على الرغم من ان الضجة التي احدثتها "موقعة سنودن" كانت عالية في بداياتها، الا ان انها اختفت على وقع ضجيج حراك السياسة دوليا. لكن ما يتم الكشف عنه منذ ذلك الوقت يحتاج وقفة حقيقية للتأمل في مدى ما وصل اليه الهوس الامني لوكالة الامن القومي الاميركية. اذ تكشف تقارير متتابعة تنشرها مجلة "دير شبيغل" الالمانية عن ملف جديد من ملفات الوكالة، وهذه المرة تحديدا كان اختراق العالم المالي.
وقد تذهب الوكالة في شأن مراقبة التحركات المالية الى البنوك والشركات ووكالات المال والتحويلات البنكية بين البنوك ذاتها، الى مدى يصعب للبعض تصوره. وتقول المجلة ان الامر يتعدى المراقبة الى انتهاك القانون الدولي في هذا الشأن.
"لاحق المال" Follow the Money
هذا هو اسم الفرع المختص بمراقبة التحويلات المالية وتخزينها في قاعدة بيانات معدة خصيصا لهذا الامر. الاسم مشتق من عبارة استخدمها الضابط في المباحث الفيدرالية الاميركية مارك فيلت الذي كشف لصحفيين من "واشنطن بوست" عن فضيحة "ووتر غيت" في لعام 1972.
وبحسب عملاء وكالة الامن القومي فإن "المال هو العصب الرئيس للارهابيين"، ومن خلاله يمكنن تتبع حتى عمليات شراء الاسلحة غير الشرعية. ويضيف هؤلاء ان تتبع المال يمكن من من الكشف عن جرائم سياسية، ويكشف عن جرائم ضد الانسانية، او حتى التمكن من معرفة ما أذا كانت قرارات الحظر الاقتصادي الدولية يتم احترامها.
"المال اساس كل شر"
يتندر عملاء الوكالة بأن المال هو اساس كل الشرور. كما ورد في مذكرة لاحد عملاء الوكالة ان هناك تركيزا عاليا في مراقبة حركة المعاملات المالية على مناطق مثل الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وترتكز عمليات المراقبة في الاساس على متابعة عمليات التحويل المالية، والبطاقات الائتمانية والتي وصل عدد عمليات المتابعة والبيانات المخزنة 180 مليونا في عام 2011 فقط.
مراقبة التحويلات الداخلية بين البنوك SWIFT
من المعروف في عالم البنوك ان هناك نظاما للتراسل والتحويلات المالية الدولية يتم عبر هيئة دولية تسمى SWIFT تضم ما يقارب 8000 بنكا ومؤسسة مالية. ولدى وكالة الامن القومي الاميركية امكانية الولوج الى مستويات مختلفة من المعلومات لهذه المؤسسات، ما يمكنها من متابعة كل منها على حدة، هذا اضافة الى متابعة مؤسسات اخرى خارج هذه المنظومة. ومن ابرز هذه المؤسسات "فيزا" و"ماستركارد" التي تقول المذكرات السرية التي كشف عنها ان اختراق الوكالة لبياتهما "متغلغل للغاية".
وتخضع الوكالة هذه البيانات لعمليات تحليل وربط بحيث تتكون لديها "خارطة" لاي شخص او مؤسسة وطبيعة علاقاتها المالية.
وتكشف الوثائق السرية ان مراقبة عمليات SWIFT كان لها اهمية خاصة لدى الوكالة، خاصة انها تعتبر الاكبر والاهم بين المؤسسات المالية العالمية التي يمكن من خلالها الولوج الى كم هائل من المعلومات المالية عن اية جهة لها مصالح وتعاملات مالية حتى في اطار نطاقات داخلية.
وكان هناك اتفاق تم بين SWIFT و"جهات اخرى" على تبادل المعلومات من بينها على ما يبدو كانت وكالة الامن القومي الاميركية.
وعلقت المسؤولة في الاتحاد الاوروبي سيسيليا مالمستروم انه "اذا حصل هناك خرق للاتفاق وان جهات اخرى غير مخولة الولوج الى هذه المعلومات غير تلك التي تم الاتفاق عليها، فسوف نضع في الاعتبار امكانية انهاء الاتفاق معها".
"طبق النار"
ويبدو ان الوكالة، بحسب التقارير لم تقتصر على دول في الشرق الاوسط وشمال افريقيا في متابعة الحركة المالية، بل تابعت تحويلات مالية عبر بطاقات ائتمانية لـ 70 بنكا في دول اوروبية تعاني من اشكاليات مالية مثل ايطاليا واسبانيا واليونان. واستفاد عملاء الوكالة من خدمة الرسائل الفورية التي ترسل للزبائن بخصوص التحويلات المالية، اذ تمت متابعتها ايضا.
ولم توفر الوكالة جهدا في متابعة مؤسسة مالية مثل "فيزا" بحيث بحثت في مؤتمر خاص بوكالة الامن القومي عن طبيعة عمليات "فيزا" تقنيا وتم بحث الطرق الافضل التي يمكن من خلالها اختراق شبكة هذه العمليات.
وجاء في مذكرة لاحد العملاء ممن شارك في هذا المؤتمر الخاص ان البحث كان يجري عن كيفية اختراق شبكات "فيزا" في منطقة اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا و"كيف يمكن تحليل واستيعاب هذه البيانات وتنظيمها واستخراج البيانات صاحبة الاولويات العليا".
وشرحت احدى شرائح العرض كيف تتم العملية بدءا من قراءة البطاقة الائتمانية في محل ما، وكيفية انتقال البيانات الى البنك او المؤسسة المالية ومنها لمعالج البيانات حتى وصولها الى "فيزا".
"فيزا" قالت انه "لم يصل الى علمها وجود اية عمليات اختراق لقواعد بياناتها. فيزا تتعامل بجدية كبيرة مع امن البيانات في حال وجود اية محاولات للحصول على بيانات بطريقة غير قانونية".
لكن على ما يبدو ان بيانات الشركة المالية القادمة من الشرق الاوسط تصل "بطريقة ما" الى وكالة الامن القومي من خلال برنامج تجسسي يدعى XKeyscore يقوم بعملية مسح للبيانات التي تتدفق عبر شبكة "فيزا"، بحسب ما ورد في احدى هذه الوثائق.
وتقول احدى الوثائق، ان هناك شبكات او مؤسسات صغيرة تشكل عائقا احيانا امام قدرة الوكالة على اختراق شبكاتها. ومنها على سبيل المثال "ويسترن يونيون" التي لديها عمليات في 200 دول تقريبا، كانت الوكالة قادرة على اختراق بيانتها. الا انها بعد عام 2008 باتت تواجه مشكلة في اختراقها بسبب تكثيف عمليات التشفير ورفع درجتها.
خلاصة الوثائق الواردة حول عمليات التجسس على العمليات المالية، انها تولي اهمية خاصة لعمليات اعتراض البيانات المالية، حتى المشفرة منها، وتعمل على تحليلها وارشفتها ورسم خارطة توضح مسار العمليات المالية للاشخاص والمؤسسات والشركات. وبات لدى الوكالة في الاونة الاخيرة قدرة تقنية عالية على اختراق جميع مستويات المؤسسات المالية وبياناتها مهما كانت درجة تشفيرها، خاصة تلك المؤسسات المالية التي تصفها الوكالة بانها "ذات اهمية خاصة" ويقع اغلبها في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وبغض النظر عن قانونية مثل هذه العمليات وامكانية مقاضاة الوكالة، يبقى السؤال قائما هو هل محاربة الارهاب يقتضي كل هذه الامكانيات الضخمة لاختراق الشبكات المالية حول العالم؟
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب