لم تكن محاولة أردوغان تقبيل يد مفتى مصر السابق مجرد دعايةٍ إعلامية ترمى إلى تحقيق مكاسب على الصعيد السياسى ، بل كانت إعلاءً وتوقيرًا لدين الإسلام الحنيف ، أراد أردوغان أن يقول للناس كافةً إن مكانة الإسلام لديه ولدى شعبه أكبر من التفاليد المتعارف عليها للتعامل بين ممثلى الدول بعضهم البعض ، والتى تمنعه بالقطع - وهو رئيس وزراء دولةٍ كانت بالأمس مركز الخلافة الإسلامية واليوم هى من أهم الدول الصناعية فى العالم - أن ينحنى ليقبل يد رجلٍ من رعايا دولةٍ أخرى أيًا كانت مكانته وأهمية الدولة التى يتبعها ، إنها رسالةٌ فحواها أن دولته لا تنحنى إلا لله ، وأنه لاشيئ فوق سيادتها سوى الإسلام .
ليس أمام من يخالفنى القول إلا أن يستقل الطائرة إلى استنبول - وهى تفتح أبوابها لكل المصريين - ليرى أن المساجد فى تركيا تمتلئ فى كل صلاةٍ بالمصلين ، ورغم كثرتها فإن الواحد منا فى يومٍ كيوم الجمعة بالكاد أن يجد موضعًا يصلى فيه ، وعليه أن يذهب إلى الصلاة مبكرًا - كما يفعل الترك - ليضمن أن يجد بين المصلين مكانًا له ، وهناك سيرى مدى تمكن الإسلام من نفوس الترك والذى يتجلى فى كثرة ما يصلون من النوافل قبل كل صلاةٍ وبعدها ، وفى الجلوس لسماع القرآن والتسبيح والتهليل والثناء على الله ورسوله ، فإذا قضيت الصلاة وخرج إلى الشارع سيفاجأ بأن عد المحجبات والمنتقبات من النساء أكثر من المتبرجات ، وأن التحية التى يلقيها كل تركىٍ عندما يلج حانوتًا أو مكانًا ما هى تحيةٌ واحدة تحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ).
إن أردوغان قد خرج من هذه الأرض التى لا شيئ فيها عند الناس فوق الإسلام ، فلا غرابة أن ينحنى ليقبل يد رجلٍ ظن أنه من رموز هذا الدين ، فالتدين من سيم الأرض التى أخرجته ، كما أن الإسلام هو السبب المباشر الذى أجلسه فوق سدة الحكم فى بلاده ، وأولاه ثقة الناس ، ومن ناحيته فقد أعطى للإسلام وفاء ما أخذ ، لقد أبطل أردوغان ما تقوله الغرب على الإسلام من أنه سبب الرجعية والتخلف عن ركب الحضارة والذى ساهم فى القضاء على الخلافة العثمانية ، ليثبت من جديد أن الإسلام السياسى هو سبب استعادة تركيا ما كان لها من مكانةٍ بين الأمم ، وهو ما أجبر أعداءه على الرضوخ له ، بل وتأييده اقتناعًا بأن مبادئ الإسلام التى نهض بها أردوغان ببلاده مبادئ تقدمية لا رجعية كما أوهمهم الغرب الخائف من حضارة الإسلام .
إن المد الإسلامى المتنامى فى دول العالم الإسلامى الذى دفع بأردوغان وحزبه ذى المرجعية الإسلامية إلى الحكم فى تركيا ، والذى أفرز ثورات الربيع العربى فى بلاد العرب لم يعد قاصرًا على دولةٍ بعينها بل أصبح ظاهرةً شعبيةً عالمية كالنهر الهادر ، لا يكبح فيضانه سد ، لن تقدر الكوابح العسكرية التى صنعها الغرب فى بلاد الإسلام على كبح جماح الحراك الإسلامى الذى أصبح من شيم هذا العصر ، ولعل من الخطورة بمكان الإفراط فى استخدام تلك الكوابح إذا كانت الحركة سريعةً قوية لأن ذلك - كما يَحدُثُ لكوابح السيارة - سيؤدى إلى كسر تلك الكوابح وخروج ما أعدت لكبحه عن السيطرة ، إن ذلك العصر - وبحق - هو عصر الإسلام السياسى ، على الغرب أن يعى ذلك ، وأن يعد العدة للتعامل مع المتغيرات العالمية التى تتساند إلى أسسٍ شعبية ليس فى مقدوره تغييرها أو التأثير فيها أو الإلتفاف عليها من أجل رفاهية الشعوب ، بدلًا من إضاعة الوقت فى محاولاتٍ فاشلة لتغيير ما لن يقدر على تغييره ، إنها قوانين الطبيعة ونواميس الكون من يقف أمامها كمن يحاول زحزحة جبلٍ بيده ، أفضل له أن يتعامل معها بدلًا من محاولة الوقوف فى وجهها .
المستشار عماد أبوهاشم عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر
المستشار عماد أبوهاشم
رئيس محكمة المنصورة الإبتدائية
عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب