X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      15/03/2025 |    (توقيت القدس)

قراءات حول المناظرات السياسية في ظل غياب ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر

من : قسماوي نت - بقلم الأستاذ سامر بدوي
نشر : 28/09/2013 - 14:02

   قراءات حول المناظرات السياسية في ظل غياب ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر

بقلم الأستاذ سامر بدوي

كانت دهشتي ستكون كبيرة لو أن اللهو بفكرة المناظرة السياسية بين مرشحي الرئاسة ستخرج إلى النور. فكفر قاسم هي أنموذج حي لغيرها من البلدات العربية التي تُجسد تعاطينا كمجتمع مع الحسم السياسي والانتخاب بمنهجيات الديموقراطية (الأريستوتيليلة والأفلاطونية) والتي هي منها ببراء وذلك للأسباب التالية:

 غياب ثقافة الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر: إن ثمة مجتمع لا يملك أدنى أدوات الحوار البنّاء المبني على الاستقلالية في الرأي واحترام حرية التعبير بعيدا عن النعرات العائلية القبلية أو عن ضرورة التماهي مع (القولّقتيف/الصالح العام) المتمثل في تبني الآراء السائدة في المحيط القريب سواءً كان عائليا أو حمائليا أو مرتبط بحيز أو حارة أو حي، فلا يمكن الخروج عنه قدر أنملة. فالحوار هو لغة تكتسبها الأمم والشعوب من خلال مؤسسات التنشئة المجتمعية الخمس ولا تأتي بين عشية وضحاها.

فالمناظرات السياسية هي "النسخة الحديثة والأكثر تطوراً وتقدماً" لتذويت مثل هذه المفاهيم الأساسية، وهي بمثابة الجيل الأول من السلوكيات الديموقراطية إن صح لنا الاستعارة بمثل هذه الكناية من عالم الهواتف النقالة. فاستخدام تطبيقات نظام الاندرويد في إجهزة (الفليبر والبنانا) التي باتت تراثا، هو استهتار بالتطور الغير مسبوق في هذا المضمار. خلال العقد والنصف الأخيرين، في عالم الهواتف، نحن نتحدث عن أربعة أو خمسة أجيال من الأجهزة، بينما يسير مجتمعنا وفق منظومة سياسية يزيد عمرها عن الستة عقود. يا جماعة لا يمكننا "القفز من القُّفة إلى أذنيها".

كل اختلاف مبدئي حول فكرة معينة يتحول إلى خلاف شخصي: هذا السلوك المتجذر في البنية الشخصية للمزاج الشرقي لا يمكنه التعايش بسلاسة مع ثقافة المواجهة على أسس مبدئية والتي تقوم عليها مثل هذه المناظرات. فلنفترض جدلاً أن أحد المتناظرين قد اختار عدم الإجابة عن سؤال معين، أو قرر الاستشهاد بدلائل وثبوتات حول تجاوزات قرينه فكيف يمكن لمناصري ذلك الخصم أن يتصرفوا. النتيجة ستكون حتمية ألا وهي اللجوء إلى العنف بذريعة القذف والتشهير.

الجدوى السياسية من المشاركة في المناظرات: تشغل المناظرات بين المرشحين للرئاسة حيز كبير في عدد قليل من الدول الديموقراطية وهي حتمية فقط في الثقافة الأمريكية ذات القطبين الجمهوري والديمقراطي، ففي باقي الدول الغربية هي ليست حجر الزاوية للحملات الإنتخابية. وإن المراقب للمشهد السياسي في إسرائيل يرى أن عدد المناظرات بين المرشحين لرئاسة وزراء إسرائيل تكاد تكون معدودة على أصابع اليد الواحدة، على الرغم من أن الثقافة السائدة هنا ليست ببعيدة عن الثقافة الأمريكية. فعلى سبيل المثال: هاهو رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو قد تجنب التناظر مع زعيمة حزب العمل، وكذلك السيد إيهود أولمرت قد تنازل عن هذه التجربة مع أنهما بارعيْن بالوقوف أمام الكاميرات. وإن تبنينا هذا النهج فماذا سيكون رأيكم حيال المناظرات التي أصبحت عرفاً بين عقيلات المتنافسين في السباق إلى البيت الأبيض والتي تقيّم مهاراتهن بالتضييف والطبخ وصنع الكعك. هل ستكون أيضا أخواتنا الفاضلات زوجات المرشحين هن الأخريات محط اهتمامنا في مناظرات مستقبلية تبحث عن استيراد كل ما هو جديد ومثير!!!

المهنية والموضوعية: يُناط ترتيب مثل هذه المناظرات إلى مهنيين متمرسين في عالم الريتوريكا والصحافة والإعلام وتتخذ التدبيرات الكافية والوافية لضمان نزاهة وموضوعية سيرها ولا يمكننا الاعتماد فقط على حسن النوايا مع أنه مطلوب وشرط أساسي، وفي هذا السياق أشدد على أنني لا أشكك في نزاهة أحد من القائمين على تنظيم هذه المبادرة. ولكن بما أننا نعمل وفق منظومة حمائلية فلا يمكننا كمجتمع تقليدي لا يستطيع أحد أن يخفي تبعياته أو أن المجتمع يضعه ضمن هذه القوالب. وأظن أن البعض قد يحاول خلال قراءته لهذه السطور الاستنتاج والتحليل: "ماذا يقصد الكاتب وإلى صالح أيٍّ من المرشحين يكتب" ؟!؟! متغاضين عن الأفكار التي حاولت طرحها، فأرجوكم لا تحملوا اجتهادي ما لا يطيق...

ما يلائمهم ليس بالضرورة يلائمنا: إن السياق العام الذي تدور الحملات الانتخابية في مجتمعنا حوله بعيدة عن برامج سياسية حقيقية أو تجاذب في وجهات النظر حول قضايا مصيرية بل إننا ما زلنا نتحدث عن المصوتين بمدى قوة الانتماءات العائلية وقرابة الدم، وهذا التوجه لا يمكنه التعايش مع تلك المناظرات ولا يمكنها أن تشكل عامل مؤثر أو ذا طائل سياسي له وزنه في حساب الأصوات لصالح أي من المرشحين.

لذا أخلص، إلى أن ما يلائمهم ليس بالضرورة يتناسب مع التركيبة البنيوية لمجتمعنا، وهنا لست بصدد الحديث عن تفضيل أيٍ من السلوكيات السياسية رغم أهميتها إذ أنها تتعدى نطاق جدليّتي في هذه المداخلة. أما من يرى في طرحي هذا تكريس للوضع القائم، فأقول له أنني أرفض هذا التوجه جملةً وتفصيلا، فادعوه لنقوم سوية ضد هذا النظام السياسي الكلاسيكي، ولكن حسب تصوري بدايات التغيير ليست من هنا.

 

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل