علق المحلل في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية غدعون ليفي في مقال نشرته الصحيفة اليوم الاثنين على ما اثاره "المؤتمر الرئاسي" الاسرائيلي الذي عقد اخيراً تحت عنوان "مواجهة الغد" من قضايا بينها مسألة "شرعية" او عدم شرعية اسرائيل قائلاً ان ذلك المؤتمر لم يسفر عن اضفاء شرعية على اسرائيل. وهنا نص المقال:
"ان السؤال الاستفزازي (والمتحدي) في هذا العنوان ليس ذا صلة. فباستثناء اسرائيل لم يوجه مثل هذا الاتهام الى اي دولة، والواقع ان اسرائيل لا تعتبر جدياً غير شرعية ايضاً – على الاقل ليس بالمعنى الذي يريد منا اليمين القومي في البلاد ان نصدقه من اجل تخويف الجمهور. وعندما يناقش الموضوع، فان المسألة ليست ما اذا كانت بعض الدول شرعية او غير شرعية، وانما هل بعض الانظمة شرعية. وتعتبر انظمة ايران، وكوريا الشمالية، وبورما وغيرها غير شرعية بسبب سلوكها، ولكن لا احد يشكك في شرعية ايران كدولة. وبالطبع هناك دول ولدت سفاحاً – وفي مقدمها الولايات المتحدة – ولكن لا احد يشكك في شرعية الولايات المتحدة. وهذا ينطبق على اسرائيل ايضاً. انها دولة موجودة، ووجودها لا يعتريه شك.
وعندما يصرخ اليمين "نزع الشرعية"، فانه يبالغ في ذلك عن قصد. ذلك ان حتى اشد الانتقادات لاسرائيل توجه الى النظام: ويتعلق معظمها بكون اسرائيل نظام احتلال – وهذا واقع غير شرعي بصورة واضحة – وبعضها موجه الى تعريفها كدولة عرقية-قومية، اي الدولة اليهودية.
لا توجد اي دولة اخرى تنفذ مثل هذا الاحتلال، ولا اي دولة تعرف نفسها وفقاً لنقائها العرقي، او الديني او القومي. ففرنسا ليست دولة الفرنسيين، والمانيا ليست دولة الالمان. انهما كلتيهما دولتا مواطنيهما. والالمان والفرنسيون لا يتم تعريفهم فقط بالدماء التي تجري في عروقهم – اي حسب ما اذا كان دم جد المرء دماً فرنسياً او كان دم جدته دماً آرياً – وانما وفقاً لعمليات تطبيع في هذين البلدين.
ان رجلاً المانياً من اصل تركي، وكذلك فرنسياً من اصل جزائري هما مواطنان لهما حقوق كاملة متساوية. وفي حقبة الهجرة الدولية الجديدة صارت مسألة النقاء العرقي مسألة لا قيمة لها وغير شرعية. ويجب ان ينطبق هذا على اسرائيل كذلك. ولا حق لها في ان تدعي معايير اخرى غير معايير بقية العالم.
ان الهدف من وراء نشر الخوف هو طمس الحقيقة والسماح لاسرائيل بتجاهل المسؤولية عن افعالها، وهو ما يشكل منبع افتقار النظام الاسرائيلي للشرعية. وقلة نادرة هم من يبحثون جدياً في تدمير اسرائيل، وعلى اي حال لا يملك احد القوة لعمل ذلك. ان منتقدي اسرائيل وكارهيها – وهناك الكثير من هؤلاء لسوء الحظ – يطعنون في نظام اسرائيل وسياساته، وليس في وجود اسرائيل. وهم يعتقدون بان قيم العدالة الطبيعية تملي اسرائيل مختلفة: ليس دولة احتلال ولا دولة يهودية (فقط).
وبناء على ذلك، فان المسؤولية عن النظر اليها كدولة غير شرعية تقع على عاتق اولئك الذين يؤيدون الوضع الحالي. وليس منتقدو اسرائيل الاشداء في الداخل والخارج هم من يلامون على الحملة المناوئة لاسرائيل وانما اولئك الذين يقررون سياسات اسرائيل. وفي القرن الواحد والعشرين تجري معاملة الدول التي تصر على مواصلة احتلال، او تعرف نفسها على اساس عرقي محض، كدول منبوذة. هذه هي النقاط التي يثيرها منتقدو اسرائيل. ومن بينهم هذا الكاتب الذي يحركه، في الحقيقة، الخوف على مستقبل اسرائيل، وهناك آخرون تحركهم الكراهية المَرَضِية واللاسامية اللاشرعية. واسرائيل يجب الا تقدم اعذاراً لهذه الكراهية.
لم يسفر مؤتمر "مواجهة الغد" الرئاسي عن اي شيء لاضفاء شرعية على اسرائيل، كما يريد لنا اساطين الدعاية ان نصدق، تماماً مثلما لا يمكن لوم توثيق ممارسات الاحتلال الخاطئة او الاشارة الى العنصرية على نزع شرعية النظام. والواقع ان نتف الشرعية الضئيلة التي يتمتع بها النظام الاسرائيلي تعود الى ديموقراطيته النسبية، على الاقل في ما يتعلق باليهود. واولئك الذين يحاولون الآن ان يحدوا من الحقوق المدنية الموجودة لا يحققون شيئاً سوى زيادة عزلة اسرائيل.
سيكون من الافضل لنا ان نواجه الواقع بصدق، وبنظرة واعية بدلاً من نظرة صادرة من دماغ مغسول: ان دولةً اقيمت الى حد كبير على رماد المحرقة النازية، ولقي ايجادها تأييداً حماسياً من معظم الامم ويلقى وجودها دعماً اليوم من عدد اكبر، انحازت عن الدرب وضلت طريقها. وهذا هو سبب الاحتجاج الصارخ ضدها. ان اسرائيل تحكم بقسوة وعنف شعباً آخر، تاركةً ابناء ذلك الشعب، الذين ولدوا هنا، محرومين من حق تقرير مصيرهم ومن حقوقهم المدنية، وهي لا تعرف حقوق مواطنيها الا وفقاً لانتمائهم القومي-الديني. هل يمكن ان تدعم دولة كهذه؟ هل طبيعتها شرعية في نظرك؟".
اضف تعقيب