X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      28/03/2024 |    (توقيت القدس)

آن الأوان ل - "المشتركة" أن تتجاوز أزمتها... بقلم إبراهيم عبدالله صرصور

من : قسماوي نت -
نشر : 09/12/2020 - 18:26

آن الأوان ل - "المشتركة" أن تتجاوز أزمتها...

بقلم إبراهيم عبدالله صرصور 

 

سألني الكثيرون قائلين: الا تشرح لنا حقيقة الخلاف الناشب في "القائمة المشتركة" في الفترة الاخيرة، ولماذا؟

احيانا يصعب تفسير ظاهرة معينة.. سبب ذلك شدة وضوحها... الخلاف الذي تفجر مؤخرا بين مكونات القائمة المشتركة أحسبه من هذا النوع من القضايا التي تتميز بشدة الوضوح الا انها تتحول الى مسألة غير قابلة للحل بسبب عوامل لا علاقة لها بالقضية نفسها، وإنما باللاعبين المركزيين الذي يمسكون بخيوطها..

ما يجري في المشتركة يمكن توصيفه ب - "الأزمة"، والتعامل معها تحكمه قواعد عِلْمٍ يسمى "إدارة الأزمات" (Crisis Management)، والذي يعني ببساطة: ‏الاستعداد لما قد يحدث، والتعامل مع ما حدث... المصطلح يتكون من مركبين. الأول، "إدارة".. والثاني، "أزمة".. فالإدارة تعني "حسن التعامل"، اما الازمة فتعني "الخطر الذي يتهدد واقعا مستقرا محددا".. فإذا جمعنا المكونين، أصبح عندنا تعريف واضح للمصطلح، والذي يمكن تحديده في انه حسن التعامل مع خطر يتهدد واقعا مستقرا، والذي بطبيعته يشتمل على خطر يجب تجنبه، وفرصة يجب اغتنامها... غير أن ذلك ليس بالأمر المتاح في كل الأوقات، فعادة ما تكون الأطراف المعنية - أثناء الأزمة - غير مستعدة، أو غير قادرة على المواجهة..

(1)

انطلق قطار القائمة المشتركة عام 2015 بعد جهود مهدت لهذا الانطلاق على مدار سنوات طويلة بُذِلت خلالها جهود لتحقيق هذا الهدف، تزامنت مع ضغوط شعبية متزايدة، وتفاعل جماهيري واسع، دفعت كلها في ذات الاتجاه: الوحدة.. أخيرا، ولدت القائمة لتكون مشروعا وطنيا يؤسس لعمل مشترك عابر لكل مؤسسات المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني/اسرائيل، وهيئاته الرسمية وغير الرسمية، بهدف تمكينه في ارض الوطن من جهة، وتحصينه في مواجهة التحديات الوجودية التي تفرضها سياسات التمييز العنصري والقهر القومي الإسرائيلية من الجهة الأخرى.   

برغم التفاؤل الكبير الذي ساد حقبة تشكيل القائمة الوطنية، والحماسة الشعبية منقطعة النظير التي احتضنتها، إلا أنه لم يكن متوقعا ان تكون طريق "المشتركة" مليئة بالورود، كما لم يكن متوقعا الا تثور في وجهها عواصف حقيقية او مصطنعة، لأسباب منها الشخصي ومنها التنظيمي الفصائلي ومنها الأيديولوجي ومنها المزاجي...

إلا ان الثقة في قدرة الشركاء على التعالي عن كل هذه العوائق، كانت سيدة الموقف..  لذلك، ورغم الاستياء الشديد مما وقع من خلافات "صغيرة" في الدورة الأولى للمشتركة (2015-2019)، كانت مقدمة لانقسامها في انتخابات شهر نيسان 2019، فقد انتصرت الإرادة الشعبية والمسؤولية الدينية والوطنية مرة أخرى ليلتئم شمل "المشتركة" من جديد، تمهيدا لأكبر انتصار انتخابي في تاريخ الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل في انتخابات آذار 2020، جعل منها القوة الثالثة في الكنيست، لتبدأ مرحلة جديدة وضعت المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل على الطريق الصحيح مرة أخرى.     

 

شكلت الأزمة الأخيرة في "المشتركة" مفاجأة مخيبة للآمال لمجتمعنا الفلسطيني، خصوصا وأن الجميع آمن ان عهد الخلافات والصراعات قد ولّى، وان الشركاء قد تعلموا الدرس من تجارب الماضي القريب، وأن العودة الى حقبة الازمات أصبحت من الماضي.. إن ارتفاع لهيب الأزمة الأخيرة بشكل بات يهدد العمل المشترك، يضعنا أمام الحقيقة التي سنحاول الإمساك بها في هذا المقال.. فما هي حقيقة الأزمة الأخيرة في المشتركة؟

(2)

من أهم السمات التي تميز الازمة: المفاجأة، نقص المعلومات، تصاعد الأحداث، فقدان السيطرة، حالة الذعر، وغياب الحل الجذري السريع.. بعض هذه السمات وربما كلها، ينطبق تماما على الهزة التي تتعرض لها المشتركة في الفترة الأخيرة.. فهي مفاجِئة من حيث ان الرأي العام الفلسطيني كان واثقا ان عهد الخلافات قد أصبح وراء ظهورنا، وان النواب أصبحوا من النضوج بما يكفي الا يقعوا مرة أخرى في فخاخ النزاعات التي كادت تعصف بالمشتركة وبهم ايضا في الماضي القريب جدا..

لا أستطيع ان أقول ان نقص المعلومات كان سببا في تأجيج الازمة الأخيرة، إلا أنني أستطيع ان أؤكد هنا ان غياب المصارحة والشفافية والحوار المفتوح والبَنّاء داخل المشتركة هو واحد من الأسباب التي أدت الى هذه الأزمة الخطيرة.. كانت النتيجة الحتمية لذلك أن تصاعدت الاحداث بشكل مذهل وصادم، أدت بدورها إلى فقدان السيطرة على الاحداث..

عزز حالة التدهور، غيابُ العمل المشترك والجماعي الجاد والسريع، بهدف تجاوز الازمة او إيجاد الحل الجذري لها ولو بالتدريج، وجنوح البعض الى التصعيد بدل التهدئة، وتسخين الاجواء بدل تبريدها، وصب الزيت على النار بدل إطفائها، ورفع نبرة الخطاب بدل خفضها..

تابعت شخصيا مع عدد من قيادات المجتمع العربي وشخصياته الاعتبارية ما يحدث في المشتركة... لم نكن بعيدين عن الأجواء المكفهرة في سمائها منذ وقت مبكر... التقيت بالأستاذ محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا على هامش احياء الذكرى الرابعة والستين لمجزرة كفر قاسم.. تواصلت بعدها من قيادات الأحزاب: دكتور منصور عباس، ايمن عوده، امطانس شحادة ودكتور احمد طيبي... كما كان لي تواصل مع السيد مضر يونس رئيس اللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس العربية، والدكتور جمال زحالقة، ومسعود غنايم، ودكتور حنا سويد، ودكتور محمد أبو فول والقيادي الوطني السيد احمد جربوني..

تشاورنا حول ما يمكن ان نقدمه مجتمعين لمساعدة القائمة المشتركة على تجاوز أزمتها الحالية.. اتفقتْ الكلمة على ان الوضع خطير، ولا بد من حث الأطراف على عمل اللازم من اجل الوصول بالمشتركة الى شاطئ الأمان فورا، والاستعداد للتدخل المباشر إذا لزم الأمر.. بعثت الى نواب المشتركة رسالة بهذه الروح، ونقلتُ لهم قناعة الاخوة الذين تواصلت معهم بضرورة المسارعة الى احتواء الازمة، وبأن الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية تقتضي أقصى درجات التوافق والوحدة والعمل المشترك، والابتعاد قدر المستطاع عما يعيق مسيرة مجتمعنا العربي نحو تحقيق المزيد من الإنجازات على كل الصعد والمستويات..

 

(3)

عندما توافقت الأحزاب الأربعة (الإسلامية والقومية والشيوعية)، على الذهاب معا في إطار "المشتركة"، كانت واعية تماما للاختلافات الكثيرة بينها في الرؤى حول العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية، إلا ان ذلك لم يمنعها من الالتفاف حول المشتركات وهي المساحة الاوسع، مع احتفاظ كل منها بهامش يسمح لها بالتعبير عن مواقفها بما لا يتعارض مع البرنامج السياسي للقائمة.. كان الجميع واعيا أيضا ان هذا "الهامش" فيه من القضايا ما يمكن ان يمس الثوابت الدينية والسياسة كقضية "الشذوذ الجنسي" والموقف مما يجري في سوريا ومصر وغيرها من الدول العربية، والموقف من القضية الفلسطينية وصراعها من المشروع الصهيوني في الكثير من جوانبه الخارجية كالعلاقة مع الاحتلال، والداخلية كالعلاقة بين السلطة وحماس، او موقف السلطة الفلسطينية من الوحدة الوطنية والتعددية والحريات.. الخ.. اين المشكلة إذا؟

ليست المشكلة كما هو واضح في الاختلافات الفكرية فهذا ليس سرا، وسيظل النقاش حولها مستمرا لحين الاتفاق حولها او الإبقاء على حالة "الستاتوس كفو"... المشكلة تكمن في فقدان السيطرة أحيانا على مسار النقاش حول مسألة محددة، تتحول بسرعة الى أزمة بسبب العامل البشري الذي يظل السبب الأساس لكل الازمات حين يفقد القيادي القدرة على التحكم في ميوله الشخصية او التزاماته الحزبية، فيتحول النقاش حول "المشروع/المضمون" الى النقاش حول "الشكل" و "الخطاب"، فيضيع الأول والثاني معا، وتضيع معه القضايا الكبرى ايضا..

اما المضمون، وهو المتفق عليه بين الأحزاب، والذي يتحدد – في رأيي – في: 1. ان الأحزاب العربية والمجتمع العربي عموما ليسوا في جيب أي من الكتل السياسية الصهيونية: اليمين والمركز واليسار.. الأحزاب العربية في جيب مجتمعها العربي الفلسطيني فقط.. 2. الأحزاب العربية لا تهتم بالعناوين بقدر ما تهتم بالسياسات، ولذلك تؤكد دائما انها لا تسعى الى تغيير حزب يميني (أ) بحزب يميني (ب)، وانما تسعى الى ان يغير أي حزب حاكم سياساته تجاه المجتمع العربي من جهة، وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة من جهة أخرى.. 3. الأحزاب العربية واعية تماما الى ان الأحزاب الصهيونية من اليمين والمركز واليسار كانت السبب في نكبة فلسطين، وتشريد الشعب الفلسطيني، وعن الاحتلال وجرائمه، والتمييز العنصري وبشاعاته.. 4. تتعامل الأحزاب العربية مع الحكومات بغض النظر عن هويتها الأيديولوجية، بشموخ وكبرياء وطني على قاعدة ان الحكومة هي المسؤولة قانونا عن تحقيق المصالح القانونية والشرعية للمواطنين فيها، وهذا يشمل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.. 5. تهتم الأحزاب العربية بقضايا الجماهير العربية التي تمثلها أولا، من غير ان تهمل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، والتي توليها الاهتمام في حدود الممكن والمستطاع على المستويين السياسي والميداني.. 6. تسعى الأحزاب العربية دائما للموازنة بين "الهم اليومي" و "الهم الوطني" من غير تفريط أو افراط، ومن غير تهويل او تهوين.. 7. لن تكون الأحزاب العربية يوما جزءا من حكومة صهيونية تمارس التمييز العنصري ضد المجتمع العربي، وأبشع أنواع الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني، وتهود مدينة القدس الشريف، وتعرض المسجد الأقصى المبارك لأشنع المخاطر وأكثرها تهديدا، وتسعى الى زعزعة استقرار وأمن شعوبنا العربية والإسلامية، وتدعم أنظمة الاستبداد والدكتاتورية والفساد.. 8. الأحزاب العربية ذكية بما يكفي لاستغلال الفرص السانحة، والانقسام الحاد في الساحة السياسية الإسرائيلية من اجل تحقيق ما أمكن من مصالح المجتمع العربي من غير تفريط باي من الثوابت الدينية والوطنية.. 9. القائمة المشتركة مشروع وطني وليست مجرد توليفة سياسية، يجب الحفاظ عليها وصيانتها ورعايتها، والعمل على ان تكون واحدة من روافع مجتمعنا القوية القادرة على تعزيز العمل الوطني المشترك عموما، ومساندة شعبنا وهيئاتنا التمثيلية الاخرى كلجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية للرؤساء وغيرها.. 10. لا بديل عن الحوار الهادئ والبناء، والابتعاد عن كل مظاهر العنف الكلامي والتراشق الاعلامي من اجل تعزيز الوحدة الوطنية، والمضي بسفينه العمل المشترك حتى تبلغ غايتها..     

تحقيقا لهذه الرؤية المتفق عليها، وضعت الأحزاب العربية "برنامجها السياسي" الذي خاضت على أساسه معاركها الانتخابية الأخيرة تحت راية "القائمة المشتركة".. من المسلم به ان في هذا البرنامج من الثوابت ما لا يمكن تغييره، وفيه أيضا من المتغيرات ما يجب النظر فيه دائما كبعض الأوليات مثلا وأساليب التنفيذ وغيرها..

(4)

إذا كان الامر كذلك، فكيف نشأت الأزمة الأخيرة، ومتى ولماذا؟ طبعا لم تبدا الازمة من عند تصريحات الدكتور منصور عباس الأخيرة والتي لم يكن موفقا في اكثرها خصوصا فيما يتعلق بنتنياهو، وما فُهم على أنه “إنذار/  ultimatum" بقبول "طرحه" او الذهاب الى المجهول بخصوص مستقبل "المشتركة".. بدأت الازمة على ما يبدو عند انفجار أزمة التصويت على "قانون الشواذ"، وما رافقه من تراشق عَمَّقَ كما يبدو حالة "عدم الارتياح" داخل المشتركة..  

لو استبعدنا عددا من تصريحات الدكتور منصور غير الموفقة، واعتبرناها "أخطاء" غير مقصودة، ولم يُرَد منها ما فُهِم عند البعض، وهو ما أعترف به في أكثر من مناسبة، ولو استبعدنا النقاش الحاد حول "قانون الشواذ" المرفوض تماما بالنسبة لنا، وما رافقه من تراشق، واعتبرناه خلافا كان يجب ان يكون التحاور حول عدم مشروعيته في الدوائر الداخلية للمشتركة، فما الذي يتبقى من اجل الا نسمح بالأزمة الحالية ان تعصف بواحد من أجمل الإنجازات السياسية التي حققها مجتمعنا العربي منذ النكبة وحتى الآن؟!!...           

كان ميلاد الازمة مفاجأ، كما كان نموها مفاجأ أيضا، ونحن الآن في مرحلة نضوجها والذي يجب ان يمهد لانحسارها وتلاشيها تماما، والذي لن يتحقق الا بالآتي: 1. وقف التصعيد الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي فورا على مستوى الكوادر والمؤيدين والانصار 2. وقف لقاءات النواب الصحفية التي تزيد الطين بله 3. الإعلان عن الانعقاد الدائم والمستمر للقائمة المشتركة داخل الكنيست وخارجها، بحضور شخصيات اعتبارية تمثل مؤسساتنا الوطنية والحزبية والجماهيرية، او بدونها، حتى التوصل الى حل جذري يضع قطار المشتركة على السكة من جديد 4. إقامة جهاز خاص قادر على بناء سياج أمنى يمنع انفجار الازمات مجددا، ويضع الحلول المناسبة لكل وضع محتمل، ويجمع المعلومات عن هذه الأزمات أو المشكلات وتقييم درجة خطورتها، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع ولادتها، وأخذ العبرة من تجارب الماضي.

 

**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني/islammov@gmail.com

 

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل