X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      28/03/2024 |    (توقيت القدس)

استعدوا لارتفاع الأسعار.. هكذا سيستنزف ترامب جيوب سكان العالم

من : قسماوي نت
نشر : 12/09/2018 - 16:49

على الأرجح، فإن الرئيس الأميركي الحالي "دونالد ترمب" لم يتعلم الدرس الذي تلقاه أحد أسلافه في البيت الأبيض، فبالنسبة لـ "ديف أرندت"، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة قطع غيار السيارات الأميركية "بينتافليكس"، لم يكن شهر مارس/آذار من عام 2002 شهرا عاديا، وكذا على كثير من الشركات المحلية، إذ كانت أعمال "أرندت" مزدهرة بفضل تعاقده هو ومُورد آخر مع أحد صانعي السيارات من الثلاثة الكبار في الولايات المتحدة وقتها، حتى انقلبت الأمور رأسا على عقب في الشهر نفسه، حينما فاجأ الرئيس الأميركي "جورج دبليو بوش" الجميع بفرض تعريفات جمركية على الصلب المستورد بنسبة 30% بدعوى "حماية صناعة الصلب المحلية التي تتعرض للإغراق بسبب الطفرات المفاجئة في الواردات"(1).

     

جورج دبليو بوش، الرئيس الأمريكي السابق (رويترز)

  

جاء قرار بوش مناقضا لما كان يدعو له منذ دخوله البيت الأبيض بتشجيع إدارته للدول الأخرى على تحرير السياسات التجارية والتعريفات الجمركية، وظهر ذلك جليا في محادثات جولة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية المقامة في ذلك الوقت(2)، ولكن اعتبارات كسب أصوات الناخبين على الأرجح في ولايات صناعة الصلب كانت مقدمة على أي شيء، بما في ذلك المستهلكين الأميركيين والصناعات الأخرى المتضررة من هذا الإجراء، فضلا عن الحلفاء الدوليين كالاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا، ما استدعى تهديدات عنيفة من قبلهم بفرض تعريفات انتقامية، وتقديم شكوى لدى منظمة التجارة العالمية(3).

   

وبالتزامن كانت أوضاع شركة أردنت والمُورد الآخر في العقد في تدهور متسارع لعدم قدرتهم على امتصاص التكلفة العالية، ما دفعهم في نهاية المطاف إلى إعلان الإفلاس وقتها، وإغلاق بينتافليكس التي كان رأس مالها ثلاثة أرباع مليار دولار، مع تسريح آلاف العمال(4).

   

كان مرور 21 شهرا كفيلا بمعرفة تأثير تعريفة بوش على الاقتصاد الأميركي، بجانب حكم منظمة التجارة العالمية التي أقرت بانتهاك التعريفات الأميركية للمعاهدات الدولية، إذ جاءت النتائج عكسية بشكل كبير، وتجسد ذلك في صورة فقدان للوظائف ونقص الموارد وتأخير الإنتاج وزيادة التكاليف ورفع أسعار العديد من المنتجات عن طريق تمرير زيادة التكاليف للمستهلكين الأميركيين(5)، لينتهي الأمر بإلغاء بوش للتعريفات في ديسمبر/كانون الأول عام 2003(6)، وهو طريق يكرر ترمب السير فيه على المنوال نفسه وبلا تغيرات تقريبا.

  

ففي شهر مارس/آذار نفسه ولكن بعامنا الحالي 2018، وجدت تهديدات "ترمب" طريقها لأرض الواقع حينما فرض تعريفات جمركية قاسية على واردات الصلب بنسبة 25%، وواردات الألومنيوم بنسبة 10%، وذلك بعد شهرين من اتخاذه أول إجراء تجاري كبير ضد الصين عندما أعلن عن فرض تعريفات على الألواح الشمسية المستوردة -معظمها من الصين- وعلى الغسالات(7). لم تكن تعريفات ترمب للصلب هي الأخيرة، إذ تبعها فرض الكثير من التعريفات تم على إثرها اتخاذ تعريفات عقابية مقابلة من قبل الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك وغيرها، لتتجاوز قيمة التعريفات المطبقة والمعلقة في تلك المواجهات التجارية أكثر من تريليون دولار، بينما لم يغلق القوس بعد، مع عديد من التأثيرات على المستهلكين النهائيين سواء في دول الصراع التجاري نفسها أو دول العالم مختلفة.

   

 

    

 
المستهلك الخاسر

بالنسبة للدول المنخرطة بشكل مباشر في الحرب التجارية، ومع تجاوز تأثير التعريفات الجمركية على الاقتصاد الكلي الخاص بها، ينبئنا نموذج نظرية "التجارة الدولية" حول "الحماية التجارية"(8) بأن المتضرر والخاسر الأكبر من تلك التعريفات هم المستخدمون النهائيون للسلعة أو المستهلكون، سواء بسبب الزيادة في الأسعار المحلية للسلع المستوردة مع البدائل المحلية مرتفعة الثمن بالأساس، وبالتالي تآكل قدرة المستهلك الشرائية، ما يعني انتقال الثروة من المستهلكين إلى المنتجين. وعادة ما يكون هذا الانتقال غير فعال من الناحية الاقتصادية لأن الفوائد التي يحصل عليها المنتجون المحليون ستكون أقل بكثير من التكاليف التي يتحملها المستخدمون النهائيون المحليون.

   


 
  

بتطبيق ذلك على تعريفات ترمب الجمركية للصلب في الولايات المتحدة أو على التعريفات بشكل عام، فإن فرض تعريفة قدرها 25% ستجعل منتجي الصلب في البلاد أفضل حالا لأن الصلب المستورد أصبح أكثر تكلفة بنسبة 25%. ما يعني أن الشركات المحلية المنتجة للصلب ستتمكن من رفع أسعارها وتوسيع عملياتها، ويمثل ذلك أخبارا سيئة للمصنعين الذين يستخدمون الصلب في إنتاجهم كمصانع السيارات والأدوات الكهربائية وغيرها.

   

تضع هذه المعادلة تلك الشركات أمام قرارين كلاهما سيئ للمستهلكين؛ فإما أن تقوم الشركات بتمرير زيادة التكاليف لهم، وإما أن تقوم بتقليص حجم عمالتها لتتمكن من امتصاص التكاليف الزائدة، وهو ما يؤثر على الاستهلاك المحلي في نهاية المطاف، إذ إن خروج آلاف العمال من العمل يعني تقليل الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير.

   

في أوائل شهر يوليو/تموز الماضي، أصدر الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة بيانا بشأن تعريفات بقيمة 35 مليار دولار فرضها ترمب على البضائع الصينية. ويعد الاتحاد الوطني للتجزئة أكبر اتحاد لتجارة التجزئة في العالم، ويمثل متاجر التخفيضات، والمتاجر الضخمة، والمتخصصة، وتجار الشارع الرئيس أو المتاجر المحدودة في القرى والبلدات والمدن الصغيرة، ومحلات البقالة، وتجار الجملة، وسلاسل المطاعم، وتجار التجزئة عبر الإنترنت من الولايات المتحدة وأكثر من 45 دولة أخرى، وهو الوسيط الأول ما بين البائع والمستهلك بتفاوت الأحجام، وسيط في سوق تجارة تجزئة عالمي يبلغ حجمه في الولايات المتحدة فقط 2.6 تريليون دولار.

 

    

في بيان الاتحاد، أكد على أن تفعيل التعريفات الجمركية على الصين سيرسل التأثير الكامل للحرب التجارية للمستهلك الأميركي، لأن التعريفات بالضرورة ستقوض فوائد الإصلاح الضريبي وترفع الأسعار على مجموعة واسعة من المنتجات المتنوعة(9)، وبالتبعية، فإن ذلك يعني انخفاضا في دخول المستهلكين، ومن ثم تدهور حاد في مستوى معيشتهم.     

   

 
كل حروب العالم

"هذه الحرب التجارية تقطع أرجل المزارعين، وخطة البيت الأبيض هي إنفاق 12 مليار دولار على عكازات ذهبية"

(سيناتور ولاية نبراسكا الجمهوري "بن ساس")

 

لا يقف الأمر عند عتبة استهلاك البضائع من قبل المستخدمين النهائيين، وإنما يتجاوزه لاستثماراتهم أيضا (10)، وقد اتجهت العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية لفرض تعريفات انتقامية على مجموعة من البضائع الأميركية، حيث فرضت تعريفات على قائمة طويلة من المنتجات الزراعية منها فول الصويا ومنتجات الألبان واللحوم وإنتاج وبيع الخمور. وتضر تلك التعريفات الانتقامية المستهلكين في الجانبين، سواء المستهلكين في الجانب الآخر، أو المزارعين الأميركيين لأنهم في نهاية الأمر مستهلكون أيضا، بسبب انخفاض صادراتهم للصين، وبالتالي انخفاض دخولهم.

  

في العام الماضي 2017 صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 138 مليار دولار من المنتجات الزراعية، بما في ذلك 21.5 مليار دولار من فول الصويا وهو المحصول الأكبر قيمة في قائمة الصادرات الزراعية، بينما كانت حصة الصين من استيراد حبوب الصويا نحو 12.3 مليار دولار من ذلك الإجمالي. لذا، ومن أجل تقليل تلك الأضرار، فقد أعلنت إدارة ترمب منذ أيام قليلة أنها ستستخدم برنامج "عصر الكساد الكبير" الذي استخدمه الرئيس الأميركي وقتها "فرانكلين دي روزفلت"، لتقوم إدارة ترمب بدفع ما يصل إلى 12 مليار دولار لمساعدة المزارعين الأميركيين على مواجهة الحرب التجارية المتنامية(11).

 
     

لم يكن المستهلكون الأوروبيون بأفضل حال من نظرائهم الأميركيين، فرغم محاولة بروكسل طمأنتهم بأن الرسوم الجمركية البالغة أكثر من ثلاثة مليارات دولار، والمفروضة على المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، لن يكون لها أي تأثير على الأسعار، فإنها تبدو تصريحات لتهدئة أجواء المستهلك الأوروبي الذي تحميه حزمة من القوانين النافذة(12) أكثر منها تصريحات واقعية وصائبة.

   

فعلاوة على تحذير المنظمة الرئيسة للمصدرين الألمان من الارتفاع السريع لبعض المنتجات في المتاجر الكبرى، يخشى بعض الأوروبيين من أن إيجاد بدائل للسلع الأميركية المستوردة سيشكل تحديا حقيقيا مع توقعات الجودة الأقل أو أن البدائل ستكون أكثر كلفة، كما أن الشركات التي تتنافس مع الواردات الأميركية قد ترفع أسعارها للاستفادة من الوضع.

   

لا يتوقف تأثير تلك التعريفات عند المستهلكين في دول القتال التجاري فقط، وإنما يمتد للمستخدمين النهائيين في جميع دول العالم، من خلال تعطل سلاسل التوريد العالمية بشكل مباشر مع استهداف الاستثمارات. فأي خلل قد يحدث في سلاسل التوريد والتوزيع، والتي هي جزء أساسي من التجارة العالمية، يمكن أن يكون له تأثير دائم.

  

فعلى سبيل المثال فإن السلع الأميركية تباع في كل مكان في العالم تقريبا، وإذا كانت تعتمد على أجزاء من الصين، فإن المستهلكين في شتى أنحاء العالم سيتأثرون أيضا(13). وينطبق الأمر نفسه على المنتجين الصينيين، فنحو نصف الصادرات الصينية تصنعها شركات لديها مستثمرون أجانب، ولما كانت البضائع الصينية تغرق الأسواق العالمية فسوف يتأثر المستخدمون النهائيون في كل دول العالم. لذا كان طبيعيا أن تقول وزارة التجارة الصينية، أوائل يوليو/تموز الماضي، إن التعريفات الأميركية سوف تضرب سلاسل التوريد العالمية بما في ذلك الشركات الأميركية في الصين(14).

       

     

وتعد صناعة السيارات أحد أوضح الأمثلة على سلاسل التوريد العالمية المعقدة، فرغم كون الكثير من الدول النامية خارج ساحة الحرب التجارية، فإن المستهلك الذي يريد شراء سيارة فيها سيتأثر على الأرجح بتلك الحرب، فقد يتم صنع محرك السيارة في ألمانيا، ونظام نقل الحركة في الولايات المتحدة، ونظام تحديد المواقع "GPS" الخاص بها في كوريا الجنوبية(15)، والإطارات في الصين، ومن شأن فرض تعريفات بين تلك الأطراف أن ترفع الأسعار على المستهلك النهائي خارج تلك البلاد والأطراف الرئيسة، وفي الوقت نفسه يصعب تفكيك سلاسل التوريد المتطورة تلك بفعل العولمة على مدار عقود، تلك العولمة التي جعلت السلع الوسيطة تهيمن على التجارة العالمية بشكل كبير.

  

بالنسبة للدول النامية وغيرها من الأطراف غير المباشرة، يكمن الخطر الأكبر في وصول العالم المتوقع إلى النتيجة الحتمية لأي حرب تجارية بهذا الحجم وهي الركود، ومن ثم انخفاض حركة التجارة الدولية، ما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات الحكومية ومن ثم انخفاض قيمة العملات المحلية لتلك الدول، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع الأسعار، فضلا عن انخفاض الإنفاق الحكومي على العديد من أبواب الإنفاق الشعبية في بعضها "التعليم والصحة وغيرهما".

   

وتأييدا لتلك الفرضية، فقد حذر البنك الدولي في أوائل شهر يونيو/حزيران الماضي من أن حدوث تصعيد في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين؛ سيكون له "عواقب وخيمة" على التجارة العالمية والنمو الاقتصادي ربما تعادل ما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008(16).

   

وقد وجد البنك، باستخدام سيناريو التصعيد، أن هناك انخفاضا في حجم التجارة الدولية بمقدار 9%. وهي النسبة نفسها التي حدثت أثناء الأزمة المالية العالمية، إلا أن البنك حذر من أن التأثير قد يكون أكبر إذا ذهبت الدول الكبرى إلى أبعد من قواعد منظمة التجارة العالمية. ويسوء الأمر أكثر لدى الدول النامية، ومنها الدول العربية، إذ يشير البنك إلى أن المخاطر الناجمة عن حرب تجارية شاملة ستكون أسوأ بالنسبة لتلك الدول لأن ثرواتها غالبا ما تكون مرتبطة بالاقتصادات الكبرى، إذ إن أي انخفاض في النمو بنسبة 1% في الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو يقلل النمو في الاقتصادات الناشئة على مدى عام أو اثنين بنسبة 1.1%(17).



   

بطبيعة الحال، تخبرنا التجارب السابقة للحروب التجارية عن حدوث ركود أعقبه انخفاض في الطلب على النفط(18)، وما أعقب الأزمة المالية عام 2008 خير شاهد، ويعني انهيار أسعار النفط تقلص عوائد الاقتصادات الخليجية ودول الشمال الأفريقي الكبرى في الطاقة كالجزائر، ومن ثم توجه الحكومات نحو تقليص الإنفاق العام واتخاذ العديد من التدابير التقشفية التي تؤثر بشكل مباشر على المستهلكين هناك، والتي تنتهي غالبا لتقليص الدخول ومن ثم انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتدهور مستوى المعيشة.

   

لا يمكن القول إن الولايات المتحدة، وتحديدا إدارة ترمب، غير مدركة لكل تلك العواقب، لكن الأمر في كل الأحوال يحمل ما يحمله من شبه إعادة إنتاج لتجربة "بوش" كاملة، إلا أن "ترمب" على عكس سلفه الجمهوري لا يمكن التنبؤ بردود أفعاله خاصة وأن التعريفات التجارية هي أحد وعود حملته الانتخابية المباشرة، ومع نجاحه المحتمل في تصفير معظم مشاكله وعقباته المؤسساتية بالداخل الأميركي، فمن غير المتوقع أن تلقى قراراته كثير المعارضة المؤثرة من مراكز النفوذ المؤسساتية الأميركية، إلا أن الرهان يظل حصرا على قدرة بكين وتكتل بروكسل على إيقاف حربه المتسارعة، أو على الأقل تحجيمها حتى حين.

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل