
بعد استقطابها يهود العالم بزعم حلم "أرض الميعاد".. إسرائيليون يهاجرون عكسيا بلا عودة

تزايدت معدلات الهجرة العكسية التي ظلّت دولة الاحتلال الإسرائيلي تُخفيها مع مرور الوقت، خاصة عقب تنصيب حكومة، بنيامين نتنياهو، أواخر عام 2022، حيث أنّ تنامي نفوذ اليمين والأحزاب الحريدية في المراكز القيادية، شجّع اليهود العلمانيين على الهجرة لأسباب ديموغرافية وأيديولوجية.
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية، المتفرّقة، فإنّ: "أعداد المهاجرين إلى إسرائيل من الخارج تراجعت أيضًا قبل اندلاع الحرب في غزة من جميع الدول تقريبًا، وقالت شركة ( Ocean Relocation ) لخدمات الهجرة إنها تلقت منذ كانون الثاني/ يناير 2023 نسبة غير مسبوقة من الاستفسارات المتعلقة بمغادرة إسرائيل".
وبين صعود وهبوط للأرقام على مدار عقود، وصل عدد اليهود الذين غادروا دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى أكثر من 750 ألفًا ممّن يحملون جنسية الاحتلال الإسرائيلي، بنهاية عام 2020، وارتفع العدد إلى نحو 950 ألف بنهاية الربع الأخير عام 2023 لم يعد منهم سوى 400 ألف فقط، وفقًا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، وهو ما يشكّل خطرًا وجوديًّا بالنسبة لدولة الاحتلال، التي تشكلت أساسًا وفق مفهوم استقطاب اليهود من أنحاء العالم إليها.
اقرأ أيضا:
وأضاف بابييه، بالقول إنّ: "الحكومة الإسرائيلية تخفي عدد اليهود المهاجرين إلى الخارج"، مبرزا أنّه قد استطاع باتصالاته الشخصية أن يتحصّل على بيانات ساعدته على تقدير هذا الرقم، ويذكر أنه إضافة إلى هؤلاء المهاجرين، فإن أكثر من 20 ألف إسرائيلي سعوا للحصول على جنسيات غربية العام الماضي بسب عدم شعورهم بالأمان، كما أن آلاف الإسرائيليين قرروا المغادرة وباعوا ممتلكاتهم استعداداً للرحيل.
الهجرة من "إسرائيل" تتجاوز الوافدين
في أحدث تقرير يرصد ما وصف بموجة الهجرة غير المسبوقة من دولة الاحتلال الإسرائيلي، قالت قناة "فرانس 24"، إنّ: "أعداد المغادرين لإسرائيل تتجاوز بكثير أعداد الوافدين لأول مرة منذ عقود، حيث بلغ عددهم نحو 83 ألف مغادر منذ اندلاع حرب غزة متجاوزين عدد الوافدين الجدد البالغ 56 ألفا، ولأسباب عده، منها تنامي القلق من انحراف البلاد عن الفكر الليبرالي".
الناشط اليساري مردخاي (42 عاماً) أوضح أيضا في حديثه للقناة الفرنسية إنه: "فقد الأمل في تغيير الحكومة" واختار مع زوجته وطفليه الانتقال إلى اليونان، التي أصبحت وجهة رئيسية للإسرائيليين، حيث استقر فيها نحو 10 آلاف منهم، وأوضح أن أولوياته انتقلت من النضال السياسي إلى حماية أطفاله من صور الحرب".
من جهتها، تصف المؤرخة فريدريك شيلو لـ"فرانس 24"، أنّ: :هذه الظاهرة غير مسبوقة"، مذكّرة بأنّ: "الهجرة كانت لعقود من المحرّمات، إذ سبق أن وصف رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين المغادرين بـ:الجبناء".
إلى ذلك، ترى شيلو أنّ: "موجة الرحيل ارتبطت بسياسات "غير ليبرالية" لحكومة بنيامين نتنياهو، خاصة بعد طرح تعديلات قضائية عام 2023 أثارت احتجاجات واسعة، قبل أن تتفاقم الظاهرة مع اندلاع الحرب الأخيرة".
الانتماء إلى "إسرائيل" بات عبئاً
الناشطة الإسرائيلية نوجا، عضو منظمة "بتسيلم"، غادرت هي الأخرى إلى إيطاليا في أيلول/ سبتمبر 2024، قائلة إنها:" فقدت الأمل في تغيير الأوضاع أو التأثير على الرأي العام الإسرائيلي"، وأكدت أن محيطها لم يبد تعاطفاً مع قصف غزة.
وأضافت بالقول، إنّ: "الانتماء إلى إسرائيل بات عبئاً يلاحقها في الخارج"، وبحسب شيلو، فإنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي باتت تعيش على إيقاع خطر التحول إلى "دولة منبوذة"، خصوصاً في أوروبا، فيما يعبّر مهاجرون إسرائيليون مثل مردخاي عن شعور بالعزلة، حتى داخل الأوساط اليسارية، حيث يُنظر إليهم "كجزء من المشكلة في الشرق الأوسط".
بدوره، أستاذ وروائي إسرائيلي، أمير هتسروني، استفسر عبر تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "أكس":" لنتحدث بموضوعية عن الهجرة إلى إسرائيل، من يُنصح بها هذه الأيام؟ بالتأكيد هم من سكان العالم الثالث ضعفاء الشخصية مثل إثيوبيا الذين تُعد إسرائيل بالنسبة لهم ترقية اقتصادية", مضيفا:" لذا أنا غير متحمس للقادمين الجدد".
موقع " الصوت اليهودي " العبري, في السياق ذاته، نشر إحصائية أوضح فيها انخفاضًا ملحوظا في عدد اليهود الوافدين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكان تراجع العدد الإجمالي للمهاجرين من عام 2022 إلى العامين ونصف العام التاليين، هو من 73,817 مهاجرًا في عام 2022 إلى 45,825 في عام 2023 ،ومن 30,977 في العام 2024، إلى حوالي 11,300 مهاجر عام 2025، وهو رقم أقل بنحو 42 في المائة من الإحصاء المسجل خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
كذلك، قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إنّ: "ظاهرة الهجرة العكسية تُشكّل تحديًا حقيقيًا لإسرائيل، خاصّة وأنّ التركيبة السكانية لها تعتمد منذ عقود على توازن هجرة إيجابي، ومن شأن هذا التوجه الحالي أن يُلحق الضرر بالنسيج الاجتماعي والقوى العاملة، وأن يُغيّر الديناميكيات الديموغرافية، مشيرة إلى وجود جدل حاد بين الجمهور الإسرائيلي، الذي بات في حيرة من أمره، متسائلًا: "هل هذه استجابةٌ مؤقتةٌ لأزمةٍ أمنيةٍ وسياسية، أم تغييرٌ جذريٌّ سيرافق المجتمع لسنواتٍ طويلة؟".
اقرأ أيضا:
في شباط/ فبراير عام 2025، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية: "إن هناك انخفاضاً كبيراً في معدل نمو سكان إسرائيل في عام 2024، إذ انخفض من 1.6 في المائة في عام 2023 إلى 1.1 في المائة"؛ وذلك وفقاً لبيانات نشرها البرلمان (الكنيست) والمكتب المركزي للإحصاء.
جرّاء ذلك، قال عضو الكنيست، عوديد فورير، خلال اجتماع لجنة الهجرة والاستيعاب في الكنيست: "رغم موجة معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، فإن الحرب بين إسرائيل وحماس أصبحت تقلل العزيمة عن القدوم إلى إسرائيل".
وتابع فورير: "في وقت تقدم فيه تل أبيب كل أشكال الاستثمارات والمعارض التي تهدف إلى تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، إلا أن عدد المهاجرين من الدول الغربية أقل من المتوقع بشكل مطلق".
نحو54 في المائة من الإسرائيليين يفكرون بالهجرة
بالنسبة للعديد من الشباب الـ"إسرائيلي"، يعد قرار الهجرة استراتيجيًا، لأجل البحث عن نوعية حياة أفضل ومسار مستقبلي أكثر وضوحًا في الخارج، ووفقا لدراسة نشرتها مؤسسة "راشي" العبرية في تموز/ يوليو عام 2024، فإنّ: "حوالي 54 في المائة من الشباب الإسرائيلي يفكرون بالهجرة إذا أتيحت لهم الفرصة المناسبة، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعدم الشعور بالأمان الشخصي، وانعدام الثقة في الحكومة".
وبحسب عدد من التقارير العبرية، فإنّ: "ذلك ما دفع حكومة نتنياهو لاتخاذ إجراءات لمنع مغادرة الإسرائيليين، فيما أثارت تصريحات وزيرة المواصلات ميري ريغيف جدلا واسعا بعد تبنيها تطبيق القرار ضد من هم في الداخل، أما رسالتها لمن هم بالخارج فكانت أكثر استفزازا عبر قولها: "استمتعوا بأوقاتكم، اغتنموا الفرصة" وهي كلمات أشعلت مواقع التواصل، ودفعت إحدى الناشطات للتساؤل بمرارة "هل تدرك الوزيرة أن بعض الإسرائيليين عالقون في الخارج ولا يملكون ثمن العودة؟".
استخدام "معاداة السامية" لإقناع اليهود
مارينا روزنبرغ، رئيسة قسم تشجيع الهجرة في المنظمة الصهيونية العالمية، حذّرت من استخدام "معاداة السامية" لإقناع اليهود بالقدوم إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، داعية إلى أنّ: "استخدام أساليب أخرى عبر توطيد العلاقة بين اليهود وإسرائيل لضمان بقائهم، ومثالًا لذلك هو، أنّ الدولة اليوم بحاجة إلى شعبها كما كان الشعب اليهودي بحاجة إلى الدولة".
تآكل الموارد البشرية في صفوف جيش الاحتلال
مع سعي دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تجنيد عناصر "خارجية" عبر استقدام متطوعين شباب من الشتات، وخاصة الفرنسيين والأمريكيين، لسد النقص في قوات الجيش والبالغ 12 ألف جندي حسبما أفادت إذاعة الجيش، فإنّ: "ذلك يكشف حجم النقص الحاد في عديد قواتها بعد قرابة 23 شهرا من الحرب في غزة".
إلى ذلك، اعتبر الباحث بالمعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي، ديفيد ريغوليه روز، المؤشر دليل على تآكل الموارد البشرية في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي، جرّاء تزايد أعداد الجنود الفارين سواء ما زالوا في الداخل أو غادروا دولة الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن أعداد كبيرة أصبحت تتذرع بالإصابة لعدم الالتحاق بالجيش.
اقرأ أيضا:
أيضا، تشير وسائل الإعلام العبرية إلى أنّ: "خسارة القوى العاملة التي تسببها الهجرة، إضافة إلى التكلفة الباهظة للحرب الإسرائيلية، قد تعرض البلاد إلى ضائقة اقتصادية".
وفي المحصلة، فإنّ معركة طوفان الأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، قد أنهت ما كان يُعرف بـ"حلم أرض الميعاد"، وتحولت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى مكان منبوذ بعيون العالم والإسرائيليين على حد سواء.
اضف تعقيب