كتاب : الدرر البهيّة من سيرة الدولة العليّة العثمانيّة. المؤلف : أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر السنة : 2014م |
الفصل الثاني
من روائع الدولة العليّة العثمانيّة
***********
الخلافة العثمانيّة
دولة علم وحضارة واكتشافات فلكيّة 4/40!!*
ارتسمت في عقول وذاكرة الناس والأجيال صورة سيّئة عن الدولة العثمانيّة ,لأسباب تعود إلى كتابات المؤرّخين المغرضين من المتحاملين على الإسلام من عرب وعجم، أو الاستعمار الغربي نفسه والحركة الصهيونيّة العالميّة؛ متناسين عمدا الوجه المشرق للخلافة لتشويه تاريخها.
الدولة العثمانية الإسلامية كانت حقيقة دولة حضارية متطوّرة سبقت العالم بأسره وعلى رأسه العالم الغربي في كثير من الاختراعات والاكتشافات الهامة، لكن المؤرخين نسبوا بعضا منها لعلماء غير مسلمين، أو أن التاريخ لم ينصف العثمانيين لضعفهم في أواخر عهد الخلافة، لأن القوي أو المنتصر هو عادة من يكتب التاريخ.
ولكن, رغم التهميش والتعمّد في وصم الخلافة العثمانية الإسلامية العثمانية بالتخلف والرجعية، فالشمس عادة لا يمكن إخفاؤها بغربال، فهاك أخي القارئ نماذج من تلك الحضارة التي ظـُلمت وهمّشها المؤرخون وتطاول عليها المغرضون:
العثمانيون اكتشفوا أمريكا قبل كولومبس:
بناء على ندوة عقدت في 26 آب سنة 1956 في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية حول "خرائط الريّس بيري"، قائد الأسطول العثماني في البحر المتوسط والخليج، اتفق كل الجغرافيين المشاركين فيها أن خرائط الريس بيري والتي سبقت كولومبس، ورسمت فيها سواحل القارة الأمريكية، "هي اكتشاف خارق للعادة".
"الريّس بيري" مولود في غاليبولي، ولكنه اتخذ من السويس في مصر مقرًا له، حيث كان قد أهدى للسلطان سليم الأول في مصر عام 1517 م خريطتين هامتين جدًا: الخريطة الأولى هي لإسبانيا وغرب إفريقية والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية بقياس (60×85 سم) والثانية خريطة لسواحل الأطلسي من جرينلاند إلى فلوريدا (68×69 سم)، وهما محفوظتان في متحف "طوب قبو" في اسطنبول. هاتان الخريطتان هما أقدم خريطتين في العالم تظهر فيهما القارة الأمريكية.
“الريس بيري” كان على معرفة بوجود أمريكا وشكل سواحلها وتضاريسها قبل اكتشافها من قبل كولومبس. وهو من قال في كتابه الشهير الضخم "البحرية" ما يلي: "إن بحر المغرب -اسم المحيط الأطلسي في تلك الأيام- بحر عظيم يمتد بعرض 2000 ميل تجاه الغرب من ميناء "سبتة"، وفي الجانب الآخر من البحر توجد قارة هي قارة أنتيليا (أي الدنيا الجديدة)". طبعًا من المعروف تاريخيًا أن كولومبس اعتمد على خرائط عربية أندلسية وبحّارة عرب (زيغريد هونيكه)، ولكن أيضًا، كان مساعد كولومبس في تلك الرحلة، واسمه "رودريجو"، شخصًا رافق الريس بيري في البحر ورافق عم الريس بيري، وهو "الريس كمال"، لفترة طويلة.. ومن المعروف أن البحارة في سفينة كولومبس أعلنوا العصيان وثاروا على كولومبس وأرادوا قتله عندما تأخر اكتشافهم لليابسة ووصولهم إلى أمريكا، فوقف "رودريجو" حائلًا بينهم وبين كولومبس ودافع عنه قائلًا: "لا بد أن تكون في هذه المياه أرض، لأنني تعلمت ذلك في إسطنبول، ومن الكتب البحرية العثمانية، وأنا واثق أننا لا بد أن نصل إلى الأرض التي نبحث عنها، ذلك لأن البحارة العثمانيين لا يقدمون معلومات خاطئة وهم لا يكذبون"، وبعد ثلاثة أيام من حديثه هذا وصلوا إلى اليابسة.
*خرائط الريس بري(أحمد محيي الدين بيري) - شواطئ افريقيا الغربية وساحل امريكا الشرقي.
العثمانيون يكتشفون القطب الجنوبي ويرسمون تضاريسه بالتفصيل:
يقول العالم والراهب الجزوتين "لاين هام"، مدير مركز الأرصاد في ويستوون في أمريكا: "خرائط الريس بيري صحيحة بدرجة مذهلة للعقل، بخاصة أنها تظهر بوضوح أماكن لم تكن قد اكتشفت حتى أيامه في القرن السادس عشر الميلادي... إن الجانب المذهل في مكانة بيري هو رسمه لجبال أنتاركتيكا بتفاصيلها في ما رسمه من خرائط، مع أن هذه الجبال لم يكن أحد قد تمكن من اكتشافها، إلا في عام 1952، أي في النصف الثاني من القرن العشرين. وكيف؟ بعد استخدام أجهزة متقدمة عاكسة للصوت، أما قبل القائد العثماني الريس بيري، يعني حتى القرن السادس عشر الميلادي، لم يكن أحد يعرف أن أنتاركتيكا موجودة".
ويقول إريك فون دانكن في كتابه "عربات الآلهة": "إنه بمقارنة صور الأرض التي التقطتها المركبات الفضائية مع تلك الخرائط التي كان القائد البحري العثماني الريس بيري قد رسمها في بدايات القرن السادس عشر، اتضح التشابه المذهل بين صور مركبات الفضاء وبين خرائط بيري".
ويقول العالم الفرنسي لأروش في موسوعته التي نشرها عام 1963 إن بيري كتب عن كروية الأرض قبل رحلة ماجلان ورسم خرائط لأمريكا (وإن هذا أمر يعلو ويتفوق كثيرًا على علم الجغرافيا في ذلك القرن وعلى علم الجغرافيا لدى الغربيين).
*خريطة عثمانية لـ "أُستراليا" ترجع لعام 1890.
العثمانيون يكتشفون وجود الجراثيم والميكروبات:
كان الشيخ "آق شمس الدين"، شيخ السلطان محمد الفاتح، عالمًا في الطبيعيات وطبيبًا ماهرًا. اهتم بالأمراض المعدية التي كانت تفتك بملايين الناس في ذلك الزمان؛ وألّف كتابًا حول ذلك باللغة التركيّة أسماه "مادة الحياة"، وضع فيه تعريفًا للجراثيم والميكروبات قبل "لويس باستور" بأربعة قرون، وقد قال في كتابه: "من الخطأ تصوّر أن الأمراض تظهر على الأشخاص تلقائيًا، فالأمراض تنتقل من شخص إلى آخر بطريق العدوى. هذه العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة، لكن هذه العدوى تحصل بواسطة بذور حيّة صغيرة".
محاولات للطيران والطيران النفاث:
يحدّث الرحالة والعالم العثماني الشهير "أوليا جلبي"، الذي ذهب في رحلة لمدة 44 سنة زار فيها 23 بلدًا، يحدّث عن شخص اسمه "أحمد جلبي هزار فن"، وقف على مكان مرتفع في ميدان "أوق" في إسطنبول مرتديًا أجنحة من ريش النسر وذيلًا، وطار في اتجاه الريح في تجربة للطيران، وقد قام بهذا العمل ثماني مرات ثم صعد أخيرًا فوق برج "غالاطة" في العاصمة العثمانية وطار من قمة البرج مع اتجاه الرياح التي حملته، حتى نزل في ميدان "دوغا نجلير" بحضور السلطان مراد الرابع الذي كافأه بكيس مملوء من الذهب؛ ويحدّث "أوليا" عن شخص آخر يدعى حسن جلبي ركب جهازًا يمكن وصفه بأنه أول صاروخ بدائي، ركبه وأشعل تلاميذه الفتيل فاشتعل البارود في داخله وصفر الصاروخ وانطلق طائرا في الجو وعليه أستاذهم، وعندما نفد البارود الموجود في الجهاز أفلته الأستاذ وبسط جناحين من ريش النسر وحاول الطيران بهما هكذا حتى سقط في البحر؛ وأيضًا انطلق السلطان وراءه إلى شاطئ البحر وكافأه.
الصناعة العثمانية:
حتى عام 1700 كانت المدفعية العثمانية هي أقوى مدفعية في العالم بلا منازع. وقد صنع العثمانيون زمن محمد الفاتح (1432–1481م) مدافع جبارة تستطيع خرق سور من الحجر سماكته اثنا عشر مترًا، واخترع العثمانيون المدافع المتحركة ومدافع الهاون، واستعملوها لأول مرة زمن سليم الأول. وكان هناك في الجيش العثماني الواحد ما لا يقل عن اثني عشر ألف جمل لجر المدافع الثقيلة.
وصناعة السفن كانت متقدمة أيضًا والأسطول العثماني ظل حتى عام 1868 ثالث أقوى أسطول في العالم بعد الأسطولين الإنكليزي والفرنسي.
يعتقد البعض أن الجيش العثماني كان مجموعة من الحفاة العراة الجوعى، ولكن هذه شهادة من الجنرال النمساوي "كونت فارسكلي"، الذي أمضى حياته كلها في محاربة العثمانيين، يقول: "وصل التنظيم الاقتصادي العثماني إلى درجة عالية بحيث لم يكن يعادلها نظير في الحكومات الغربية؛ ومن أسباب القدرة على الحركة العسكرية الموفقة للجيش العثماني هي جودة الأطعمة وعنايتهم بالحيوانات، وهذه كلها أكثر دقة مما هي عليه عندنا وهي أكثر جودة في التنظيم..."(4)
المجمع الطبي العثماني:
أنشئت أول جامعة للطب عند العثمانيين في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، سموها "دار الطب"، ثم أنشئ المجمع الطبي في القرن الخامس عشر. ومن رواده شرف الدين الصابون جي الأماسي، العالم في الأدوات الجراحية والمطوّر لها، وداود الأنطاكي، صاحب الدراسات عن المخ والكتاب الشهير حول الأدوية الطبيعية، وطبيب التوليد الشهير عياشلي شعبان، والعالم النفساني مؤمن السينوبي، صاحب كتاب من 25 مجلدا حول الأمراض العقلية والنفسية والعصبية؛ وقد خصّص العثمانيون مشافي خاصة لهذه الأمراض في ذلك الوقت الذي كان الأوربيون فيه يحرقون المرضى العقليين والنفسيين بالنار بحجة إخراج الشيطان منهم، بل استمروا في ذلك حتى القرن الثامن عشر. يقول الدكتور الفرنسي "آبينج كرافت" في كتابه عن علم الأمراض العقلية الصادر في باريس سنة 1898: "إن أوروبا قد تعلّمت من العثمانيين معالجة المصابين بالأمراض العقلية".
اضف تعقيب