هي مفتاح ثروات وموارد اغتناء الأغنياء.
الإسلام يمنع منعا كليا استغلال أموال الناس وأكلها بالربا واحتكار سلع الله وموارده الطبيعية. وفي المقابل يقضي الإسلام بأن ينفق كل ذي سعة من سعته، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها، فيحدد الله جل في علاه بهذا القدرة الشرائية، ويحارب الغلاء بالاستغناء.. حتى إذا ما استغنى الناس اضطر الأغنياء أصحاب التجارات إلى تخفيض أسعار منتجاتهم، ليستطيع الناس شراء ما يلزمهم، وينزل مستوى المعيشة على الجميع. إذا ما عمت الأزمة التحم لأجلها الكل، وإذا ما عم الرخاء عم على الكل. فكيف بهؤلاء الذين يشعلون أسعار نعم الله نارا، ويهدون للناس قروضا بالربا ليشتروا خير الله الذي نزله على عباده، حتى إذا انسل الراتب بأقساط الفوائد وافتقر الخلق وعجزوا عن الأداء حاكموهم وحبسوهم، يقول تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون".
ما غلاء الأسعار الذي نشهده اليوم إلا دليل على أن سياسة استعباد الناس بالاستهلاك أتت أكلها، وضمن الرأسماليون أن الشراء أصبح سلوكا مرتبطا بالهوية والثقافة حتى عند أفقر الفقراء.. فهل نطالبهم بخفض الأثمان أم نحاربهم بالاستغناء.
برلمان رمضان يطالب الحكومة بمحاربة المحتكرين المتلاعبين بأسعار خيرات الله المتاجرين في بأموال عباد الله.. بالمراقبة والمحاسبة.
اضف تعقيب