X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      25/04/2024 |    (توقيت القدس)

ما هـــو "النصـــــر" الذي نبحث عنـــه؟! ("انتفاضة القدس" كنموذج) .. بقلم إبراهيم عبدالله صرصور ****

من : قسماوي نت
نشر : 02/08/2017 - 15:14

ما هـــو "النصـــــر" الذي نبحث عنـــه؟!

("انتفاضة القدس" كنموذج) ..

 

بقلم إبراهيم عبدالله صرصور ****

 

"النصر" قيمة لها مذاقها الخاص في حياة الافراد والأمم على حد سواء.. و"الهزيمة" حالة لها مذاقها المر في حياة الافراد والأمم أيضا.. كل "هزيمة" تبدا بالهزيمة امام طغيان النفس وهي اصل كل ما يليها من هزائم امام أعداء الداخل من الفساد والاستبداد، واعداء الخارج من المتربصين الذين مردوا على الهيمنة واستغلال الشعوب والتحكم بمقدراتها والكيد لها حتى تبقى عاجزة عن استرداد حقها والاستقلال بإرادتها. كذلك "النصر" فهو أيضا يبدأ بالانتصار على طغيان النفس، وهو أصل كل ما يليه من انتصارات على اعداء الداخل واعداء الخارج على السواء.. هذه هي القاعدة المطردة التي من شدة رسوخها أصبحت ناموسا كونيا لا يتخلف أبدا.

 

عرف الغرب هذه الحقيقة وامتلك ناصيتها بعد آلاف من السنين قضاها في صراعات أغرقت الشعوب الأوروبية بالدماء والاشلاء والفقر والتخلف والانحطاط، حتى وصلت الى حالة من النضوج استعادت معها وعيها الذي أهَّلَها لقيادة نهضة حقيقية عادت على دولها ثم على القارة الأوروبية بالاستقرار السياسي على المستويات، النظري (نظريات الحُكم وأساليبه وفلسفاته)، والتنفيذي (ديموقراطية حقيقية وتعددية عميقة)، والعلاقة بين الدول (اتحاد أوروبي وحدود مفتوحة وعملة واحدة وسياسة خارجية وداخلية واحدة تقريبا).. كذلك فعلت دول جنوب شرق آسيا وروسيا ما بعد الشيوعية ودول أمريكا الشمالية ودول امريكا الجنوبية وحتى دول القارة الافريقية، وإن بنسب متفاوتة..

 

أنا لا ازعم ان هذه المنظومات السياسية والاقتصادية الغربية تمثل النموذج ( اليوتوبي/المثالي) للدولة الفاضلة، فما زالت الطريق أمامها طويلا للوصول إلى ذلك خصوصا فيما يتعلق بمفهوم "الاخلاق" وبمنظومة علاقاتها مع دول العالم الذي اصطلحت على تسميته "بدول العالم الثالث" الذي يضم الأكثرية الساحقة من الدول العربية والإسلامية، والتي ما زالت متأثرة إلى حد بعيد بمخزونها التاريخي السلبي الذي يرى في امتنا العربية والاسلامية "عدوا" يجب العمل على بقائه مُخَدَّرا لا يقوى على الوقوف على قدميه لما يشكله هذا الوقوف من تهديد لامتيازات هذا العالم ونفوذه .. خلاصة الامر، ان الغرب طور منظوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية خدمة لشعوبه دون غيرها، فهو بذلك يجسد حالة من "الانانية والانتهازية القومية" السيئة ، فهو لا يضن بها على شعوب العالم النامي فقط، بل يسعى الى إجهاض أية عملية خروج مهما كانت سلمية من حالة الاستبداد والفساد التي تُعتبر المعوق الأساسي لأي تطور حقيقي في حياة شعوب الشرق العربي والإسلامي. رأينا ذلك واضحا في دعم الغرب للثورات المضادة التي انقلبت على إنجازات ثورات الربيع العربي في اكثر من بلد عربي، وما زال يدعم الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة الامر الذي يمثل تناقضا سمجا ومبتذلا مع ما ينفذه من قيم ديموقراطية في بلاده.

 

أمام هذا التناقض الغربي ليس أمام شعوبنا العربية والإسلامية إلا ان تنتزع حقوقها بنفسها وذلك بتطويرها هي أيضا منظومات سياسية واقتصادية واجتماعية تخلصها من الاستبداد والفساد وتضعها على خط النهضة أسوة بأوروبا ولكن على أسس قيمية تنسجم مع موروثها الديني والحضاري، وتضعها على خط المنافسة الحقيقية والعادلة والمنصفة والمتوازنة مع العالم ، وليس بالضرورة على خط المواجهة والصراع .

 

منذ أطلقت هذه التكتلات السياسية والاقتصادية الغربية والعالمية مشاريعها وَسَعَتْ مخلصة في تنفيذها على ارض الواقع بعد ان تحررت من مكوناتُها السياسية من النزعات الاستبدادية والاحتكارية، ورضيت بديلا عنها منظومة دستورية وقانونية جديدة لتداول السلطة وإدارة البلاد سلميا بناء عليها، تعيش دول هذه التكتلات حالة من الاستقرار والتنمية والتقدم غير المسبوق. اعظم نتائج هذا الإنجاز على مستوى العالم الغربي ومن على شاكلته ، انتاج "المواطن الجديد" الذي لا يساوم على حقوقه، ولا يتردد في الدفاع عنها في اطار القانون الذي يحميه من تغول السلطة الحاكمة، وهذا هو " الانتصار" الكبير الذي أسس لكل الانتصارات الأخرى الذي حققها الغرب، سواء علينا اتفقنا معها أم اختلفنا.

 

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمنع من مجتمعاتنا وعالمنا العربي والإسلامي ان يحقق هذا "الانتصار" الذي حققه الغرب وإن بنكهة شرقية مميزة؟!!

 

ذكرني هذا السؤال بقصة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حينما ولاه الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) قاضيًا على المدينة المنورة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، ولم يعقد جلسة قضاء واحدة. وعندها طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء! "فقال أبو بكر: أمِنْ مشقَّةِ القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كلٌّ منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يُقَصِّرْ في أدائه، أحَبَّ كلٌّ منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة، وخُلُقُهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟"..

 

إجابة سيدنا عمر بن الخطاب ( رض) اشتملت على عدد من الصفات التي توفرت في الفرد المسلم على اعتباره وعاء التغيير الأساسي والمحرك الأول لدولابه في الحياة، سواء كان فردا او مجموعا. المنتج البشري المميز الذي نجح الإسلام في بنائه على مدى سنوات الاستضعاف في مكة (13 عاما) وسنوات التمكين العشرة في المدينة المنورة كانت كافيا لتغيير وجه التاريخ، وإقامة دولة جديدة صبغت وجه العالم القديم بلون جديد من الحضارة والعدالة والمساواة والرحمة والثورية والمدنية، بناه المسلمون على انقاض عالم قديم سادته قوانين الغاب وغاص في أوحال الظلم والانحطاط الأخلاقي والسياسي.

 

حينما يعرف الفرد في المجتمع ما له من حق فلا يطلب اكثر منه، ويعرف ما عليه من واجب فلا يقصر في أدائه، وحينما يحب كل فرد في المجتمع لأخيه ما يحب لنفسه، ويتضامن افراد المجتمع مع انفسهم في السراء والضراء، ويتواصون دائما بالحق والعمل به والصبر عليه، ويتعاهدون انفسهم ومؤسساتهم ومسؤوليهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويختارون حكوماتهم وحاكميهم وبرلماناتهم بإرادة حرة (المراقبة والمحاسبة) ، حينما يفعلون كل ذلك، وحينما تصبح كل هذه القيم الأخلاقية الهواء الذي يتنفسون والماء الذي يشربون والطعام الذي يأكلون، ستكون السماء هي الحدود لطموحاتهم واحلامهم، ولن تجرؤ عندها أية قوة غاشمة ان تعتدي عليهم او تَثِبَ على اوطانهم ومقدساتهم. عند تحقيق ذلك سيكون "النصر" حليفهم، وستلحق "الهزيمة" بمن يمكر بهم ويعرقل مسيرتهم سواء كانوا من الداخل أم من الخارج.

 

حتى لا نذهب بعيدا في التحليل،  فمجتمعاتنا العربية هنا وفي كل مكان، بحاجة الى إعادة بناءِ منظومتها الأخلاقية والقيمية تأسيسا وتمهيدا لتشييد منظومة سياسية واجتماعية تنقلها من حالة التآكل الدائم إلى حالة من الإنجاز التراكمي الضروري لبناء المستقبل. تغيير واقعنا وتحقيق "النصر" على عوامل الإعاقة فيه، يقتضي أولا ان نعترف ان هنالك مشكلة يجب حلها. ثانيا، تحديد مرتكزات مشروع التغيير الفكرية ومرجعياته واهدافه. ثالثا، تحديد الوسائل الكفيلة بتحقيق أهدافه وغاياته.رابعا، انتخاب القيادة القادرة على حمل رايته وتنفيذ برامجه وردع أعدائه. خامسا، انتخاب المؤسسات الرسمية والاهلية القادرة على حمايته من تغول السلطة الحاكمة وضبط حركته وتصحيح ما اعوج في مسيرته. سادسا، تأهيل الظهير الشعبي والسند الجماهيري القادر على التحرك دائما للدفاع عنه، والمستعد للتضحية في سبيله.

 

لن يتحقق أي من هذه الضرورات ما لم تتحرك الشعوب وقواها الحية سلميا لتأخذ زمام المبادرة، وتزيل ما في طريقها من ألغام وأفخاخ وكمائن تعيق حركتها وتعرقل مسيرتها، وتقدم في سبيل ذلك ما يلزم من تضحيات ان احتاج الامر.. واقعنا العربي اثبت ان التغيير الثوري لن يأتي من السلطة الحاكمة التي ادمنت الديكتاتورية وولغت من مستنقعات الفساد حتى الثمالة، فهي لا تحتمل بحال أي تغيير ينزع منها ما اكتسبته من سرقة قوت شعوبها وما ادته من فروض الولاء والخيانة لأعدائها.. لا خيار امام الشعوب إلا ان تمارس حقها المشروع في النصح والارشاد سلميا لزعاماتٍ تسلطت على رقابها دون إرادتها، والا فالخلع والابعاد .. وصدق احمد شوقي إذ يقول :

 

وللحريـــةِ الحـــمراءِ بـــابٌ     بكـــلِّ يَـــدٍ مُضَرَّجَــةٍ يُــدَقُّ

 

احداث القدس والاقصى في الأسابيع الأخيرة ( انتفاضة القدس)،  جسدت صورة رائعة من صور هذا المشروع الذي تنتظره الامة، وذلك من خلال ما اثبتته من أن الشعوب قادرة على إحداث التغيير مهما كانت قوة الخصم غاشمة وعاتية، وليس اعظم من أجل تحقيق " النصر" مهما كان نوعه او حجمه او شكله، أن نلتف حول ما لا خلاف عليه: الخلاص من أنظمة الاستبداد والفساد، والتحول من حالة الذل والمهانة الى حالة العزة والكرامة، الانتقال من حالة الفرقة والتمزق الى حالة الوحدة ولم الشمل، ومن حالة الانحطاط الأخلاقي والحضاري والمدني إلى حالة من النهوض والانبعاث. وأخيرا، توجيه الجهود كلها من ساحة الصراعات البينية نحو العدو الحقيقي.

 

مهما اختلفنا او اتفقنا في وصف رضوخ الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لكل مطالب الأوقاف الإسلامية المدعومة بعشرات آلاف المعتصمين سلميا على مدار نحو أسبوعين ابتداء من 14.7.2017 وحتى 27.7.2017، هل هو (انجاز) ام ( انتصار) ، فهو بلا ادنى شك (انجاز) ذو معنى كبير له ما بعده من نتائج حاسمة يمكن البناء عليها إن تم استثمارها على الوجه الأفضل. من عجيب بلاغة القرآن الكريم في التمييز بين " النصر" و "الفتح" ، ما جاء في قول الله تعالى : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) .. "النصر" بهذا المعنى يكون ظفرا موضعيا لا يترتب عليه نتائج ذات بال. اما "الفتح" فهو انتصار يؤدي الى تغييرات جذرية وثورية شاملة عند طرفي الصراع ، ويفرض قواعد كونية جديدة تكون فاصلا بين مرحلة مضت ومرحلة تأتي ..

 

كلمة السر في كل ما سبق: "الله" ، ثم "الشعب" .. حينما يتحرك الشعب بإصرار لا يلين متوكلا على الله سبحانه، ومستمدا القوة منه وحده، ومستلهما أسباب النصر فيما حدده في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، يكون " الإنجاز" ف – " النصر" ثم لا بد من الوصول إلى "الفتح" .. هذه هي القاعدة ..

 

*** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني  

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل