X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      25/11/2024 |    (توقيت القدس)

شاحنة الحاج حامد اللفتاوي.. شاهدة على بطولات "الفدائيين" إبان النكبة

من : قسماوي نت
نشر : 21/05/2013 - 21:10

"دوج 500" موديل 1938 أعاد أبناؤه ترميمها لحفظ مسيرة مناضل رافق عبد القادر الحسيني
 

 

 

* المركبة وظفت لصالح تموين الثوار ضد الاحتلال البريطاني وهُربت من لفتا عقب النكبة واستخدمت في إعادة النازحين إلى الضفة بعد النكسة
* 60 ألف دولار تكلفة الترميم التي استمرت ثلاث سنوات وقصة مثيرة للعثور على أجزاء مفقودة
* وزارة المواصلات تطالب بـ 76 ألف شيكل لترخيصها والمالكون يؤكدون ضرورة وضعها في مكان عام أو متحف

فجأة خرج الأطفال والشباب والنساء إلى الشارع تاركين خلفهم القاعة التي أحيت فيها جمعية لفتا الذكرى الخامسة والستين للنكبة، وأخذوا يصفقون ويهتفون بأعلى صوتهم وكأن المركبة التي ستعيدهم إلى بلدتهم لفتا قد حضرت بالفعل، عيونهم كانت شاخصة نحو تلك الشاحنة الآتية من بعيد، صعد على ظهرها عدد من الفتية يحملون بنادق بلاستيكية وخشبية يرفعون شارة النصر، صورة شيخ كبير يلبس حطة وعقالا علقت على الشاحنة، وعلى الواجهة الأمامية كتب شعار بخط كبير "راجعلك يادار بـ(ترًَكّ) أبوي الختيار"، لم يكن ذلك مشهدا مسرحيا أو فيلما سينمائيا، لكنه مشهد حي لشاحنة الحاج حامد نمر صفران "اللفتاوي" وهي من نوع "دوج500" موديل 1938 وهُربت من قرية لفتا التي هجر أهلها عام 1948 لتبقى شاهدا على ذكريات من البطولة ونكبة شعب ما زال يحلم بالعودة. هذه الشاحنة ظلت تعمل إلى عام 1971 قبل أن تركن أمام منزل الحاج في اريحا الذي تعرض للنسف بقرار احتلالي، تناثرت حجارة المنزل المهدم على الشاحنة، وأبناء الحاج وهم أسرى محررون وجدوا ضالتهم في ترميم المركبة بعد عدة سنوات بحثا عن أجزاء مفقودة، لتكلفهم عملية الترميم نحو 60 ألف دولار، وهم اليوم يتطلعون إلى تحويل إرث والدهم إلى شاهد حي على بطولات الثوار بقيادة عبد القادر الحسني.

ما قبل النكبة
يعود بنا محمود حامد اللفتاوي ابن الحاج حامد إلى سنوات ما قبل النكبة، حيث تكثفت الهجرات اليهودية إلى فلسطين ومعها بدأت تتغير خارطة التاريخ. في الحرب العالمية الثانية كان الحاج حامد حينها يبلغ (16) عاما فألزمه الاحتلال البريطاني بالمشاركة في الحرب ضد ألمانيا، هرب من الخدمة ورجع إلى فلسطين كان يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة. ولما تكثفت الهجرات الصهوينية، بدأ الشباب الفلسطيني يدرك ضرورة تنظيم الصفوف والبحث عن السلاح، فكانوا يستولون على الذخيرة من معسكرات الجيش البريطاني.
التحق الحاج حامد بصوف الثورة، كان يعمل سائقاً على شاحنة، لإيصال التمويل للجيش البريطاني. وكلف من قبل الثوار باستخدام الشاحنة لعمليات الاستيلاء على اسلحة لمعسكرات الجيش البريطاني ونقلها اليهم. رافق الحاج حامد القائد الكبير عبد القادر الحسيني وفوزي القاوقجيالضاب في الجيس السوري وقائد جيش الانقاذ خلال حرب 48 وشحدة عودة.

ثلث أسحة الثوار وفرها صاحب الرأس المرفوعة
كانت القوات البريطانية بدأت انسحابها من فلسطين وبدأت العصابات الصهيونية تتسلم المعسكرات التي ينسحب منها الجيش الانجليزي. كان الحاج حامد يستخدم سيارة صغيرة من نوع "هدسون" في عمليات تهريب السلاح، أما الشاحنة فيستخدمها لأغراض تموين الثوار، وبقي على هذه الحال إلى أن انكشف أمره ذات مرة، ففي يوم من الأيام، سمع الحاج حامد عن قافلة للجيش الانجليزي تتجه من يافا إلى القدس عن طريق باب الواد، فأخبر الثوار بذلك وتم إعداد خطة محكمة لنصب كمين لها. اوقف الحاج حامد سيارته في عرض شارع يافا بالقدس قبل قدوم القافلة، وعندما وصلت تبين له أنه يوجد في السيارة قائد بريطاني كبير فترجل من سيارته لمعرفة ما يحدث، فأخبره الحاج حامد بأنه تعمد اقفال الطريق لاخبار الجيش البريطاني بوجود فدائيين ينصبون كمينا لهم، وطرح عليهم حلين: إما العودة من حيث أتوا أو أن يرافقه القائد العسكري البريطاني في سيارته وتحميل بعض الذخائر فيها، وبعد أن أجرى القائد البريطاني مشاوراته مع ضباط آخرين، طلب من معظم القافلة العودة إلى يافا ووافق هو أن يرافق الحاج حامد في سيارته برفقة ثلاث سيارات عسكرية أخرى، اثناء عودة القافلة في طريق باب الواد تم مهاجمتها من قبل الفدائيين وتكبدت القوات البريطانية خسائر بادحة. كان الحاج حامد اقنع القائد العسكري البريطاني بمرافقته عندما هم باعلاء صوته في واد بالقدس ليوهمه ان صدى الصوت الصادر هو صوت فدائيين. وبعد الوصول إلى نقطة معينة متفق عليها مع الثوار ترجل من سيارته، وحينما سأله القائد العسكري البريطاني عن السبب أجابه بأن عطلا حدث في السيارة إلى أن أعطى اشارة للفدائيين الذين نصبوا كمينا للقائد البريطاني وقاموا بتصفيته ومهاجمة مرافقيه وقتل عدد كبير منهم، غير أن من نجا من الهجوم أخبر عن الحاج حامد ورسموا صورة له وأصبح مطلوبا من وقتها للقوات البريطانية.
تحدث القائد عبد القادر الحسيني مشيدا بنضال الحاج حامد حينما أقر بأنه ساهم بتوفير قرابة ثلاثين بالمئة من الاسحلة التي كانت بحوزة الثوار آنذاك. وكان الحاج حامد يستخدم شاحنته لنقل التموين للفدائيين.

جرائم صهيونية.. والشيخ ينزل عن الجبل
شارك الحاج حامد في معركة القسطل، وظل مطاردا في الجبال برفقة الثوار، إلى أن بدأت العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر وبدأت النكبة تتجسد واقعا على الأرض، فارتكبت العصابات الصهوينية مجزة في مقهى بلدة لفتا اعقبتها مجزرة أخرى في دير ياسين، كانت تلك العصابات تتعمد قتل عدد من السكان وفتح المجال لآخرين للهرب بهدف نقل ما يجري لبقية الأهالي بهدف بث الرعب في صفوفه.
بدأ الأهالي بمغادرة قراهم نحو بيت اكسا المجاورة، قسم من أهالي بيت اكسا بدأوا يغادرون بلدتهم وقسم آخر فضل المكوث فيها واستقبال اللاجئين الوافدين من القرى المجاورة. عندما بدأ الأهالي بالهجرة نزل الحاج حامد من على الجبل إلى القرية ليحدث والد زوجته وهو مختار القرية وإمام مسجدها الشيخ خضر طالبا منه عدم المغادرة وانه سيزوده بالغذاء. وفعلا بقي الحاج حامد والشيخ خضر في البلدة ثلاثة شهور بعد مغادرة الأهالي لها. ثم قرر الشيخ خضر الرحيل خوفا من وصمه بالخيانة بسبب بقائه في القرية، وفعلا رحل بدوره وأخذ معه زوجة الحاج حامد وابنها محمد وابنتها جميلة التي استشهدت برصاص اسرائيلي عام 2013.
انقطع الحاج حامد وهو من مواليد عام 1916 عن عائلته ثلاث سنوات وهو يبحث عنهم ظانا انهم في بيت اكسا، لكنه لم يجدهم هناك، إلى أن عرف لاحقا أنهم استقروا بالقرب من مخيم الامعري للاجئين. عندما التقى بعائلته كاد يجن من مشهد الخيمة التي آوتهم، فهدم الخيمة ودعاهم الى مصاحبته حيث كان يملك 17 جنيها اشترى بها بيتا قرب ملعب الفرندز بالبيرة.
المتعهد الذي أعاد آلاف النازحين
عمل الحاج حامد متعهدا بعد احداث النكبة وعاد خلسة إلى بلدته لفتا ونقل شاحنتين كانتا بحوزته، بالإضافة إلى سيارتين صغيرتين(واحدة سيارة سكودا تفتح بالعكس صادرتها اسرائيل بعد نكسة حزيران وأخرى من نوع هدسن). أعطى شاحنة لونها أحمر لشقيقه الذي رحل إلى الأردن، بينما احتفظ هو بالأخرى ذات اللون السكني واستخدمها في عمله.
عمل الحاج حامد متعهداً بعد نكسة حزيران حيث كانت لديه كسارة، وعمل في شق الطرق وفتح الآبار وكان يستخدم الشاحنة في التنقل من فلسطين إلى الأردن وبالعكس، واستخدمها في إعادة نازحين من الأردن إلى فلسطين، فعند المغادرة كان يخبر الاسرائيليين أن 30 شخصاً يرافقونه في الرحلة وطبعاً لم يكن ذلك العدد صحيحاً، وفي العودة كان يعيد معه ثلاثين شخصا من النازحين، وبقي على هذه الحال لمدة تسعة أشهر أعاد بشاحنته خلالها آلاف النازحين.

إجراءات اسرائيلية عقابية
كان الحاج حامد اشترى قطعة ارض في أريحا عام 1952 وبنى عليها منزلاً. بعد معركة الكرامة، وفي سعي منها للحد من هجمات المقاومة الفلسطينية قررت السلطات الاسرائيلية بناء خط دفاعي على الحدود الاردنية فعرض على الحاج حامد أن يتولى مهمة بناء هذا الخط لكنه رفض بشدة رغم الاغراءات المادية التي قدمتها اسرائيل.
ونتيجة موقفه الوطني هذا، قررت اسرائيل الانتقام من الحاج حامد بسلسة اجراءات عقابية بدأتها بمصادرة هويته وفرض الاقامة الجبرية عليه في اريحا، ثم استولت على بيته في شارع يافا، ثم عمدت إلى اغلاق شركة للباصات كان الحاج حامد افتتحها في أريحا. بعد ذلك عاد للعمل على الشاحنة لنقل البطيخ الى الاردن. وفي إحدى المرات فرض الاحتلال عليه ثقب الصندوق ليتسنى لهم رؤية ما يقوم بنقله. استمر الحاج حامد بالعمل على الشاحنة حتى عام 1971 حيث تم إيقافها وبقيت مركونة أمام منزله حتى تم ترميمها وتحريكها خلال فعاليات احياء ذكرى النكبة هذا العام.
رحل وعيناه تشخصان إلى لفتا
وبعد حياة مديدة بالنضال والعنفوان، نقل الحاج حامد الى مستشفى هداسا عين كارم بعد أن نال منه المرض، وطلب من الطبييب الذي اشرف على علاجه وهو يودع حياة فانية أن ينقله إلى غرفة أخرى تطل على بلدته لفتا وقد فارق الحياة وهو يشخص بعينيه إلى حلم ظل مشروعا لأجيال وأجيال.

عائلة مناضلة 
"اللي خلف ما مات".. هذا ما ينطبق على الحاج حامد الذي ترك وراءه ابناء مناضلين، فعماد نفذ عملية تسببت في مقتل ضابط مخابرات إسرائيلي وحكم عليه بالسجن 21 عاما أمضى منها 17 عاما قبل أن يفرج عنه في عملية تبادل أسرى. ومحمود التحق بصفوف الثورة في لبنان اثناء فترة دراسته بالاردن وجرح في معارك بالدامون. اثناء عودته إلى الاردن جرى اعتقاله على الجسر ومكث في الاسر ثمانية اشهر. اعتقل محمود عدة مرات، كان مسؤولا عن القوات الضاربة في منطقة باريحا خلال الانتفاضة الكبرى.
قام جنود من كتيبة "العقرب الأسود" الاحتلالية بإهانة فتاة في الشارع، فلم يَرُقْ له المنظر وقام بتنفيذ العملية التي أودت بحياة ثلاثة جنود. حكم بالسجن على محمود بالسجن ثلاثة مؤبدات وعشرين سنة إلى أن استنأنف الحكم لاحقا وافرج عنه في عام 1999. في عام 1991 ونتيجة العملية التي نفذها عماد انتقمت سلطات الاحتلال بهدم منزل العائلة في اريحا المكون من ثلاثة طوابق.
الحجارة المتناثرة من عملية هدم المنزل تراكمت فوق شاحنة الحاج حامد (الترًكّ)، يقول محمود: "لم يمهلونا عند عملية الهدم أكثر من ربع ساعة لاخراج أغراضنا، فلم نتمكن من سوى من إخراج الجزء اليسير من أوراقنا الثبوتية بالإضافة إلى بعض مقتنيات الوالد المرحوم اتي مازالنا تحتفظ بها لغاية اليوم". جميلة ابنة الحاج حامد استشهدت عام 2003 برصاص الاحتلال، وعميد الاسرى السابق ابو السكر متزوج من ابنة الحاج حامد, كما ان عماد ابن الحاج حامد تزوج من مقدسية تعمل مديرا عاما في وزارة الأسرى وهو لديه ستة توائم. يشار إلى ان محمود تعرض ذات مرة الى اعتقال من قبل الاحتلال في يوم عرسه إمعانا في التنغيص عليه وقتل الفرحة عند عائلته.

عملية الترميم
بدأ أبناء المرحوم حامد بالبحث عن آلية لترميم الشاحنة، لكنهم وجدوا الباب الأيسر للمركبة تعرض للسرقة. وبعد عملية بحث واسعة تمكنوا من معرفة أين ذهب الباب حيث عثروا عليه في منطقة بالأردن، وقاموا بشرائه من شخص بـ400 دينار ارني، واثناء إعادته إلى الضفة تم فقدانه مرة أخرى على الجسر، لتبدأ عملية البحث من جديد وهذه المرة وجدوه في منطقة كفر دان بالعراق واشتروه مرة أخرى ولكن بسعر ألفي دينار أردني. وتم ادخاله إلى الضفة عن طريق احد الحدادين.
شاحنة الحاج حامد موديل 1938 وتحمل رقم (428) في فلسطين وفي الاردن رقم (6428) ليظل الرقمان 8 و4 العلامة المسجلة لنكبة عام 48 مسجلين في "ترك تاريخي" ليؤرخ تغريبة شعب. كان لها صندوق من خشب ارتفاعه 20 سم ولونه سكني. وأثناء عملية ترميم الشاحنة تم فك المحرك "الماتور" وتركيبه قطعة قطعة إلى أن تمكنوا من تسيير الشاحنة خلال فعاليات النكبة هذا العام. ويشير محمود إلى أنهم لم يتمكنوا من توفير إطارات الشاحنة إلا من داخل إسرائيل حيث إن هذا القياس مفقود في السوق الفلسطينية.

الدفاع عن "الشرف"
وحول سبب كل هذا الاهتمام بمقتنيات المرحوم يقول محمود" هذا هو شرفنا وهو مفخرة لكل فلسطين، فهل لنا أن نتخلى عن شرفنا؟!"
ونوه محمود إلى أنهم تقدموا إلى وزارة المواصلات الفلسطينية للحصول على ترخيص للمركبة الأثرية التي باتت بمثابة تحفة نادرة تجسد مرحلة تاريخية في غاية الأهمية للشعب الفلسطيني غير أنها طالبتهم بدفع مبلغ 76 الف شيقل كرسوم ترخيص بأثر رجعي منذ عام 1967.
ويقول إنهم وجهوا رسائل إلى عدة مسؤولين فلسطينيين لتمكنهم من ترخيص الشاحنة لكنهم لم يتلقوا إجابات حتى اللحظة. ونفى محمود وجود اية نية لديهم لبيع المركبة بأي ثمن كان، منوها إلى انه عرض عليهم مبلغ 150 الف دولار لشراء الشاحنة لكنهم رفضوا ذلك.
واستغرب محمود عدم الاهتمام الرسمي بهذه الشاحنة لغاية اللحظة في وقت تبرز اسرائيل مقتنياتها الحربية في اماكن عامة، مشيرا إلى أن الدبابة الأولى التي اجتاحت سيناء تم تنصيبها على ارتفاع عال بالقرب من عسقلان، وكذلك تم تنصيب مدفع بالقرب من طبريا.
وطالب محمود الجهات الرسمية بتنصيب الحافلة في مكان عام أو ضعها في متحف ليحافظ عليها ويتم نقل هذه البطولة الحية إلى الأجيال القادمة.
ويختتم محمود حديثه بقوله: "لو توفرت لوالدي كاميرا مثل توفرها هذه الأيام لتحولت قصته إلى فيلم سينمائي يجسد بطولة حقة لشعب مناضل يسعى للعودة إلى مرابع الصبا حيث كان الآباء والأجداد".

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل