بقلم / عباس الجمعة...........
تمر علينا هذه الأيام الذكرى الواحدة والثلاثين للمجزرة المريعة في صبرا وشاتيلا لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها رغم الجرح النازف ، جرح شعب مازال يجمع أشلاءه ، وجرح أرض مازالت تئنّ وتصرخ ، في دير ياسين و كفر قاسم و جنين و غزة وقلنديا في كل شبر من فلسطين ، السادس عشر من سبتمبر من عام 1982 لا يزال ماثلا في ذاكرة كل فلسطيني وعربي رغم وجع، هذه الذكرى ورغم شريطها الملبّد بالنكبات والنكسات والمجازر.
هكذا هو تاريخ كيان عنصري أسود بني على انقاض شعب ، كيان ملطخ بالدم ، حافل بالمجازر والمذابح الدموية البشعة ، فمجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الجريمة الصهيونية الأولى في التاريخ العربي والفلسطيني ، كما أنها لم تكن الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني لأن مسلسل المجازر الصهيونية لم ينته ولم يتوقف لحظة منذ اغتصاب فلسطين، فمن شارون سفاح "صبرا وشاتيلا" الى بيريز سفاح قانا ، الى نتنياهو الذي يتحدى العالم ويصرّ على التمادي في جرائمه وفي سياساته العدوانية تبدو المجزرة متواصلة بل ومتصاعدة ، بأشكال عديدة ، مادام الجلاد فوق القانون ، في ظلّ التواطؤ الدولي المفضوح، والعجز العربي غير المسبوق.
واحد وثلاثين عاما مضت على ذكرى صبرا وشاتيلا ، وقد أصبحت حقوق الشعب الفلسطيني مهددة بالتصفية ، بعد أن راهن البعض على وضعها في "المزاد" لكن ارادة الشعب الفلسطيني الصبر والصمود رغم انحياز الغرب وضعف العرب وبطش الجلاد.
شهداء صبرا وشاتيلا لا يزالون ينتظرون من يقتص لهم من القتلة ويحقق لهم بعض من العدل، حيث نرى اليوم ان ميزان العدل يختل ويسود منطق قوة الباطل ، وغياب الحق الذي لا تسنده سوى استمرار الشعب الفلسطيني بنبرته العالية.
ان مجزرة صبرا وشاتيلا الذي ذهب ضحيتها اكثر من ثلاثة الاف وخمسمائة مواطن فلسطيني ولبناني معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ، على ايدي الكيان الصهيوني الطفل المدلل للولايات المتحدة الامريكية خلال اجتياحه للبنان وبعد انسحاب قوات الثورة الفلسطينية من بيروت العربية عام 1982 واحتلال قوات العدو بقيادة السفاح المجرم شارون لبيروت ومعه عملائه في لبنان المعروفين ليرتكب جريمة حرب تهتز شعوب العالم اجمع امام هول وفظاعة المشهد فيما لم تهتز حكومات الغرب والشرق قيد أنملة، بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني .
نحن نعيش في ظل هذا القطب الجانح نحو إسرائيل ومصالحه في المنطقة, ويسعى بكل ما أوتي من قوة لحصانة إسرائيل قانونيا وامنيا وعسكريا وأمميا ليست صبرا وشاتيلا المجزرة الوحيدة المحصنة أمام العدالة في خضم سياسة المصالح التي تحكم العالم ، ولهذا نقول إن مرتكبي المجزرة معروفين للقاصي والداني، وعلى جميع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية تحريك الدعاوى ضد مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا وتقديهم للعدالة، لأن جريمتهم لا تسقط بالتقادم، فهي جريمة حرب بامتياز.
صبرا وشاتيلا ، حكاية شعب كل ما اراده هو الحياة وكل ما حصل عليه هو الموت, ولكنه وبالرغم من كل ما مر به ، سيبقى واقفا بعنفوان يتحدى وسينتصر ، فكيف لا ومن موقعها كان الصوت المدوي لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ، من بيروت المقاومة للغزو الصهيوني للبنان صيف عام 1982 زغردت البنادق ، فكانت العمليات وكان الرد البطولي على الاحتلال وكانت الطلقة الاولى كرد على مجزرة صبرا وشاتيلا .
اليوم تبقى القضية الفلسطينية شاهد على الزيف الإمبريالي الأمريكي ونفوذه في العالم والذي بصيرورته يصب في مصلحة كيان عنصري ، بينما البعض ينتظر الساعات القليلة القادمة حتى يرى وفاء الوعود الأمريكية باعطاء الفلسطينين حقوقهم ، هذا الوجه الذي كشف عن دينامية التسوية وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، يتطلب استنهاض للطاقات حتى يعيد الصراع الى مكانه الحقيقي من اجل استعادة الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
ان مجزرة صبرا وشاتيلا فضحت في ذكراها المشاريع والمخططات الامريكية والصهيونية والاستعمارية ، وكشفت وجوه بعض العرب الذين يريدون اعطاء الولايات المتحدة وحلفائها صك استهداف الوطن العربي تحت حجج واهية لتسعير الحروب الأهلية لتمرير مشاريعهم في التفتيت والسيطرة وتصفية القضية الفلسطينية ، لذا فإن التصدي ومقاومة هذا العدوان هو مسؤولية وطنية وقومية شاملة، تقع على عاتق جميع القوى والشعوب التي تنتصر اليوم للوقوف الى جانب شهداء صبرا وشاتيلا .
ختاما: لا بد من القول ان مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى في الذاكرة الفلسطينية وستبقى برسم المحاكم الدولية ، وان التاريخ الفلسطيني لن ينسى ابدا دموية تلك المجازر مهما طال الزمن أو قصر فسوف يأتي اليوم الذي يعود الحق لأصحابه ، وان الشعب الفلسطيني سيكون قادراً على الصمود وإفشال المخططات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف حقوقه الوطنية مهما كانت التضحيات .
كاتب سياسي -
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب