
شارك أكثر من مليون شخص في احتجاجات وفعاليات بمناطق متفرقة في "إسرائيل"، ضمن إضراب عام دعت إليه عائلات الأسرى وقتلى جيش الاحتلال في قطاع غزة، للضغط على الحكومة لإبرام صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية.
وشمل الإضراب تعطيل مرافق حيوية وشركات كبرى، احتجاجًا على ما وصفته العائلات بـ"تجاهل السلطات لمعاناة الرهائن وذويهم"، ثم أنهت الفعاليات في مقر "ساحة الأسرى" بتل أبيب، مع التأكيد أن ذلك "لا يعني توقف الحراك ضد الحكومة".
وأعلنت عائلات الأسرى وقتلى الجيش عن الفعاليات ونيتها تنفيذ إضراب شامل وشل الحياة، وأنها ستواصل الدعوة للانضمام إلى أي فعاليات أو مظاهرات أخرى، حتى تتم إعادة الأسرى لدى حركة حماس في قطاع غزة.
وشهد الاحتلال منذ تأسيسه حالات مشابهة، تظاهرات واسعة امتدت لفترات مختلفة احتجاجًا على سياسات الحكومة والقيادة السياسية، سواء في المجالات السياسية أو الاجتماعية أو القضائية وغيرها.
"الضباط السود"
في عام 1971، بدأت احتجاجات لليهود المهاجرين من المغرب والشرق الأوسط ضد التمييز، اندلعت على خلفية شعور هؤلاء بعدم المساواة في التعليم والسكن والخدمات العامة والظلم الاجتماعي والاقتصادي.
اقرأ أيضا:
ورغم عدم حدوث إصلاح جذري فوري، لعبت هذه الحركة دورًا هامًا في إيصال مطالب المجتمع الشرقي إلى دائرة النقاش السياسي الإسرائيلي، وتركت أثرًا في صعود قوى يمينية جديدة لاحقًا.
حرب1973
وفي عام 1974، شهدت إسرائيل احتجاجات شارك فيها جنود الاحتياط ومواطنون مطالبون بمحاسبة الحكومة بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، (تُسمى إسرائيليًا حرب يوم الغفران).
بدأ الاحتجاج بعد أشهر من انتهاء الحرب بقيادة ضابط الاحتياط موتي أشكنازي، الذي نصب نفسه أمام الكنيست مطالبًا باستقالة رئيسة الوزراء غولدا مئير ووزير الحرب موشيه ديان، وسرعان ما انضم إليه آلاف الجنود والإسرائيليين، ما دفع الحكومة إلى تشكيل "لجنة أغرانات" للتحقيق.
أدت النتائج الأولية للتظاهرات إلى استقالة قائد أركان الجيش شلومو إلدار وبعض قادة الأركان، ثم تصاعدت ضغوط الشارع فاستقالت مئير في نيسان/أبريل 1974.
وفقدت الحكومة وقتها ثقة الشارع، وقد مهدت المظاهرات الطريق نحو انتخابات جديدة تغيرت فيها السلطة لاحقًا.
يوم الأرض
في 1976، وفي ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، خرجت مظاهرات جماهيرية وجرى تنفيذ عصيان مدني من قبل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وهي التي اندلعت يوم 30 آذار/مارس 1976 احتجاجًا على قرار الحكومة مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي شمالي البلاد.
وشملت المظاهرات إضرابًا عامًا في القرى والبلدات العربية ومسيرات واسعة من الجليل إلى النقب، وردت قوات الشرطة والجيش بقوة، وأسفر صدامهم عن استشهاد 6 متظاهرين بينهم نساء، وإصابة نحو 100 واعتقال المئات.
ولم تُلغَ مصادرة الأراضي، لكنها رسخت الوعي الوطني الفلسطيني لدى فلسطينيي الداخل المحتل، وأصبحت نقطة تحول ورمزًا للتعبئة السياسية العربية داخل "إسرائيل". ورغم عدم الاستجابة الفورية للمطالب، شكّل يوم الأرض منذ ذلك الحين مناسبة سنوية للتمسك بحقوق الأقلية العربية.
صبرا وشاتيلا
في عام 1982، خرجت مظاهرة واسعة للمطالبة بالتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا، وتحديدًا في 25 أيلول/سبتمبر، بعد انكشاف المجزرة التي ارتكبتها ميليشيات لبنانية حليفة لـ"إسرائيل".
تظاهر نحو 400 ألف شخص في تل أبيب (حوالي 10 بالمئة من السكان حينها) مندّدين بمجزرة اللاجئين الفلسطينيين ومطالبين بتحقيق في مسؤولية القيادة الإسرائيلية.
وقادت المظاهرات منظمة "السلام الآن" ورفعت الشعارات المناهضة للحرب، وبالفعل استجابت حكومة الاحتلال بتشكيل "لجنة كاهان" برئاسة القاضي يهودا كاهان للتحقيق، وخلصت إلى تحميل وزير الحرب حينها أريئيل شارون مسؤولية شخصية عن الجرائم لعدم تحذيره وإيقافه للميليشيات، مما اضطره إلى الاستقالة عام 1983.
"الأمهات الأربع"
في عام 1997، ظهرت حركة "الأمهات الأربع" ونفذت احتجاجات نسائية ضد إبقاء قوات الاحتلال في جنوب لبنان، وتشكلت بعد كارثة تحطم طائرة مروحية إسرائيلية في شباط/فبراير 1997 أسفرت عن مقتل 73 جنديًا.
وبادرت أربع نساء من شمال "إسرائيل"، وهن أمهات لجنود إسرائيليين في لبنان، إلى تنظيم احتجاجات سلمية وأطلقتن نداءات لسحب القوات من لبنان دون انتظار اتفاق سلام.
وحينها، بدأ الحراك بمظاهرات صغيرة وإضرابات عن الطعام، ثم وقّع آلاف الإسرائيليين على عرائض تضامن. ونجحت الحركة في تغيير الرأي العام؛ فقررت الحكومة الانسحاب الأحادي من جنوب لبنان فعليًا في أيار/مايو 2000.
انتفاضة الأقصى
في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2000، خرجت تظاهرات وحدثت مواجهات مع قوات الاحتلال، عقب اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى يوم 28 أيلول/سبتمبر 2000 وتصاعد الانتفاضة الفلسطينية.
واندلعت موجة غضب في الوسط العربي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وشملت احتجاجات عنيفة وإضرابات عامة وإطلاق طائرات ورقية احتجاجًا على الحكومة، ما أسفر عن استشهاد 13 شخصًا برصاص الشرطة.
ونتيجة ذلك، شكّل رئيس الوزراء حينها إيهود باراك لجنة تحقيق "أور"، التي خلصت إلى أن الشرطة استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وأن الحكومة لم تستعد لذلك التصعيد.
ولم تُعرّض أية قيادة سياسية للمحاسبة قانونيًا، لكن الأحداث تركت أثرًا عميقًا في الثقة بين المواطنين العرب والدولة.
فك الارتباط
في عام 2005، خرجت احتجاجات ضد الانسحاب وإعادة الانتشار في قطاع غزة، عندما شرعت حكومة أريئيل شارون في خطة تفكيك 21 مستوطنة من قطاع غزة وإخلاء نحو 8,000 مستوطن.
وخرجت احتجاجات عنيفة من قبل المستوطنين وأنصارهم، شهدت الشوارع مواجهات ومحاولات تظاهرات وعرقلة لخطط الإخلاء بالعنف، وقد انسحب المستوطنون قسرًا في صيف 2005.
نتيجة الاحتجاجات، تكبدت الحكومة استقالة وزير المالية حينها بنيامين نتنياهو من الائتلاف احتجاجًا على الخطة، كما أثّر الانسحاب في المشهد السياسي بالانتقال نحو تحالفات جديدة لاحقًا، لكن لم يحصل تعديل في خطة الإخلاء تحت ضغط الشارع.
حرب لبنان الثانية
في 2006، احتج ضباط الاحتياط بعد حرب لبنان عقب تقييم عسكري نُشر للحرب التي بدأت في تموز/يوليو 2006، وقام المئات من ضباط الاحتياط الإسرائيليين بتوقيع نداء موجه للحكومة يلومون فيه القيادة على فشل الحرب.
واحتج هؤلاء أمام مكتب رئيس الوزراء وطالبوا باستقالة الوزراء وقادة الجيش الذين “ضلّوا” الجيش، وجرى ذلك بمشاركة المئات في حملة توقيع واحتجاجات مصغّرة على إدارة الحرب.
اقرأ أيضا:
"حركة الخيام"
في 2011، خرجت احتجاجات "العدالة الاجتماعية" في صيف ذلك العام، وهو حراك شعبي ضخم ضد ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص السكن والأعباء الاقتصادية على الطبقة المتوسطة.
وقام عدد صغير من الشباب برفع خيام في شارع روتشيلد في تل أبيب ودعوا إلى “عدالة اجتماعية”، وانتشرت الخيام في مدن أخرى وتوسعت الاشتباكات لتشمل آلاف الإسرائيليين.
وبلغ عدد المشاركين في أكبر مسيرات نحو 430 ألف متظاهر في كل أنحاء البلاد (300 ألف في تل أبيب وحدها، 50 ألف في القدس)، واستجابت الحكومة بتشكيل لجنة استشارية "لجنة تريجتنبرغ" لبحث المطالب الاقتصادية.
وانتهت الاحتجاجات رسميًا بعد تنفيذ بعض الإصلاحات المحدودة مثل تحسين بدلات الإيجار ومعالجة أزمة الإسكان، بشكل عام، عزّزت الحركة الوعي بمطالب العدالة ااقتصادية وأجبرت السياسيين على الخوض في إصلاحات اجتماعية وسياسات رفاهية.
قانون القومية
في آب/أغسطس 2018، خرجت مظاهرات عربية ضد "قانون الدولة القومية"، بعد إقرار الكنيست القانون الأساسي الذي يعلن "إسرائيل" دولة "قومية للشعب اليهودي"، وهو الذي يعمل على خفض من شأن اللغة العربية ويعلي حقوق اليهود.
وخرجت في أول أسبوع من آب/أغسطس حينها تظاهرات كبيرة لفلسطيني الداخل المحتل تنديدًا بالقانون، وشارك فيها نحو 30 ألف فلسطيني من الداخل، إضافة إلى بعض اليهود الداعمين.
ورغم ذلك، بقي القانون معمولًا به، لكن المتظاهرين تقدموا بخمس دعاوى قضائية ضده أمام المحاكم الإسرائيلية، وأحدث القانون جدلًا متواصلًا ورفع قضية النقاش السياسي حول "حقوق العرب" في "إسرائيل".
الإثيوبيون
في تموز/يوليو 2019، خرجت احتجاجات لليهود الإثيوبيين ضد عنف الشرطة، وذلك بعدما اشتعلت مدن إسرائيلية بمظاهرات جماهيرية بعد مقتل الشاب الإثيوبي-الإسرائيلي سولومون تيكا برصاص شرطي، وهي حادثة وقعت في 30 حزيران/يونيو 2019.
وشارك عشرات الآلاف من أفراد الجالية الإثيوبية ومناصرين آخرين في مسيرات وإغلاق طرق، وجرى إغلاق نحو 15 تقاطعًا رئيسيًا، بينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وتم توقيف أكثر من 130 متظاهرًا.
وسلطت الاحتجاجات الضوء على قضايا التمييز والعنصرية في الشرطة الإسرائيلية، ردّت الحكومة بتأسيس لجنة للتحقيق في التمييز تجاه الإثيوبيين داخل أجهزة الأمن باسم لجنة "يتسحاك" وتعهدت بإجراءات إصلاحية، رغم استمرار الاستياء العام.
الأعلام السوداء
في أعوام 2020 و2021، خرجت احتجاجات بـ"أعلام سوداء" ضد بنيامين نتنياهو وحكومته، عقب أزمة تشكيل الحكومة وتفاقم الاتهامات بالفساد، شهدت "إسرائيل" منذ ربيع 2020 احتجاجات أسبوعية ضخمة أمام مقر رئاسة الوزراء في القدس وأماكن أخرى.
ورفع المحتجون شعار "لن نرحل حتى يرحل نتنياهو" وحملوا الأعلام السوداء المُناهضة لحكمه، وجمعت المظاهرات آلاف المتظاهرين أسبوعيًا، وصولًا إلى أكثر من 10 آلاف مشارك في مظاهرة واحدة في آب/أغسطس 2020.
وشارك في المظاهرات سياسيو معارضة وشخصيات عامة، وهي التي شكلت ضغطًا سياسيًا قويًا أدّى إلى تعثر تشكيل الحكومة وبقاء "إسرائيل" في انتخابات متكررة، وفي النهاية نجح الائتلاف المعارض بتشكيل حكومة جديدة وأدى ذلك فعليًا إلى نهاية ولاية نتنياهو في حزيران/يونيو 2021.
التعديلات القضائية
بعد عودة نتنياهو إلى الحكم، خرجت احتجاجات ضد "إصلاح النظام القضائي"، منذ كانون الثاني/يناير 2023 طرحت الحكومة المتطرفة مقترحات لتعديلات قضائية شاملة للحد من صلاحيات المحكمة العليا.
وبدأت تظاهرات حاشدة في المدن الرئيسية تنديدًا بما اعتُبر محاولة لـ"تقييد القضاء" وضمان الحصانة للسياسيين، وذلك بمشاركة مئات الآلاف في احتجاجات شبه أسبوعية، وفي مسيرة كبيرة بالقدس شارك نحو 100 ألف شخص في تل أبيب وحدها.
اقرأ أيضا:
والسبب المعقول هو سبب قانوني يجيز للمحكمة إلغاء قرار رئيس السلطة التنفيذية، أي رئيس مجلس الوزراء أو الوزير أو إحدى السلطات العامة، بالنص على عدم معقولية القرار.
وتوقّفت هذه الاحتجاجات الكبرى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ثم عادت بقوة جزئية لاحقًا في ظل حالة حرب وتركيز الشارع على الأوضاع الأمنية.
الأسرى في غزة
طوال 2024 وخلال عام 2025، تواصل احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهي تتكرر بشكل أسبوعي في وسط تل أبيب وغيرها، بمشاركة آلاف الإسرائيليين، خاصة من عائلات الأسرى، للمطالبة بإعادتهم ووقف إطلاق النار.
وساهمت هذه الاحتجاجات في إبقاء قضية الأسرى على سلم أولويات وأهداف حرب الإبادة ضد غزة، وأثارت جدلًا حول مقترحات التبادل الجزئي المقترحة بين "إسرائيل" والمقاومة.
اضف تعقيب