يُعتبر مؤتمر هرتسليا، الذي يُعقد سنويا في المركز المتعدد المجالات في المدينة، الواقعة إلى الشمال من تل أبيب، أحد أهم المنابر في رسم وتوجيه السياسات المستقبلية للدولة العبرية، إذ يُشارك في أعماله أقطاب تل أبيب من المستويين السياسي والأمني، بالإضافة إلى الخبراء الإسرائيليين والمتخصصين في الصراع بالشرق الأوسط من جميع أصقاع العالم، وقد أصدر المؤتمر تقريرا يشمل خلاصة ما توصل إليه خلال المناقشات الطويلة، التي ترسم الخطوط العريضة للحكومة الإسرائيلية.
والملاحظ في التقرير عينه أن المسؤولين عن المؤتمر لم يخفوا توصيتهم بضرورة تكريس ما أسموه بالصراع السني – الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ومصر وتركيا والأردن، ليكون حليفا لدولة الاحتلال والولايات المتحدة، ضد من أطلقوا عليه محور الشر، الذي تقوده إيران، ويضم سورية وحزب الله، والذي سيكون بحسب التقسيم الإسرائيلي، محوراً للشيعة.
وتطرق التقرير إلى مصر، زاعما أنها باتت على حافة الإفلاس الاقتصادي، لافتا إلى أن نهاية الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها مصر غير واضحة، خاصة بعد أنْ فقدت مصر معظم مصادر دخلها، مشددا على أن تأجيل الاتفاق على القرض الدولي، بسبب عدم قدرة مصر على الامتثال لشروط القرض القاسية، يضع مصر على حافة الإفلاس أمام احتياجاتها المتزايدة مقابل الاستهلاك المتزايد بسبب زيادة المواليد، وتوقع التقرير النهائي للمؤتمر أنْ تجد مصر نفسها على حافة المجاعة، إذا استمرت الأوضاع كذلك.
كما إن استمرار الأزمة الاقتصادية سيُبعد أكثر احتمالات الوصول لاستقرار اقتصادي واجتماعي. وفي الشأن السوري، خلص التقرير إلى القول إن سورية هي المحور الاستراتيجي الأهم في هذه الأيام، مشيرا إلى أن الحرب الأهلية المتصاعدة فيها تفرض تحديا أمنيا، وسياسيا وإنسانيا لمواطنيها، ولكل جيرانها بمن فيهم إسرائيل، مؤكدا أن تفكك وانهيار بلاد الشام، البادي للعيان، والانقسام الطائفي والجغرافي الواضحين فيها، سيؤثر في الأمن الإقليمي لكل من لبنان والعراق، إنْ لم يكن أكثر من ذلك.
علاوة على ذلك، أشار التقرير التلخيصي إلى أنه فيما تتزايد احتمالات تقسيم سورية وتتحول هذه الاحتمالات إلى حقيقة، فإن الدول العظمى الغربية وشركاءها الإقليميين، خاصة تركيا والأردن وإسرائيل، ينسقون فيما بينهم لمنع فقدان السيطرة على الأسلحة العسكرية السورية المتطورة.
ومن الوارد جدا، أنْ تلزم ظروف معينة، تحدث على أرض الواقع، القيام بخطوات عسكرية دولية في سورية، كما جاء في التقرير. وانتقد المؤتمر، كما أكد التقرير، سياسة الاختفاء من أمام العاصفة، التي انتهجتها الدولة العبرية منذ بداية الاضطرابات في المنطقة قبل عامين، مؤكدا أن استمرار السلبية الإسرائيلية من شأنه أن يُعرض مستقبل إسرائيل للخطر في شرق أوسط يتشكل، وأن الدولة العبرية قادرة على إحداث تغيير، ويجب أنْ يكون هذا الأمر المهمة الأولى للحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نتنياهو.
كما أكد التقرير أن المشاركين في المؤتمر توصلوا إلى نتيجة مفادها أن اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط بدأ يتقلص، فهي منشغلة بأزماتها الداخلية ووجهتها الإستراتيجية تتجه نحو شرق آسيا وأوروبا، وبكلمات أخرى، أوضح أن الشرق الأوسط لم يعد في مركز الاهتمام الأمريكي، فالتهديد الأكبر هو الصين وكوريا الشمالية، وأن جميع الجهود الإستراتيجية، العسكرية والسياسية، في طريقها إلى الانتقال نحو الشرق الأقصى.
ويرى كثيرون أن الرئيس أوباما عزز هذه السياسة بطائفة من التعيينات ولا سيما في جهاز الأمن الأمريكي، وأن الإدارة الأمريكية تلتزم بموازاة تغيير السياسة الخارجية أيضا بتقليصات جوهرية لميزانيتها الأمنية بحيث ستضائل وجودها في منطقة الشرق الأوسط، لافتين إلى الجهد الأمريكي من أجل الاستقلال في موضوع الطاقة، أيْ التحرر من التعلق بنفط الشرق الأوسط.
كما إن واشنطن تُمهد لهذا الانتقال عبر محاولة إغلاق الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط التي قد تعيقهم عن هذا الإجراء الكبير، وهذه الملفات هي: إيران وسورية والفلسطينيون.
وتابع التقرير قائلاً إنه انطلاقًا من هذه الفرضية أو النبوءة طرح المؤتمر رؤيته لكيفية التعامل مع المشكلة الفلسطينية، مشددا على أن المتغيرات التي تشهدها المنطقة تلزم قادة إسرائيل ببلورة صفقة شاملة للشرق الأوسط تساعدها على التقدم في مسار التسوية مع تمكينها من لعب دور إقليمي سماه التقرير بالبناء.
وهذا الدور البناء يعتمد على عاملين متكاملين: الأول، مبنيٌ على نتيجة مفادها أن الإدارة الأمريكية في واقعها الحالي تدرك أن فرص النجاح في الشرق الأوسط ضئيلة، وأنه لم يبق للأمريكيين الكثير من الخيارات سوى أنهم يحاولون إشاعة الانطباع بأنهم يحاولون عمل شيء لمنع اندلاع نزاع جديد، وأن الدرس الذي تعلموه من هذا التاريخ الطويل في المنطقة بعد تجربتهم مع أفغانستان والعراق ومصر، وما يحدث في الخليج هو أن إسرائيل هي الكنز الاستراتيجي لأمريكا.
أما الاتحاد الأوروبي فهو أيضا غارق في مشاكله وأزماته المالية، وليس لديه الوقت للانشغال في موضوع تحقيق تسوية في المنطقة في ظل عدم الوضوح.
والنتيجة أنه أمام إسرائيل فرصة تاريخية كي تدفع باتجاه تشكيل ائتلاف إقليمي للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا الدور سيشكل ركيزة هامة لمساعدة أمريكا في مواصلة دورها في المنطقة في وقت يتجه اهتمامها إلى ساحة جديدة، فضلاً عن أن ذلك يثبت مكانة إسرائيل كـذخر استراتيجي لأمريكا، علاوة على أنه سيحميها من أي آثار ضارة قد تنشأ في المستقبل، لأن استمرار السلبية هو الذي يمكن أن يصيبها بضرر في ضوء تعاظم القوة العالمية للاتجاهات الإسلامية وتضرر مكانة الولايات المتحدة.
اضف تعقيب