X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      26/04/2024 |    (توقيت القدس)

قصص وعبر من سير سلاطين الدولة العليّة العثمانية =المؤلف : أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

من : قسماوي نت - أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر
نشر : 24/01/2015 - 11:29

كتاب : الدرر البهيّة من سيرة الدولة العليّة العثمانيّة.

المؤلف : أ.د. ابراهيم حسن أبوجابر

السنة : 2014م

 

الفصل الخامس

قصص وعبر

 من سير سلاطين الدولة العليّة العثمانية16/40

*****************

وفد نصراني

يطلب حكم المسلمين!!

لما فتح السلطان العثماني مراد الثاني مدينة سلا عام 1431 م وهزم البندقيين شر هزيمة ودخل المدينة منتصراً- أعلم الحاجب السلطان أن وفداً من مدينة (يانيا) قد حضر، وهم يرجون المثول بين يديه لأمر هام.. تعجب السلطان من هذا الخبر، إذ لم تكن له أي علاقة بهذه المدينة التي كانت آنذاك تحت حكم إيطاليا. كانت مدينة (يانيا ) تحت حكم عائلة ( توكو )الإيطالية ، وعندما مات ( كارلو توكو الأول ) عام 1430م ، ولي الحكم بعده ابن أخيه (كارلو توكو الثاني ) ولكن أبناء ( توكو الأول ) غير الشرعيين ثاروا وطالبوا بالحكم ، فبدأ عهد من الاضطراب والفوضى والقتال عانى منه الشعب الأمرين ، وعندما سمعوا بأن السلطان ( مراد الثاني ) بالقرب منهم في مدينة (سلا) ، قرروا إرسال وفد عنهم .

أمر السلطان مراد رئيس حجابه بالسماح للوفد بالدخول عليه ، ثم قال لرئيس الوفد بواسطة الترجمان : أهلاً بكم ، ماذا أتى بكم إلى هنا ؟ وماذا تبغون ؟

قال رئيس الوفد : أيها السلطان العظيم ، جئنا نلتمس منكم العون ، فلا تخيب رجاءنا .

قال السلطان-وكيف أستطيع معاونتكم ؟

قالوا- يا مولاي، إن أمراءنا يظلموننا، ويستخدموننا كالعبيد، ويغتصبون أموالنا ثم يسوقوننا للحرب.

قال السلطان- وماذا أستطيع أن أفعل لكم ؟ إن هذه مشكلة بينكم وبين أمرائكم.

 

*مسجد "محمد پاشا الكوسكي"، البوسنة والهرسك.

قالوا- نحن أيها السلطان لسنا بمسلمين، بل نحن نصارى، ولكننا سمعنا كثيراً عن عدالة المسلمين، وأنهم لا يظلمون الرعية، ولا يكرهون أحداً على اعتناق دينهم، وإن لكل ذي حق حقه لديهم.. لقد سمعنا هذا من السياح، ومن التجار الذين زاروا مملكتكم، لذا فإننا نرجوا أن تشملنا برعايتكم وبعطفكم، وأن تحكموا بلدنا لتخلصونا من حكامنا الظالمين.

ثم قدموا له مفتاح المدينة الذهبي.. واستجاب السلطان لرجاء أهل مدينة (يانيا)، وأرسل أحد قواده على رأس جيش إلى هذه المدينة، وتم فتحها فعلاً في السنة نفسها، أي في سنة 1431 م. هذه ليست قصة خيالية.. ومع أنها قصة غريبة، إلا أنها حقيقة وتاريخية.. لقد كان المسلمون رمزاً للعدل والإنصاف. (24)

الدرويش

والسلطـان محمـد الفاتـح!!

تم تحقيق حلم المسلمين، وهزم البيزنطيون، وفتحت مدينة القسطنطينية - أي: مدينة اسطنبول أو إسلامبول -، موكب السلطان (محمد الفاتح)، وهو يدخل المدينة من جهة (طوب قابي) ممتطياً جواده الأبيض، يحف به الوزراء والعلماء والقواد والفرسان.

كان الآلاف من أهالي المدينة قد التجأوا إلى كنيسة (أيا صوفيا) ينتظرون الفرصة الأخيرة للخلاص ، فقد أوهمهم بعض رجال الدين ، بأن ملاكاً سينزل من السماء ويحرق المسلمين ، وأن المسلمين لن يستطيعوا الوصول إلى كنيسة (أيا صوفيا) ، لأن الملاك لن يسمح لهم بتجاوز المنطقة التي تسمى الآن : (جامبرلي طاش) ، وهي لا تبعد إلا مسافة 300 متر تقريباً عن الكنيسة. أما باقي الأهالي ، فقد دفعهم الفضول لرؤية هذا الفاتح الجديد ، فتجمعوا على الطريق الواصل بين ( طوب قابي) وكنيسة (أيا صوفيا).

وفجأة اندفع من بين هذه الجماهير، درويش من دراويش الجيش العثماني، وتقدم إلى الأمام وأمسك بعرف جواد السلطان مستوقفاً السلطان، والموكب كله، ومخاطباً السلطان:

قال الدرويش- لا تنسى أيها السلطان … لا تنسى أنه بفضل دعائنا نحن الدراويش فتحت هذه المدينة.

ابتسم السلطان (محمد الفاتح) ابتسامة خفيفة ، ثم مد يده على سيفه وسله من غمده حتى نصفه قائلاً :

- صدقت يا درويش ! … ولكن لا تنسى حق هذا السيف أيضاً.(25)

السلطان بايزيد الثاني

وهواية جمع غبار الجهاد!!

كان من عادة السلطان ( بايزيد الثاني) أن يجمع في قارورة ما علق بثيابه من غبار ، وهو راجع من أية غزوة من غزوات جهاده في سبيل الله.وفي إحدى المرات عندما كان السلطان يقوم بجمع هذا الغبار من على ملابسه لوضعه في القارورة ، قالت له زوجته (كولبهار): أرجو أن تسمح لي يا مولاي بسؤال.

قال- اسألي يا (كولبهار).

قالت- لم تفعل هذا مولاي ؟ وما فائدة هذا الغبار الذي تجمعه في هذه القارورة ؟

قال- إنني سأوصي يا (كولبهار) بعمل طابوقة من هذا الغبار ، وأن توضع تحت رأسي في قبري عند وفاتي … ألا تعلمين يا (كولبهار) أن الله سيصون من النار يوم القيامة جسد من جاهد في سبيله ؟

قالت- ونفذت فعلاً وصيته ، إذ عمل من هذا الغبار المتجمع في تلك القارورة … غبار الجهاد في سبيل الله … عمل منه طابوقة ، وضعت تحت رأس هذا السلطان الورع عندما توفي سنة 1512م … وقبره موجود حتى الآن بجانب الجامع الذي بناه (جامع بايزيد) ، رحمه الله تعالى. (26)

عظمة بايزيد وشموخه:

وقع فى الأسر "الكونت دى نيفر" بنفسه أحد أكبر الأمراء فى الجيش الصليبى , الذى أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة المسلمين وكاد أن يقبّل قدم السلطان , لكن كان الرد من السلطان بايزيد الأول المعتز بدينه , أن قال له :

(إنى أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين فأنت فى حل من الرجوع الى محاربتى وقت ما شئت ) ثم استطرد قائلاً كلمته الشهيرة التى خلّدها له التاريخ وكتبها من حروف من ذهب :

( إذ انه ما من شيء أحب اليّ من محاربة جميع مسيحيي أوروبا والانتصار عليهم )

نزل الخبر على مسيحيي أوروبا مثل الصاعقة , وانتظر المسيحيون سقوط الممالك المسيحية واحدة تلو الأخرى فى قبضة السلطان بايزيد .وعلى النقيض أرسل السلطان بايزيد الرسائل الى ملوك وسلاطين المسلمين فى القاهرة وبغداد وبلاد ما وراء النهر ومعها بعض الأسرى كدليل مادي على النصر المبين , وخلع عليه الخليفة فى القاهرة أبو عبد الله محمد بن المعتضد المتوكل على الله لقب "سلطان الروم" فأضاف بذلك شرعية جهاده ضد المسيحيين فى أوروبا , وأهدى أمير بخارى سيفا للسلطان بايزيد في سبيل الهدية والتكريم , وعلقت الزينة في البلاد الإسلامية فرحا بذلك النصر المبين واتجهت أنظار المسلمين الى تلك الدولة التي أيد الله جهادها بالنصر على أعدائها وارتحل كثير من شباب المسلمين الى الأناضول ليكونوا تحت إمرة السلطان بايزيد في جهاده ضد الروم مسيحيي أوروبا .

وتعتبر معركة نيكوبولس بالنسبة للمسيحيين أعظم كارثة على الإطلاق فى العصور الوسطى , وبلغ السلطان بايزيد قمة مجده بعد تلك المعركة . وفى نشوة الفرح والإنتصار أعلن السلطان " أنه سيفتح إيطاليا بإذن الله وسيطعم حصانه الشعير على مذبح كنيسة القديس بطرس فى روما " !! (27)

ثلاثة مواقف

من مذكّرات السلطان عبد الحميد الثاني

 ومذكّرات ابنته شادية!!

اولا: السلطان يذكّر كبير أمنائه بالله عز وجل ..

تقول الأميرة شادية عن تعيين علي جواد في القصر: " عزل الاتحاديون كبير أمناء  السلطان عبد الحميد وعيّنوا محلّه علي جواد بك وهو من أعضاء – الاتحاد والترقي – واحد أمناء القصر السلطاني .

دخل علي جواد بك على والدي ( السلطان ) قائلا :

" أنني يا سيدي ، عبدكم الصادق والمخلص لكم ، وإن تحسين باشا كان دائما يمنعني من مقابلتكم " .وكان في حديثه هذا يبدو وكأنه يتوسل . وكان والدي ( السلطان ) متضايقا من عزل تحسين باشا وتعيين هذا محله ، فلقد كان علي جواد بك معروفا في القصر بالمراء والنفاق . أخرج والدي ( السلطان ) من درج مكتبه حزمة بنكنوت وأهداها لكبير أمنائه المفروض عليه . وعندما شاهد علي جواد بك هذا الإحسان الكريم سجد على قدمي والدي ليقبّل قدميه .

 ورغم حزن السلطان بسبب الأحوال السياسية المضادة له وكذلك بسبب ضيقه بتعيين كبير الأمناء الجديد ، رغم ذلك لم يفت السلطان أن يقول لعلي جواد بك : " استغفر الله إن السجود لا يكون إلا لله رب العالمين . أرجو ألا تفعل هذا مرة أخرى كما أرجو ألا تجبرني لتنبيهك بهذا مرة أخرى .... " ..

هذا هو الصوفي المتعصب يأمر الرجل الذي سجد على قدميه ألا يسجد إلا لله ، ولم يقل له السجود لله وللأولياء ..(28)

ثانيا: السلطان وإيمانه بالقضاء والقدر .

قالت الاميرة شادية- لمّا تولى الاتحاديون زمام الأمور وقاموا بعزل السلطان عبد الحميد قاموا بنقل إقامته إلى ( سالونيك ) ، وكان الذي نقل هذا الخبر إلى السلطان كبير أمنائه ( جواد بك ) ، ولكن لهجة مختلفة ليس فيها أي أدب ، وفي ذلك تروي ابنته الأميرة شادية وتقول : " فهذا الذي كان قريبا إلى السلطان وقت قوة السلطان ، أصبح في لحظة أعدى أعدائه ، والسلطان في وقت ضعفه . قال جواد بك لوالدي أيضا : ( لماذا لم تفكّر في كل هذه المصائب من قبل ؟ ) فأجابه والدي السلطان بقوله : ( الله المستعان وقت المحنة ) . واغرورقت في نفس هذه اللحظة عينا والدي جلالة السلطان بالدموع ..(29)

ثالثا:السلطان وإيمانه العميق بالله ..

عندما أتى الخبر إلى السلطان عبد الحميد بوجوب تركه لسلونيك بسبب تدهور الأحوال العسكرية للجيش العثماني أمام قوات التحالف الصليبي أثناء الحرب العالمية الأولى ، ماذا فعل ! هل استغاث بالأولياء والأضرحة ؟ أم ماذا ؟ أترك السلطان نفسه يحكي ما حدث ..بل قال:

( خررت ساجدا للرحمن وهو الشيء الوحيد الذي استطيع عمله في هذا اليأس الذي نتج عن شعوري بان الدولة التي أقامها أجدادي تعيش حتى اليوم – مثلي تماما – أيامها الأخيرة . سجدت والدموع تسيل دما من مآقيّ حتى الصباح ، احترق قائلا : " ليس لنا إلا الإيمان بك يا ربي " فلقد كانت جنودنا على كل الحدود ممزقة مبعثرة بين السحاب وهزيمة ولا يستطيع خلاصنا إلا الله وإذا لم تنقذنا فلا تريني اللهم أياما أسوأ من هذا الموت . وهذه آخر توسلاتي ) .(30)

الدولة العثمانية

ودعاء المسيحيين لها بالدوام!!

هاهو البحاثة الأوروبي الشهير "توماس أرنولد" يتحدث عمَّا لاقاه الأرثوذكس من طائفة الكاثوليك، ويوازن بين ما يلقاه المسيحيون من الأتراك وما يلقاه المسيحيون بعضهم من بعض، فيقول:

"إن المعاملة التي أظهرها الأباطرة العثمانيون للرعايا المسيحيين - على الأقل بعد أن غزوا بلاد اليونان بقرنين - لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفًا في سائر أوروبا. وإن أصحاب Calvin في المجر وترانسلفانيا، وأصحاب مذهب التوحيد Unitarians من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا، طالما آثروا الخضوع للأتراك على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورج المتعصبة. ونظر البروتستانت في سيلزيا إلى تركيا بعيون الرغبة، وتمنوا بسرور أن يشتروا الحرية الدينية بالخضوع للحكم الإسلامي.

وحدث أن هرب اليهود الأسبانيون المضطهدون في جموع هائلة فلم يلجؤوا إلاَّ إلى تركيا، في نهاية القرن الخامس عشر؛ كذلك نرى القوازق Cossaks الذين ينتمون إلى فرقة المؤمنين القدماء Old Believers الذين اضطهدتهم كنيسة الدولة الروسية، قد وجدوا من التسامح في ممالك السلطان ما أنكره عليهم إخوانهم في المسيحية".

ثم يشير إلى ما تتمتع به الكنائس التي تقع تحت حكم السلطان العثماني من حرية، وما تلقاه من رعاية، وما يجده بطارقتها من حماية، فيضرب (مقاريوس) بطريرك كنيسة أنطاكيا (وهي تحت نفوذ العثمانيين) مثلاً يحسده الآخرون على ما ينعم به، ويتمنون أن ينالوا حظه. فيقول:

"وربما كان لمقاريوس بَطريق أنطاكية في القرن السابع عشر أن يهنئ نفسه حين رأى أعمال القسوة الفظيعة التي أوقعها البولنديون من الكاثوليك Catholic poles ضد الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية. قال مقاريوس: "إننا جميعًا قد ذرفنا دمعًا غزيرًا على آلاف الشهداء الذين قتلوا في هذه الأعوام الأربعين أو الخمسين على يد أولئك الأشقياء الزنادقة أعداء الدين، وربما كان عدد القتلى سبعين ألفًا أو ثمانين ألفًا. فيا أيها الخونة! يا مردة الرجس! يا أيتها القلوب المتحجرة! ماذا صنع الراهبات والنساء؟ وما ذنب هؤلاء الفتيات والصبية والأطفال الصغار حتى تقتلوهم؟.. ولماذا أسميهم البولنديين الملعونين؟ لأنهم أظهروا أنفسهم أشد انحطاطًا وأكثر شراسة من عباد الأصنام المفسدين، وذلك بما أظهروه من قسوة في معاملة المسيحيين، وهم يظنون بذلك أنهم يمحون اسم الأرثوذكس."

وبعد أن يعلن البولنديون الكاثوليك، كفاء ما كان من فظائعهم وقسوتهم، يدعو للدولة العثمانية بدوام البقاء، فيقول:

"أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد.. فهم يأخذون ما فرضوه من جزية، ولا شأن لهم بالأديان، سواء أكان رعاياهم مسيحيين أم ناصريين، يهودًا أو سامرة؛ أما هؤلاء البولنديون الملاعين فلم يقنعوا بأخذ الضرائب والعشور من إخوان المسيح، بالرغم من أنهم يقومون بخدمتهم عن طيب خاطر؛ بل وضعوهم تحت سلطة اليهود الظالمين أعداء المسيح الذين لم يسمحوا لهم حتى بأن يبنوا الكنائس، ولا بأن يتركوا لهم قساوسة يعرفون أسرار دينهم". حتى إيطاليا كان فيها قوم يتطلعون بشوق عظيم إلى الترك لعلهم يحظون كما حظى رعاياهم من قبل بالحرية والتسامح اللذين يئسوا من التمتع بهما في ظل أية حكومة مسيحية".

 

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل