لم يتوقع الأسير المقدسي علي إسماعيل العلي أنه في نفس يوم الافراج عنه من السجن ، أن تعامله مصلحة السجون بقساوة وإمتهان لكرامته وإنسانيته .
فلحظات إنتظار الإفراج ... والتحرر من داخل السجون الاسرائيلية ، حلم يتوق له كل أسير ، ويرسم تصور في داخله كيف سيقابل والديه وكافة الذين حرم من رؤيتهم طوال تواجده بالأسر ، وخاصة أن مصلحة السجون تحرم الأقارب من الدرجة الثانية زيارة الأسير .
وقد كان يتوقع كغيره من الأسرى الذين تحرروا أن يرى والديه وعائلته تنتظره أمام السجن لإستقباله ، وآخر ما كان يتوقعه أن يجد نفسه بصحراء قاحلة دون مأكل ومشرب وحتى إنسان يعرفه .
فكان من المتوقع أن يتم الافراج عن الأسير علاء إسماعيل محمد العلي 33 عاما يوم الخميس الماضي ، من سجن نفحة بعد الانتهاء من مدة محكوميته البالغة 12 عاما .
كل هذه المعاني والأحلام والتصورات تبددت عند سياط الجلاد ، الذي أمعن لآخر لحظة في الأسر تعذيب الأسير الفلسطيني وسرقة فرحته بالافراج ، والتلاعب بمشاعره وعائلته .
والدة الأسير المحرر أم محمد
وعن يوم الافراج قالت والدة الأسير المحرر أم محمد " كان من المقرر الافراج عن إبني علاء من سجن نفحة ، وقد ذهبت حافلة وسيارات لإستقباله أمام السجن وبعد ساعات من الانتظار فوجئت بإدارة السجن تبلغنا أن علاء أفرج عنه ، دون إعطائنا أي تفاصيل أخرى ."
وأضافت " فسادت مشاعر الحزن لدي والعائلة كوننا عدنا من سجن نفحة الصحراوي دون ان يرافقنا إبني علاء ، حينها أصبح همي ليس الافراج عن إبني إنما معرفة مكان وجوده وهل هو حي يرزق أم لا ...؟!! ".
وأشارت أنه عندما توجهوا لسجن نفحة تم إبلاغهم انه من الممكن ان يكون في المسكوبية ، ولدى توجههم للمسكوبية أنكرت الشرطة وجوده لديها ، وطلبت منهم التوجه لسجن نفحة وفي الطريق أبلغوهم أنه تم الافراج عنه من سجن بئر السبع .
وقالت " لم أشعر بالفرحة أبدا إلا عندما رأيته وحضنته إلى صدري ، فمن شدة خوفي عليه لم أعد أعرف هل أنا بين السماء أو الأرض إلا حين أمسكته وعانقته ، وأخذت بالبكاء من شدة الفرحة ."
وأشارت أن فرحتها ما زالت ناقصة لأن زوج إبنتها فاطمة " مجد عبد الرحيم بربر" ما زال بالأسر وقضى 12 عاما من حكمه ال 20 عاما ، وإبن شقيقتها بقي له 12 عاما بالأسر وتوفت والدته دون أن تراه .
المحرر علاء العلي ويوم الافراج
أما بالنسبة للأسير المحرر علاء العلي فأكد أنه لم يعامل كأي أسير مفرج عنه ، حيث تعرض للتحقيق والتفتيش والمعاملة السيئة ، ولم يسلموه كافة أغراضه بل صادروا بعض الصور ، وقاموا بتقييد ساقيه ويديه .
وفي لقاء مع المحرر علاء قال " لقد قام الضباط بتقييد رجلي ويدي بقيود حديدية ودفعوني على الحائط ، وعندما سألتهم لماذا تقومون بذلك ..؟ أنا سأخرج من السجن فقام أحدهم بوضع قيود إضافية بيدي نوع قديم جدا " كحذوة الفرس " ، وفجأة أحضروا سيارة فرفضت الخروج ورجعت للوراء فدفعوني بقوة داخل السيارة ، حينها طرقت على باب السيارة وطلبت رؤية ضابط أمن السجن ، وعندما حضر سألته ماذا يحدث ..؟ فقال انك لن تخرج من هذا السجن ."
واضاف " ثم نقلوني من سجن نفحة لسجن بئر السبع وهناك قالوا لي أنه سيتم الافراج عنك من هذا السجن ، وأكدوا لي أنه تم إبلاغ عائلتي عن مكان وجودي ."
وأوضح أنه لدى وصوله سجن بئر السبع وضعوه بزنزانة إنفرادية باردة جدا وتصدر منها رائحة كريه ، ورفض السجان إحضار الطعام له لتناول الدواء الخاص به ، ثم أبلغوه أنه سيتم الافراج عنه في الساعة 12 في منتصف الليل وأن هناك لجنة أمنية من القدس تتابع كيفية الافراج عنه ، وقد لوحوا له أنهم من الممكن إعتقاله إداريا.
وأشار أنهم قاموا بإدخاله من سرداب وممر إلى آخر وتشخيصه مرتين ، ثم فكوا قيوده فجأة ، وأخرجوه من الباب دون أن يقولوا له أنه قد أفرج عنه ، فوجد نفسه بالصحراء .
وقال علاء " لقد أغلق الضابط الباب خلفي وتركني لوحدي في الصحراء ، حتى أنه لم يقل لي أنه أفرج عني ، فصدمت من شدة المفاجئة حيث وجدت نفسي وحيدا وسط صحراء قاحلة ، ثم أخذت بالسير فرأيت خيمة للبدو فتوجهت نحوها ، وطلبت من أحدهم إعطائي هاتفا للاتصال مع عائلتي ، فأتصلت بالبيت وأبلغت شقيقتي أني في بئر السبع ، ولحسن الحظ أن أحد أقاربي يقطن في بئر السبع ، حيث إتصلت معه عائلتي فحضر وأخذني بسيارته لمنزله ثم حضرت والدتي وعائلتي وأخذوني ."
ووصف علاء والدته عندما رآها كأنها الجنة بقوله وهو يبكي " عندما رأيت والدتي
كأن باب الجنة فتح أمامي فحضنتها وقبلتها ، فخلال سجني كنت في بعض المرات أخجل من أمي ، فكل أسير مهما بلغ عمره يقول دوما أمي كالطفل الصغير ، حيث كنت أطلب من أمي دوما عدم زيارتي كي لا تعاني من مشاق السفر والزيارة ، إلا انها كانت تصر على زيارتي في الشتاء والصيف ."
وداع علاء للأسرى بسجن نفحة
وعن وداع علاء للأسرى أضاف " لقد ودعت الأسرى بخجل كوني سأخرج واتركهم خلفي بظروف صعبه، فأمسكوني من كتفي وأوصوني أن أقول لأهلهم أن معنوياتهم عالية وفرحين ، وأن حريتنا هذا هو ثمنها ونحن مستعدين ، ونحكي للأجيال لا يوجد حرية بدون ثمن ."
أما بالنسبة للأسرى في سجن نفحة فقال " لقد تركت السجون متوترة خاصة في نفحة وريمون بسبب إستشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية ، حيث قام الأسرى بإرجاع الوجبات وأمتنعوا عن الخروج للفورة والقسم مغلق منذ 3 أيام ، كما كان هناك خطوات تضامنية مع الأسير سامر العيساوي فردية وجماعية ."
وتطرق إلى الاهمال الطبي بحق الأسرى في السجون الاسرائيلية ، ومطالبتهم المستمرة بتحسين الظروف الصحية للأسرى ، حيث عدد الأسرى في سجن نفحة
900 أسيرا ولديهم طبيب واحد فقط دوامه جزئي .
وأكد المحرر علاء أن الأسير لا يحب ان ينظر له كقضية إنسانية وإنما قيمة وطنية ، وأنه دوما النواة الصلبة للنضال ضد الاحتلال ، ومن أجل الناس وكرامتهم ."
وعن إستقباله في واد قدوم قال " شعبنا طيب وأصيل وذلك ليس غريبا عليه ، وصراحة عندما خرجت وجدت الناس لم تنساني ، فكل سنين المرار والعذاب التي قضيتها بالأسر ليست خسارة وأنا لست ندمان على ما قمت به ، فداهم كلهم وأصغر طفل حضني وقبلني ."
الأسير الفلسطيني قيمة وطنية
وأكد ان رسالة الأسرى أن الأسير الفلسطيني قيمة وطنية وجزء من الثوابت الفلسطينية ، لا يجوز الخطأ بحقه كما جرى بأوسلو وغيرها ، والمطلوب التحرك السريع وأستغلال كون فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة ، وتشكيل لجنة فلسطينية للتوجه لمحكمة الجنايات الدولية بحق الأسرى ، وإلزام إسرائيل بتطبيق بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأسرى .
وقال " أتحدث بأسم 4 آلاف أسير فلسطيني أسمهم ميسرة أبو حمدية ، حيث كان من الممكن إنقاذ حياة الشهيد أبو حمدية ، فكل أسير فلسطيني يتعرض لتجربة طبية ، وهذا ما أعترفت به رئيسة الكنيست الاسرائيلي داني إيتسك ، حيث قالت أنه يتم إجراء تجارب على الأسرى ويحدث أخطاء طبية ."
يذكر أنه تم إعتقال الأسير المحرر علاء العلي بتاريخ بتاريخ 4 – 4 – 2001 ، وقضى 60 يوما في زنازين قسم 20 ، وفي السجن أنهى دراسة التوجيهي وعامين ونصف من دراسة تخصص علوم سياسية واقتصاد في الجامعة العبرية المفتوحة، وقد حرم من إكمال تعليمه .
اضف تعقيب