حركة الاخوان المسلمين حركة أرهابيّة أم حركة دعويّة؟!الدكتور ابراهيم ابو جابر

حركة الاخوان المسلمين

حركة أرهابيّة  أم  حركة دعويّة؟!

الدكتور ابراهيم ابو جابر 

مدخل:

تخطّت حملة النظام المصري الانقلابي وداعميه على المستوى الاقليمي والدولي, حدّ المعقول بإعلان حكومة الانقلاب العسكري بزعامة"سيسي" حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية.

هذا القرار الباطل طبعا وقع كالصاعقة على كل عاقل وحكيم في العالمين العربي والإسلامي حتى الاجنبي؛فهناك من ادان القرار وندّد به بل ورفضه جملة وتفصيلا وأشار انه لن يتعاطى معه.

حركة الاخوان المسلمين,هذه الحركة المباركة ,التي قال في حقها احد العلماء انها من الفرق الاسلامية الناجية بعون الله ,الموصوفة بالدعوة الى الله عز وجل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الارض,الداعية الى اتباع سلف هذه الامة والعودة الى الدين ونصرة الضعيف والتصدي لما يواجه الامة من تحديات وعلى راسها المشروع الصهيوني والعدوان الاجنبي ؛هذه الحركة التي التف حولها الملايين من ابناء وبنات الامتين العربية والاسلامية, وأمن بفكرها وطرحها الكثيرون من مختلف دول العالم,حتى اصبحت اكبر حركة اسلامية معاصرة بدون منافس؛هذه الحركة المباركة التي تشرّف كل منتم اليها حقيقة,التي وصفها احد ابنائها الكبار بقولة "نحن دعاة ولسنا قضاة",حركة لا تنافس احدا على سلطان وليس اكبر همها الحكم وان كان من اجندتها ,لكن همها الاول الحرص على عودة الناس للتمسك باهداب الدين الاسلامي والسنة النبويّة المطهّرة؛اهذه حركة إرهابية؟؟!!

حركة الاخوان المسلمين ,مفخرة الامتين العربية والاسلامية ,وان غدر بها الغادرون وتطاول عليها الاقزام من مدنيين وعسكريين ومن يطلقون على انفسهم مثقفون وليبراليون وعلمانيون .كانت وستبقى بعون الله كالشجرة  الطيّبة المثمرة التي يرمونها بالحجارة فترميهم بالثمر,لن يضرها ما فعلوه ودبّروه وخططوا له من مؤامرات وحيل ؛كانت شامخة وستبقى كذلك  بعز عزيز او ذل ذليل.

لكن السيسي واعوانه ومن لف لفيفهم ابوا الا الكيد لهذه الحركة المباركة,لحاجة في نفس السيسي واخرى في قلوب انظمة عربية واخرى دولية للنيل منها,باخراجها عن القانون واعتبارها حركة ارهابية بكل ما يحمل هذا المعنى من مردودات سلبية,كالقتل والسجن والمطاردة وحظر للنشاطات, وتجميد للاموال واغلاق للمؤسسات.

مردودات القرار المصري

حاولت ولا تزال تحاول مصر تعريب وعولمة قرارها المذكور باعتبار حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية؛وهذا ما حصل عندما سلّمت الحكومة المصرية رئيس جامعة الدول العربية الدكتور العربي(وأسفاه عليه) مذكرة بهذا الشان طالبته فيها بتعميم ذلك على اعضاء الجامعة لتطبيقه بكل ما يحمل من دلالات ومحاذير قانونية.

مردودات القرار على المستوى العربي

حركة الاخوان المسلمين حركة كبيرة ومنتشرة في كل العالم العربي بدون استثناء,باسماء مختلفة تحمل فكر الاخوان المسلمين وتتبنى طروحاتهم التربوية والاجتماعية والايديولوجية,منها مايعمل بالسر واخرون يشاركون في الحكم والسلطة مثل المغرب وتونس.

ان تطبيق هذا القرار,في التالي, من قبل الانظمة العربية  لن يكون سهلا, وانما قد يخلق فتنا وقلاقل داخلية في كل بلد عربي واخر,لان التنظيمات الاسلامية في الدول العربية الاخرى لا تعيش حالة صراع مع السلطة الحاكمة كما هو الحال في مصر ,اذن لا يوجد مبرر لاخراج هذه الحركات وان كانت قناعاتها اخوانية عن القانون,فالاشكالية اذن ستتحوّل الى قضية قانونيّة بحتة .

الانظمة العربية المطالبة من مصر والجامعة العربية بتطبيق القرار غنيّة عن فتح ملفات ساخنة في بلدانها قد تؤدي الى تدهور للاوضاع الداخلية او اندلاع حروب اهلية ما يفضي ربما الى ثورة عارمة يختلط فيها الحابل بالنابل, وهذا ما تخشاه الدول العربية وبالذات الملكيّة منها.

أن المراقب لردود فعل الانظمة العربية على القرار يلاحظ انها منقسمة الى قسمين:

الاول:تبنى القرار مثل السعودية وبعض دول الخليج الاخرى,رغم معارضة كبار علماء السعودية ورفضهم موقف بلادهم, وثنائهم على حركة الاخوان المسلمين وما تقوم به وقامت به من دور هام في صحوة هذه الامة.

الثاني:لن تتعاطى حتى الان مع القرار في حين جاءت تصريحات مسئولي بعض  هذه الانظمة فاترة وغير مشجعة لمثل هكذا قرار ,حرصا منها على الوحدة الوطنية .

الثالث: دول عربية اخرى تتبنى الحل الاسلامي وروافدها الاساسية تعود لحركة الاخوان المسلمين او يشارك الاخوان المسلمون او بعض روافدهم في السلطة,لن تتعاطى طبعا مع هذا القرار وستهمّشه مثل: السودان,تونس,المغرب.         

مردودات القرار على المستوى الاسلامي

اشير اعلاه الى ان حركة الاخوان المسلمين حركة واسعة الانتشار ولها فروع في كافة الدنيا , وفي التالي فان تطبيق القرار المصري قد يندرج على بعض الدول الاسلامية وبخاصة تلك الدول التي تشهد توترات وازمات داخلية لاسباب اقتصادية او طائفية او عرقية.

اما ردود فعل الانظمة الاسلامية ومدى تعاطيها مع هذا القرار فتنقسم الى ثلاثة انواع:

الاول:سيتعاطى  مع هذا القرار بايجابية, وهي الدول التي تدور في فلك السعودية وتحصل  على مساعدات مالية وهبات تمكّنها من البقاء, او انها تحسب على السعودية مثل دول الخليج.  

الثاني:رفض القرار تماما وعدم التعاطي معه ,والكلام طبعا يدور عن دول اسلامية تابعة لدول عظمى او لا تربطها علاقات قوية بمصر والسعودية,وفي التالي فالقرار غير ملزم لها.

الثالث:دول اسلامية اخرى تتبنى الحل الاسلامي وروافدها الاساسية تعود لحركة الاخوان المسلمين,لن تتعاطى طبعا مع هذا القرار وستهمّشه مثل: ماليزيا,تركيا.    

مردودات القرار على المستوى العالمي

سينقسم العالم ايضا على نفسه بخصوص قرار اعتبار حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية ,وسيتعاطى معه بنفس ما ستتعاطى معه الامتين العربية والاسلامية تقريبا,لدوافع لها علاقة بمصالح الدول وتعاطيها مع قيم حقوق الانسان والحريات الدينية , وتقديرها لما حصل في مصر (اهو انقلاب على الشرعية ام لا؟),اضافة لمسالة التنافس بين الاقطاب العالمية والمعسكرات الدولية.؛وفي التالي فان موقف المجموعة الدولية يتوقع ان يكون على الشكل التالي:

اولا:دول معينة ستدعم هذا القرار وتتعاطى معه ايجابيا,أي من خلال حظر نشاطات حركة الاخوان المسلمين واغلاق مكاتبها, وتجميد اموالها ,وربما طرد القائمين على شؤونها,وفي اطار تلك الدول ايضا فتح ملفات وتلفيق تهم ضد بعض رموز الاخوان القاطنين في الخارج .

والمتوقع ان يكون الكيان الاسرائيلي احد الداعمين لذلك,مثل:روسيا,فرنسا,بريطانيا,الولايات المتحدة,ايطاليا,كندا واستراليا وغيرها.

ثانيا:دول سترفض القرار بطريقتها الخاصة وستسمح لحركة الاخوان بمواصلة نشاطها على اراضيها كالمعتاد,اما لاسباب قانونية او انسانية او لعدم اعترافها بالانقلاب العسكري في مصر,مثل:المانيا,دول افريقية كثيرة,دول امريكا اللاتينية.

ثالثا:دول لن تبدي اهتماما بالقرار وستعتبر الموضوع شانا مصريا عربيا داخليا,لا ناقة لها فيه ولا جمل,مثل:دول جنوب شرق اسيا, والهند,وبعض الدول الافريقية,ودول البلقان.

أما فيما يتعلق باسباب القرار المصري المشار اليه اعلاه فمعروفة للقاصي والداني,يمكن تلخيصها ببساطة في الاتي:

1- حظر عودة الاخوان المسلمين للسلطة بقوة القانون باعتبارهم ارهابيين.

2- حمل الشعب المصري والشعوب العربية على كراهية حركة الاخوان وعدم منحهم فرص الوصول للسطة ايضا.

3- استجابة لرغبات السعودية ودول خليجية تخشى اندلاع ثورات في بلدانها يتمكن الاخوان من خلالها للوصول للسلطة.

4- دعم قوى اقليمية مثل الكيان الاسرائيلي والغرب لمنع اقامة حكم اسلامي قد يهدّد امن الكيان الاسرائيلي المذكور.

5- خشية القوى العلمانية والليبرالية واصحاب المصالح على مصالحهم لا بل والمساءلة ايضا في حال حكم الاخوان.

مردودات القرار العامة على حركة الاخوان المسلمين

حركة الاخوان المسلمين في حال تم اخراجها عن القانون على المستويين العربي والاسلامي والعالمي,واعتبارها حركة ارهابية رغم تبني مصر لذلك,فانه سيلحق بها ضررا يقدّر بقدره في كل بلد واخر,لكنها ستكون في المجمل كالاتي:

1.ستغلق مكاتبها ويحظر نشاطها في البلدان التي ستتبنى القرار.

2.سيلاحق بعض رموز الاخوان قضائيا,وربما يتم طرد البعض خارج حدود الدول المتبنية للقرار.

3.سيتم تجميد اموال هذه الحركة  وفروعها في البنوك والمصارف.

4.ستغلق كل المؤسسات والجمعيات التابعة لحركة الاخوان.

5.سيحظر دخول أي منشورات للاخوان للدول المتبنية للقرار.

6.سيتم تسليم مواطنين مصريين او مواطني أي دولة اخرى من رموز حركة الاخوان في الدول المتبنية للقرار لدولهم لمحاكمتهم.

7.سيتعرّض بعض عناصر حركة الاخوان للقتل والاغتيال والاعدام من قبل مصر او بعض الدول العربية.

مكتسبات حركة الاخوان:

مهما بدا الامر صعبا وقاسيا على حركة الاخوان المسلمين الا انها قادرة على تخطيه, بخاصة وانها قد مرّت بتجارب اقسى وامر في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك وبورقيبة وبن علي والملك حسين  والاسد وغيرهم كثير.

أن حركة الاخوان المسلمين لن يلين عودها رغم هذه المؤامرة الكبرى عليها, بل العكس من ذلك فانها ستكسب هذه الجولة ,بحيث ستزداد شعبيتها عربيا واسلاميا وعالميا,وهي مرشّحة ايضا لتصدّر المشهد السياسي العام مستقبلا في العالم العربي.

سيناريوهات المشهد

السيناريو الاول:

فشل مساعي مصر والجامعة العربية في اقناع العالم وبالذات العربي بان حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية.(الاحتمال الاقوى)

السيناريو الثاني:

نجاح مساعي مصر وجامعة الدول العربية جزئيا في اقناع العالم وبالذات العربي بان حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية.(احتمال وارد )

السيناريو الثالث:

نجاح مساعي مصر والجامعة العربية كليا في اقناع العالم وبالذات العربي بان حركة الاخوان المسلمين ارهابية.(الاحتمال الاضعف)

السيناريو الرابع:

نجاح حركة الاخوان المسلمين في احتواء الموقف ومص غضب الانظمة والتعاطي مع الواقع وتهدئة الخواطر,وفي التالي اختراق السلطة وتحييد القرار المصري ومساعي جامعة الدول العربية.(احتمال وارد لكنه غير مؤكد)                                                                                                 

الخلاصة

ان الشمس لا يمكن تغطيتها بغربال ابدا,وهذه حركة الاخوان المسلمين الغراء والمعطاءة,أنها كالمارد لا ينحني ,وكالشجرة الغنّاء لا تبخل على الناس بثمرها ولا ظلها,كبواتها مادة لقوتها:؛عودها لا ينكسر.

ان كل من راهن على زوال وانقراض حركة الاخوان المسلمين في ظل المتغيرات على الساحتين المصرية والعربية والعالمية سيعض على اصابعه ندما,لانه لا يعرف من هي حركة الاخوان المسلمين؛انها حركة ربانية ,تتعالى على فتات الدنيا وزينتها,وتحقّر الكراسي والعروش,همّها الاستثمار في الانسان واصلاح حاله وعلاقته مع خالقه اولا ,ثم في المجتمع بتنميته وارشاده الى جادة الطريق,والسعي نحو حماية الكرامة العربية والاسلامية ومقدرات الامة ونشلها من المستنقع الذي اوصلت الامة اليه انظمة فاسدة ومستبدة.

اعلموا ايها المراهنون ان غدا لناظره قريب, وان الايام دول يوم لك ويوم عليك,وان المشروع الاسلامي لا بد وان يسود باذن الله تعالى,وهذا ما بشرنا به ربنا عز وجل عندما قال".. أَنَّ الْأَرْض يَرِثهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ"صدق الله العظيم