وثائق سرية تكشف ان المسؤولين البريطانيين تنبأوا بالحرب وهزيمة العرب في فلسطين عام 1
نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الجمعة تقريراً استمدته من محتويات تقارير حكومية بريطانية سرية رفع عنها ستار الكتمان للتو تقول فيه ان تلك التقارير توثق الفترة السابقة لاندلاع الصراع، وتأييد الجمهور اليهودي لموقف قادتهم الداعم للارهاب وتقول ان جيوش الدول العربية تمثل "الامل الوحيد" للفلسطينيين. وهنا نص التقرير:
"كانت الحكومة البريطانية تعلم منذ اللحظة التي خططت فيها لسحب قواتها من فلسطين قبل اكثر من 60 سنة ان تقسيم البلاد وتأسيس دولة اسرائيل سيؤديان الى حرب والى هزيمة للعرب، حسب ما توضح وثائق سرية رفع عنها ستار الكتمان.
وتكشف هذه الوثائق التي لها اصداء حديثة ملفتة ان المسؤولين البريطانيين اكتفوا بالتفرج بينما كان المستوطنون اليهود يأخذون المزيد والمزيد من الاراضي العربية.
وفي الاسابيع السابقة لتقسيم فلسطين في 1948، عندما تخلت بريطانيا عن انتدابها من الامم المتحدة، كانت الجماعات اليهودية الارهابية تشن هجمات متزايدة على قوات المملكة المتحدة والمقاتلين العرب، كما تبين اوراق وزارة المستعمرات.
وتكشف تلك الاوراق كيف كان مسؤولون بريطانيون منشغلين في تقرير كيفية تخصيص استخدام سيارتي "رولز رويس" وسيارة "ديملر" في ما بينهم.
وتظهر الوثائق، التي افرج عنها في الارشيف الوطني، كيف وصف المسؤولون البريطانيون في القدس، في تقارير استخبارات منتظمة الى لندن، تصاعد التوتر بصورة مضطردة اثناء تحرك بريطانيا، والولايات المتحدة، والامم المتحدة والصهاينة نحو تقسيم فلسطين.
وفي وقت مبكر هو تشرين الاول (اكتوبر) 1946، اي قبل سنتين على التقسيم، حذر المسؤولون البريطانيون لندن بان الرأي العام اليهودي سيعارض التقسيم "ما لم يتم توسيع النصيب اليهودي لدرجة تجعل الخطة غير مقبولة كلياً للعرب".
وحذر المسؤولون البريطانيون وزير المستعمرات جورج هول: "الجمهور اليهودي...ايد موقف قادته القائل بأن الارهاب هو نتيجة طبيعية للسياسة العامة لحكومة صاحب الجلالة"، بما في ذلك اعادة سفن تحمل مهاجرين يهود "غير قانونيين".
وابلغ مسؤولون بريطانيون لندن بان المعتدلين من القادة اليهود يخشون ان يوصفوا بانهم خونة، مشيرين الى متعاونين مع المانيا النازية في البلدان المحتلة. واشار تقرير الاستخبارات البريطاني التالي لذلك الى "ضغوط فعالة يستطيع الصهاينة في اميركا ممارستها على الادارة الاميركية".
وبعد زيادة في في الهجمات العنيفة من جانب الصهاينة المتشددين المنتمين لجماعتي شتيرن وارغون، قال المسؤولون البريطانيون في تقرير في وقت لاحق من 1946: "ما زال القادة العرب يبدون ميالين الى تأجيل القيام بمعارضة نشيطة ما دامت توجد فرصة لقرار سياسي مقبول للمصالح العربية". لكنهم حذروا: "ثمة خطر حقيقي من ان اي مزيد من الاستفزاز اليهودي يمكن ان يسفر عن انتشار اعمال انتقام بصورة لا مفر منها وتحولها الى اشتباكات عربية-يهودية اوسع نطاقاً".
ويشير تقرير مؤرخ في تشرين الاول (اكتوبر) 1947 الى قول مناحيم بيغن، قائد (عصابة) ارغون، في مقابلة صحافية ان "القتال ضد الغزاة البريطانيين سيستمر الى ان يغادر آخر واحد منهم فلسطين".
وانتخب بيغن في وقت لاحق رئيسا لحكومة اسرائيل ووقع معاهدة سلام مع الرئيس المصري انور السادات في 1979 والتي نال عليها الزعيمان جائزة نوبل للسلام.
وبحلول اوائل 1948 اخذ المسؤولون البريطانيون يقولون ان "العرب تكبدوا سلسلة هزائم ساحقة". واضافوا: "المنتصرون اليهود...خفضوا المعنويات العربية الى الصفر، وبعد مثال الجبن الذي ضربه قادتهم السخفاء فانهم يفرون بالآلاف من المناطق المختلطة. ومن الواضح الآن ان الامل الوحيد لاستعادة مركزهم يكمن في الجيوش النظامية للدول العربية".
وجرى تحذير لندن: "العنف العربي-اليهودي منتشر الآن عملياً في فلسطين برمتها". وبعد بضعة ايام، تحدث المسؤولون البريطانيون عن "صراع بين الاخوة" و"تدفق مضطرد للمتطوعين العرب" من البلدان المجاورة.
وتظهر الاوراق ان مسؤولي الاستخبارات البريطانيين كانوا يتحدثون قبل سنتين على ذلك عن "مؤشرات مقلقة الى تجدد الاهتمام والنشاط السياسي في صفوف عامة الفلسطينيين العرب...وكان قرار ادخال المبعدين القبارصة (يهود ابعدوا الى مخيمات في الجزيرة) بصورة مضادة لاعداد المهاجرين المسموح بها، والانطباع عن تنازلات قدمتها حكومة صاحب الجلالة استجابةً للضغط والارهاب اليهودي...عوامل في اثارة مشاعر الجمهور العربي".
وكانت سوريا في ذلك الحين كما هي الآن، ولكن لاسباب مختلفة جداً، مبعث قلق للقوى الغربية. وقال تقرير وضع خلال الحرب العالمية الثانية لضباط الاستخبارات ومسؤولي الدعاية البريطانيين: "القومية العربية تتحرك نحو ازمة اخرى. ويلاحظ هذا بصورة خاصة في سوريا".
وكانت هناك وجهة نظر شائعة في ذلك الحين مفادها ان سوريا ولبنان سيسلمان مرة اخرى لفرنسا بمجرد انتهاء الحرب. واضاف التقرير مشيراً الى شعور بالذل في العالم العربي: "سوريا قد تكون مشهد الفصل التالي في الثورة العربية".
وقال التقرير الذي اُعِدَ في زمن الحرب لمسؤولي الاستخبارات البريطانيين ان القومية العربية لها "طبيعة مزدوجة...فهي حركة عقلانية بناءة متقبلة للنفوذ والمساعدة الغربيين (وهي) حركة تمرد عاطفي ضد الغرب".
واختتم بالقول: "سيحسم التضارب بين هذين الاتجاهين في الجيل الحالي. ويجب ان يكون الهدف الاول لسياسة الدول الغربية منع انتصار الاتجاه الثاني".
ومن بين الوثائق السرية التي رفع عنها ستار الكتمان اليوم تقرير عن كيفية اقتسام استخدام سيارات بين دبلوماسسن ومسؤولي استخبارات بريطانيين سيبقون في القدس بعد التقسيم. ووصفت سيارة "رولز رويس" ذات مقاعد سبعة بانها "سيارة كبيرة سريعة". ويقول التقرير ان المشكلة هي ان المندوب السامي في فلسطين السير الان غوردون كاننغهام "يعتزم جلبها الى البلاد لاستخدامها في المملكة المتحدة".
ووصفت سيارة "رولز رويس" اخرى بانها "سيارة ممتازة باستثناء ان ليس فيها خلال الجولات السريعة الطويلة قوة كافية على التلال". وقيل ان سيارة "ديملر" مصفحة، وصفت بانها "سيارة الملك وقت الغارات الجوية" عندما كانت في بريطانيا هي سيارة "بطيئة بسبب وزنها".
واعلنت دولة اسرائيل يوم 14 ايار (مايو) 1948. وفي اليوم التالي غادر آخر الجنود البريطانيين الباقين وبدأت الحرب العربية-الاسرائيلية الاولى.
اضف تعقيب