كم هي قاسية تلك الحياة فبعد اكثر من 25 عاما قضاها الفلسطيني راشد الزغاري قابعا في سجون الولايات المتحدة الاميركية والسجون اليونانية، وعندما حان موعد الافراج عنه لم يجد هذا الفلسطيني وطنا يعود اليه.
ومنذ نحو شهر، يعيش الزغاري على امل ان يجد اي دولة، عربية كانت ام اجنبية، تسمح له بدخول اراضيها بعدما رفضت سلطات الاحتلال الاسرائيلي السماح له بالعودة الى مسقط رأسه فلسطين، فيما ترفض السلطات الاميركية اطلاق سراحه بعد ان انهى مدة محكوميته قبل الحصول على تعهد من اي دولة يقضي بالسماح له بدخول اراضيها.
وناشدت عائلة الأسير الزغاري والبالغ من العمر 66 عاما، الدول العربية والسلطة الوطنية العمل على انهاء معاناة نجلها وتوفير اي ضمانات تكفل تحرره من الاسر وتمضية ما تبقى من سنوات عمره برفقه ولدية وزوجته الذين لم يتمكن من رؤيتهم منذ اعتقاله قبل 25 عاما.
وكانت السلطات اليونانية اعتقلت الزغاري عام 1988، حيث حكمت عليه بالسجن 18 عاما، وذلك قبل الافراج عنه بعد 9 سنوات من الاعتقال لحسن سلوكه ومن ثم ترحيله في اواخر عام 1996 إلى مصر التي قامت بتسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد اتهامه بالتورط في حادث تفجير استهدف مصالح أميركية.
وتقول العائلة التي تسكن في قرية جورة الشمعة جنوب بيت لحم، ان ابنها الذي بات يتقن 5 لغات مازال محتجزا في أحد محطات الانتظار التابعة لسلطات الهجرة الأميركية في نيويورك بعد أن تم نقله من سجن ولاية بنلسفانيا، وذلك في انتظار موافقة اي دولة على استقباله في أراضيها، بعد أن رفضت إسرائيل طلبا كانت تقدمت به السلطة الفلسطينية للسماح بعودته إلى أرض الوطن.
وأشار العائلة إلى أن الجزائر التي اتخذت زوجته وولديه منها مكانا للأقامة لم ترد على طلب له باستقباله على اراضيها، في حين تصر السطات الاميركية على ربط الافراج عنه بقبول أي دولة في العالم باستقباله، والا سيبقى رهن الاعتقال رغم انتهاء محكوميته.
وقال شقيق الزغاري: ما تضمنه قرار الحكم باطلاق سراحه هو أن الولايات المتحدة بحكم مسؤوليتها ملزمة بإيصاله إلى أي دولة يطلبها بعد انتهاء مدة محكوميته، ولما انتهى الحكم بالسجن كان الخيار الأول بالنسبة له هو العودة إلى وطنه، خصوصا بعد أن أصبحت فلسطين دولة معترف بها وفي ظل وجود سلطة فلسطينية تتولى المسؤولية عن ادارة شؤون الفلسطينيين".
واضاف:" كان رد السلطات الاميركية عليه أن هناك اتصالات تجري مع الإسرائيليين لضمان عودته إلى منزله في بيت لحم، ولكننا فوجئنا قبل انتهاء محكوميته بعشرة أيام ببلاغ من المحامي يفيد برفض اسرائيل السماح له بالعودة الى مناطق السلطة الفلسطينية".
وتابع "في بلاغ آخر لاحق ابلغنا المحامي إنهم (الاميركيون) لا يريدون عودته إلى وطنه حتى لا يعتقله الإسرائيليون مرة أخرى، أو أن تعتقله السلطة"، مؤكدا "ان هذا هذا التبرير غير مقبول وغير مفهوم لان السلطة الفلسطينية ترحب به وأبدت تعاونا مع العائلة من اجل ضمان عودته ومشكلتنا نحن مع الإسرائيليين الذين قد يقومون باعتقاله ويرفضون عودته الى وطنه".
واشار الى "ان مدة محكومية شقيقه انتهت في 20 آذار الماضي وقد تم ترحيله من سجنه الذي كان قابعا فيه في ولاية بينسلفانيا إلى مركز توقيف في نيويورك تابع لدائرة الهجرة، حيث لا يزال محتجزا هناك إلى حين الحصول على موافقة اي دولة باستقباله فوق اراضيها".
واوضح "أن الحكومة الأميركية تنتظر ردا من الحكومة الجزائرية على قبول استضافته وإذا لم تجد السلطات الاميركية أي دولة تستقبله فهذا يعنى استمرار معاناته وقد يبقى رهن الاعتقال لعدة سنوات اخرى".
وقال ان احد الشروط الاساسية التي حددتها السلطات الأميركية مقابل الإفراج عن شقيقه هو أن يمتلك وثيقة سفر سارية المفعول ومعترف بها حتى يتم تسفيره، مشيرا الى انه تم بالتعاون مع السلطة الفلسطينية استصدار جواز سفر له وأرساله للسلطات الاميركية المعنية، غير ان كل هذه المحاولات اصطدمت برفض إسرائيل السماح له بالعودة إلى وطنه.
وراشد المولود عام 47 في بيت لحم كان غادر فلسطين والتحق بالثورة الفلسطينية وتزوج من امرأة نمساوية وأنجبا زهير وفراس، حيث كانا يقيمان مع والدتهما في بغداد قبل أن ينتقلوا جميعا إلى الجزائر التي يقيمون فيها حتى اليوم.
وعن ملابسات اعتقال الزغاري، قال شقيقه "إن الأميركيين حاولوا اختطاف راشد من مطار أثينا في اليونان في طريق عودته إلى بغداد، لكن هذه المحاولة فشلت". واضاف " اشتبك راشد مع بعض الاشخاص داخل ارض المطار، ما أدى إلى تدخل الشرطة اليونانية، حيث تبين لاحقا أن هؤلاء الاشخاص هم عملاء لجهاز الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، وقد تدخلت السفارة الأميركية في أثينا وأبلغت السلطات اليونانية حينها ان راشد يحمل جواز سفر مزور، فتم توقيفه بتهمة استخدام جواز سفر سوري مزور يحمل اسم محمد رشيد، وخلال فترة توقيفه في اليونان بدأ الأميركيون بالضغط على اليونان والمطالبة بتسليمه، غير ان السلطات اليونانية رفضت ذلك آنذاك، وطلبوا من الاميركيين تقديم ما لديهم من معلومات، لكن السلطات الاميركية أصرت على تسليمه بزعم أنه مطلوب في عمليات تفجير".
وتابع: "في النهاية توصلوا إلى صيغة تقضي بمحاكمته في اليونان بوجود الأميركيين وبعد إحضار أدلة الاتهام، حيث انعقدت المحكمة التي حكمت عليه بالسجن 18 عاما، وبعد 9 سنوات أفرجت عنه الحكومة اليونانية لحسن سلوكه".
واضاف : "يوم الإفراج عنه منعته السطات اليونانية من السفر إلى الجزائر وتم ترحيله إلى مصر على أن يغادر لاحقا إلى الجزائر، وأثناء انتظاره في قاعة الترانزيت بمطار القاهرة توجه إليه عدد من ضباط المخابرات المصرية وكان برفقتهم ضباط من المخابرات الاميركية، حيث تم اقتياده الى المعتقل الذي ظل محتجزا فيه من 6 -12- 96 وحتى 1 - 6 - 98 ، ومن ثم جرى تسليمه إلى السلطات الأميركية".
واوضح "ان السلطات المصرية ابلغت شقيقه في ذلك اليوم أنه سيتم نقله إلى غزة، غير انه وجد نفسه في الأجواء الأميركية"، مشيرا الى انه بعد نقله الى اميركا جرى أعادة محاكمته بنفس القضية، حيث حكم عليه بالسجن 25 عاما مع احتساب سنوات سجنه في اليونان.
وقال "توفي والدي أثناء وجود شقيقي راشد في السجن، ولم تره أمي منذ العام 1980، أي منذ 33 عاما، وخلال وجوده في سجون أميركا لم نتمكن من زيارته على عكس ما كان عليه الحال اثناء اعتقاله في اليونان، حيث كان بالإمكان زيارته من قبل أشقائي وأبناء أشقائي، أما نحن فلم نتمكن من زيارته، لا نحن ولا أولاده ولا حتى زوجته".
وضاف "كان راشد عضوا قياديا في الجبهة الشعبية وعمل برفقة القائد الراحل وديع حداد، حيث شكلا معا مجموعة العمل الخارجي في الجبهة الشعبية، ثم أصبح من ضباط العمليات الخارجية التابعة لمنظمة التحرير في بغداد الذي كان مسؤولا عنها في ذلك الحين الشهيد (هواري)".
وحول آخر تصال مع شقيقه الاسير ، قال "آخر اتصال معه كان منذ أكثر من أسبوع، حيث ابلغنا إن المال الذي بحوزته قد نفد، ومنذ فترة ونحن نحاول جهدنا لآيصال المال إليه حتى يتمكن من الاتصال بنا.. في البداية كانت معنوياته عالية وكان فرحا لانه سيتنشق هواء الحرية اخيرا ، لكنه الآن يعيش حالة نفسية صعبة بعدما ضاقت به الدنيا ولم يجد مكانا يعود اليه بعد كل هذه السنوات من العذاب".
ضاقت الارض بكل ما رحبت ولا يزال الزغاري ينتظر في محبسه باميركا، فيما فلسطين المحبوسة هي الاخرى تنتظر عودة ابنها وعودة روحها وما بين الانتظارين يظل الامل بعودة الزغاري الى فلسطين وعودة فلسطين الى الزغاري هو الشمعة التي تضيء الطريق امام كل الحالمين بالعودة الى اوطانهم والحالمين بالحرية التي طال انتظارها.
اضف تعقيب