X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      27/11/2024 |    (توقيت القدس)

في وداع لمى نجار اصغر ضحايا مجزرة دبوريه

من : قسماوي نت - بقلم: رافي مصالحه
نشر : 03/09/2013 - 13:27

في وداع لمى نجار اصغر ضحايا مجزرة دبوريه

بقلم: رافي مصالحه
لمى لمن لم يعرفها, هي فراشة وادعة في عمر البرعم كانت تداعب الأزهار وتقفز بين حبات المطر وتسامر النجمات وتناجي قبل غفوتها قرص القمر وتضفي على جنان الدنيا رونقا لا تصفه الكلمات ولا تعبر عنه القصائد.

لمى هي قطرة نقاء دلفت من سقف عمر أمها المهترئ كي تغزل من وجع زهيرة منديلاً يمحو عن وجنتيها عبرات المأساة, ولكي تنسلّ بين صباحاتها المترهّلة ناسجة من نزف جراحها خمائلا.

لمى كانت تتراقص باسمة كقطة رقيقة تلثمت بجدائل الياسمين, كانت تهرب من البرد وتتحصّن في حضن أمها قرب النار, تفترش الأحلام والضياء كي تروي لها زهيرة قصتها المحبّبة عن فارسٍ جميلٍ وقع في عشق الأميرة وحملها إلى بلاد الشمس والزنابق على جواده الأبيض, فتغفو لمى كعصفورةٍ في ظلّ الوجع, إذ لم تدركها بعدُ مواعيدُ الرّحيل. لم أفهم أبداً, كيف صار العام بهطول هذه الصغيرة العفويّ فصلاً واحداً, ربيعاً عمره اثنا عشرة شهرا.

في الاول من أيلول إنسلت حبائل نور الشمس لتلثم وجه لمى وتوقظها كي ترتاد روضتها. صانع الموت الذي نام ليلته بالقرب منها ألبسها وسلمها حقيبة الروضة التي ضمّت رسوماتِها. كان الصّمت المرعب يتربّص بالمكان والموت يختبئ في أركان المنزل وخلف أحداق صانع الموت الذي كانت ملامحه متحجرة باردة.

كانت لمى تحب أن ترسم بيتا تحاذيه الورود وفي سقف الورقة شمس ترعى البيت والوردات. لكن لمى لم تستشعر يوماً دفء البيت الحقيقيّ ولا بهاء الورد ولا نقاء الشمس, بل كانت مجرد دخيل على حياة صانع الموت حطمت رتابة كيانه البائس وفرقت جحافل الصمت في وكره المظلم. فقرر أن يفنيها.... وما أن أدرك الصغيرة الصباح, حتى أزفت ساعة الرحيل !.

قادها صانع الموت نحو سيارته ودخلتها بهدوء وناظراها معلقان بغيمةٍ وحيدةٍ تهيم شاردةً في السماء دونما هدفٍ, تائهة مثل لمى, فكأنها تفتش عن دفء المأوى دون أي جدوى.

جاب صانع الموت شوارع القرية بحثاً عن طرائده وهو قابض على سلاحه, ولمى بجانبه تحتضن ببراءتها حقيبة الرسومات, وما زالت عيناها قابعتين نحو السماء لعلها قد أدركت لحظتها أن دقائق تفصلها عن تلك السماء وهي مأواها المحتوم, هناك خلف تلك الغيمة الهائمة, قريبا من قرص الشمس التي لطالما أحبت رسمها في أوراقها.

أفنى صانع الموت أختي لمى في دربهن نحو مدرستهن بقمة البرود أمام عينيها. ومضى في مسيرة البطش نحو مكان عمل أمّها, وهناك أطلق رصاصات الفناء التي مزقت الجسد الغض قبل أن يقتل الوالدة التي ناصبتها السعادة العداءَ وتجاوزها الفرح الهشّ ليرحل عن شباكها خلف الآفاق البعيدة. ذوى ربيع حياة زهيرة في حقول القلق وسفوح الهم المشبعة باللوعة في كنف صانع الموت الذي أجاد صنعته وبرع فيها فجعل منها حطاما ومزق روحها شظاياً.

أغفت لمى عينيها ورقدت وادعة في بركة الدم, تماما كما كانت تغفو في ذروة سرد حكاية الأميرة والفارس. لقد تخلى القدر هذه المرة عن الأميرة الصغيرة, فلا جاء الفارس ولا قدم الحصان الأبيض وذبل الحلم ومات على جبين لمى. غادرت لمى دون أن تسرح خالاتها شعرها بدلال ودون أن تلبسها جدتها فستانها الجديد ودون أن تقبلها زهيرة لتودعها وتقول لها أنها تحبها حدّ الموت بل أكثر. رحلت في كفنها لا كعادة أي مسافر يرنو خلفه لكي يعد كل من أحبه بأنه عائد في كبد الظهيرة على أقصى الحدود !.

لم يبق من الرواية غير شاهد القبر ليعلن مصرع لمى. مصرع الفراشة.

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل