شاكر فريد حسن
في ذكرى النكبة الـ(65)التي حولت شعبنا الى مهجرين ومشردين ومنفيين ، واستمراراً في الحديث عن المدن والمواقع والاماكن الفلسطينية ، التي دمرت وهدمت وخربت وطرد اهلها وسقطت بأيدي القوات الصهيونية المدعومة من قبل الاستعمار الانجليزي ، وايماناً باهمية وضرورة اطلاع الجيل الفلسطيني الجديد الصاعد والآتي على النكبة والتاريخ الفلسطيني العريق ، سوف اتحدث هذه المرة عن اللد ، مدينة التاريخ والعراقة والبطولات الخالدة والشهرة الواسعه، التي تحكي وتجسد جدلية البقاء والمنفى .
اللد هي مدينة قديمة ، ومن أعرق وأشهر وأخصب مدن فلسطين التاريخية ، أسسها الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد ، واتخذها عمرو بن العاص عاصمة لجند فلسطين عام 636 ميلادية حتى انشاء مدينة الرملة ، التي احتلت مركز الرئاسة بفلسطين .
شهدت اللد الكثير من المعارك القتالية والحربية العنيفة الطاحنة ، التي دارت رحاها بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ، وأصبحت العاصمة المؤقتة للوالي على فلسطين سليمان بن عبد الملك . وفي سنة 1099احتلتها القوات الصليبية وضمها السلطان بيبرس المملوكي الى منطقة نفوذه بعد انتصاره على الصليبيين .
ونشطت في اللد الجمعيات والنوادي العلمية والثقافية ، التي بادر الى اقامتها عدد من رجالات ومثقفي المدينة بهدف نشر الثقافة وترسيخ الوعي الثقافي والاجتماعي والنهوض بالعمل الاجتماعي والسياسي والثقافي فيها . ومن هؤلاء المبادرين : الأديب عبد الحميد ياسين ، والشاعر بدوي العلمي ، والأديب فوزي الكيالي وسواهم . وكانت تقام في هذه النوادي الندوات التثقيفية الوطنية والاجتماعات الشعبية ، التي كان يحضرها جمع من الشباب اللداوي الواعي ، وكانت تتخللها المناقشات والمساجلات والمداخلات حول أجندة وقضايا مختلفة.
وكان لجمعية اللد ، التي أسسها عدد من أبناء المدينة المعروفين بانتمائهم الوطني،وحبهم للعلم والمعرفة، وايمانهم باهمية نشر الثقافة والوعي، دور طليعي وريادي هام في تنظيم الانشطة والفعاليات الثقافية والاجتماعية وعقد الندوات العلمية وعرض المسرحيات التاريخية .
ومن أهم معالم اللد : محطة السكة الحديدية ، والمطار، الذي أقامته حكومة الاتداب البريطاني ، ويطلق عليه اليوم اسم مطار بن غوريون . ومن أثارها الخالدة : مسجد دهمش، وبئر الزئبق، وخان الحلو ، وكنيسة القديس جورجيوس ، وجسر جنداس ، وبئر الصحابي ابو محمد عبد الرحمن بن عوف، والجامع العمري، والساحة الشرقية ومنارة الأربعين، وخان الكرزون، وخان باطا، وخان أبو العميرة، خان العلمي ، وخان شابت،وغير ذلك .
وعبر مراحلها وحقبها التاريخية شهدت اللد حراكاً ثقافياً ونشاطاً علمياً وتربوياً ورياضياً وتعبوياً ، شارك فيه عدد كبير من المثقفين ورجالات الفكر والتربية ، وازدهرت فيها المدارس ، التي كان لمعلميها نصيب في النشاط التربوي والنهضة العلمية والثقافية والصحوة الفكرية فيها .
ومن أبرز أعلام وشخصيات اللد الثقافية والعلمية عبر التاريخ ،نذكر: القاضي شهاب الدين الشافعي، والعالم مزيد الدين خليل اللدي ، والشاعر سليم اليعقوبي ، والمناضل حسن سلامة أحد قادة الثورة الفلسطينية، وابنه علي سلامة . اضافة الى المرحوم الدكتور مصطفى محمد النجار ، الذي عاصر نكبة المدينة وألف كتاباً جامعاً وموسعاً عنها أسماه "مدينة اللد" . أما من الذين ولدوا فيها وخرجوا من رحمها فكان المناضل الفسطيني الدكتور جورج حبش ، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الذي كان يحلم بالعودة اليها ، ومات قبل ان يتحقق هذا الحلم .
وخلاصة القول ، اللد مدينة ذات تاريخ وماضي عريق ، وتسعى المؤسسة الصهيونية الحاكمة الى طمس معالمها وتغييرها بهدم حاراتها ، ورغم مرور الأعوام والسنوات الطوال لا تزال الأحياء القديمة فيها تحافظ على طابعها العربي الفلسطيني ، وتكشف نكبتها عن جوانب مهمة من نكبة فلسطين ، وهي جوانب المقاومة والتصدي للمشروع الصهيوني، والمذابح والمجازر، والنزوح القسري، ومن ثم التشرد والتشتت في أرجاء الدنيا ، وستظل مرتبطة بأذهان كل اللاجئين والمشردين الفلسطينيين ، الذين هجروا واقتلعوا منها عنوة وبقيت مفاتيح بيوتهم في جيوبهم ، وتفيض قلوبهم وارواحهم بالحنين والعواطف والذكريات الحميمة ، ويتوقون للعودة اليها
اللد مدينة التاريخ والعراقة
اضف تعقيب