مهاجمة إسرائيل لإيران ستمنح طهران حجة صنع قنبلة نووية
يرى خبراء أن مهاجمة إسرائيل لإيران سيكون خطأ كبيراً سيسفر عن تبرُّؤ إيران من أي اتفاق قد تبرمه بشأن عدم صنعها أسلحة نووية، ويأملون في مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن قبل فوات الأوان، فإيران مستعدة حالياً للمفاوضات وتشعر بالعزلة في ظل العقوبات والحرب السورية، وفق استطلاع نعومي كونراد.
اللجوء إلى الحرب هو البديل عن الحل الدبلوماسي للبرنامج النووي الإيراني، لكن خيار الحرب لا يريده أي طرف، كما يرى ميشائيل برزوسكا، مدير معهد هامبورغ لأبحاث السلام. ويضيف أن "إيران قالت دائما إنها مستعدة للتفاوض"، وهذا ما أشارت إليه إيران خلال مؤتمر ميونخ للأمن بتاريخ 3 فبراير/ شباط 2013، حين تجاوبَ وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي مع عرض نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وبعدها بأيام قليلة أعرب سعيد جليلي، مسؤول ملف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، عن نية بلده المشاركة في اللقاء الذي ستحتضنه كازاخستان نهاية شهر فبراير/ شباط من العام الحالي 2013، للتفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، معرباً عن أن إيران تتمسك بحقها استعمال الطاقة النووية لأهداف مدنية.
لكن الأطراف الأخرى تتخوف من أن تتجاوز خطط إيران النووية الأهداف المدنية وتقوم بتصنيع الأسلحة النووية، وربما تكون بصدد التخطيط لإطلاق ثاني برنامج نووي لها. وخلال السنوات الماضية توقف مسلسل التفاوض مع إيران وتم تبادل الاتهامات وإطلاق محاولات جديدة للتفاوض.
هل تتفادى إيران المواجهة؟ فقد أعرب وزيرة الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي خلال زيارته الأخيرة إلى برلين للأمريكيين رغبة بلاده في فتح قنوات جديدة للحوار بين الطرفين حول برنامجها النووي. وأعطى الوزير الإيراني إشارات باستعداد بلاده بالالتزام باستعمال الطاقة النووية في مجال الطاقة فقط.
هل تقترب إيران من صنع القنبلة النووية؟
يُلح الغرب على مواصلة المفاوضات مع إيران لأنه لم يعد هناك كثير من الوقت للانتظار. فكلما تأخرت المفاوضات أصبح يقيناً أن إيران تضع الغرب أمام الأمر الواقع. ورغم ذلك، يقول ميشائيل برزوسكا إنه "يجب أخذ القلق الإسرائيلي على محمل الجد بأن إيران على وشك صنع قنبلة نووية". غير أن برزوسكا لا يعتقد أن لإيران نوايا صنع أسلحة نووية لكن في حال اتخاذ القيادة الإيرانية لقرار صنعها "فإن ذلك لن يتطلب سوى أقل من شهرين أوثلاثة".
ولهذا السبب يحاول الغرب تشديد الضغط على إيران من خلال العقوبات الاقتصادية لدفعها للعودة إلى طاولة التفاوض. فقد تزايد حجم العقوبات الاقتصادية نهاية العام الماضي 2012. في هذا الصدد يرى ميشائيل برزوسكا " أنه من الواضح أن العقوبات الاقتصادية كان لها مفعول على اقتصاد إيران". ويضيف برزوسكا أن التطور الاقتصادي لإيران تراجَعَ كما تراجع أيضاً حجم صادراتها من البترول الذي يتم ربما بيعه بأسعار منخفضة". فإيرادات البلاد تراجعت والتجارة تعاني من أزمة.
تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية
وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي قال في مؤتمر ميونيخ للأمن إن بلاده تشترط تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية على بلاده كخطوة أولية للعودة إلى طاولة المفاوضات. وإلى الآن أعربت الدول التي لها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة (وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا وروسيا وفرنسا) بالإضافة إلى ألمانيا عن نيتها تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران قبل المفاوضات. ولكن ليس من الواضح بعد إن كانت هذه الدول مستعدة للخوض مجدداً في مثل هذا الطرح حالياً.
وفي حين كان المجتمع الدولي يشترط توقف إيران عن كل نوع من تخصيب اليورانيوم لبدء أية المفاوضات، بات المجتمع الدولي على استعداد في الوقت الحاضر لقبول تخصيب طهران لليورانيوم بشرط استعماله في مفاعلات الماء الخفيف لغرض توليد الطاقة الكهربائية تحت مراقبة المجتمع الدولي. لكن إسرائيل ترفض هذه الخطوة رفضاً شديداً. فبوسع إيران استعمال كمية قليلة من اليورانيوم في صناعة الأسلحة النووية، في نهاية المطاف.
ويرى يوسي ميكلبيرغ من معهد تشاثام هاوس (Chatham House) البريطاني للشؤون الدولية أنه "لن تكون هناك عودة إلى الوراء إذا نجحت إيران في امتلاك السلاح النووي". ولهذا السبب تتشبث إسرائيل بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران. ويضيف ميكلبيرغ أن "القيادة الإسرائيلية مقتنعة بأن إيران تنظر إلي المفاوضات كاستراتيجية للحصول على امتيازات وليس للوصول إلى حل توافقي".
ولا تعتقد إسرائيل ـ كما يرى الباحث ميكلبيرغ ـ أن الخروج بحل سياسي وارد الآن، ويضيف: "تريد إسرائيل أن يعرف المجتمع الدولي أن عدم تشديد الضغط على إيران يمكن أن يدفعها إلى مهاجمة إسرائيل".
يرى ميشائيل برزوسكا مدير معهد هامبورغ لأبحاث السلام أن إيران "أصبح لديها شعور بالعزلة وفقدان الأمل" في ظل الحرب السورية.
هجوم إسرائيلي انفرادي؟
ويقول بيير كولد شميت من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن"أية ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة على المواقع النووية الإيرانية ستكون بمثابة خطأ كبير". ويضيف شميت أن: "أي هجوم محتمل لإسرائيل على إيران سيعطي إيران أسباباً صحيحة للخروج من العَقْد الذي سيتم إبرامه بخصوص الأسلحة النووية ـ في حال رغبتها في توقيعه ـ والعمل على مواصلة البرنامج النووي في حال اهتمامها به".
عمل غولدشميت إلى عام 2005 نائباً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة بمراقبة البرنامج النووي الإيراني. ويطالب غولدشميت بـ"عفو مؤقت" عن إيران، أي بفترة زمنية تُقدِّم فيها إيران تفاصيل ـ دون أن تتعرض لمحاكمة ـ حول برنامجها النووي السري الذي عُرِفَ لدى الرأي العام سنة 2003، لأن هذا " من شأنه خلق جو من الثقة".
ولا ينتظر غولدشميت أن يتم إحراز تقدم كبير قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجرى في شهر يونيو/ حزيران من العام الجاري 2013. ويرى غوتز نوينِك من معهد هامبورغ لأبحاث السلام أنه حتى في ظل حكم رئيس جديد فإنه ليس من المؤكد أن يتغير منحى السياسية الإيرانية بخصوص برنامجها النووي. ففي النخبة السياسية الإيرانية هناك شبه غياب لتوجهات تخالف البرنامج النووي الإيراني.
وحتى المعارضة تدعم البرنامج النووي على حد تعبير غوتز نوينك الذي يضيف أن "الرئيس الجديد لن يكون له موقف مغاير للتوجه الإيراني الحالي". ولكنْ من الممكن أيضا أن تتزايد الأصوات المعتدلة في الأشهر المقبلة. فإيران ـ كما يرى ميشائيل برزوسكا ـ "أصبح لديها شعور بالعزلة وفقدان الأمل" في ظل الحرب السورية.
فنظام بشار الأسد إلى جانب حزب الله اللبناني يُعتَبَران أهم حلفاء إيران، التي تشعر أنها محاطة بدول عدوَّة كإسرائيل وقواعد عسكرية أمريكية في أفغانستان والمملكة العربية السعودية. وفي حالة سقوط أحد الحلفاء المقربين لإيران فإن جنون العظمة والخوف سيلقيان بظلالهما على المحادثات النووية.
ويحث خبراء، مثل نوينِك، على إجراء محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ويقول: "يجب على الطرفين أن يتفاوضا معا" لأنه في غياب قنوات مباشرة للحوار بينهما فذلك سيقود ـ كما يرى كوينك ـ إلى حرب جديدة في المنطقة.
اضف تعقيب