يبدو المشهد قاتما وضبابيا بالنسبة للطفل كنان حمد وهو يرقد على سرير مستشفي الشفاء في غزة لتلقي العلاج من إصابته في غارة إسرائيلية قبل خمسة أيام.
ولم يصب كنان الذي لم يتجاوز خمسة أعوام، بجروح حرجة بل إن حالته قاربت على الامتثال للشفاء، لكن ما يشعر به من وجع ليس ما هو يسيطر على تفكيره إنما أين والديه وأشقائه عنه.
وما يجهله كنان حتى الآن هو أنه فقد والديه وأشقاءه الأربعة في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منزلهم في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة وكان هو الناجي الوحيد منها بإصابته بجروح متوسطة.
ومنذ أن استعاد وعيه يظل كنان في حالة ذهول وشارد الذهن يسأل فقط عن والديه فتأتيه الإجابة مكررة أنهم سيأتون فينتظر وهو في داخله يستسلم لحقيقة فاجعة أنه بات يتيما طوال حياته.
وتقول عمته التي تجلس بجانبه لرعايته منذ الحادثة "ما يزال لا يستوعب صدمة ما جرى وكأنه في كابوس، بالكاد ينطق بعض الكلمات وكلها يسأل فيها عن والديه وأشقائه ولماذا ليسوا هنا".
وقضت عائلة الطفل كنان في غارة إسرائيلية مفاجئة على منزلها السكني في اليوم الثالث من الهجوم الإسرائيلي المتواصل لليوم الثامن على قطاع غزة.
ويقول أقاربه إنه نجا بمعجزة وانتشله مسعفون حيا بصعوبة جديدة من تحت أنقاض ركام المنزل المدمر.
لكن الأصعب سيبقي ينتظر كنان بعد أن أبيدت عائلته وتركته وحيدا دون مأوي.
وفي كل غارة إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة يقع ضحايا وحكايات أطفال بين طفل قتيل ومصاب ومن شرد من منزله، فيما آخرون روعهم القصف ولا يجدون أمنا في حياتهم.
وتظهر إحصائيات فلسطينية رسمية، أن نحو 40 طفلا قتلوا من أصل 194 هي الحصيلة الإجمالي لضحايا الهجمات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة.
وأغلب الضحايا قضوا في غارات إسرائيلية استهدفت منازل سكنية.
وتظهر الإحصائيات الفلسطينية أن جميع من قتل أو أصيب من الأطفال تقريبا كان أثناء وجودهم في منازلهم.
وهذا تماما مثل ما حدث مع الطفلة الكفيفة شهد القريناوي (7 أعوام)، التي نقلت إلى مجمع الشفاء الطبي في غزة، والدماء تنزف من رأسها ومناطق أخرى في جسدها الصغير.
ويقول والدها جهاد القريناوي إن شهد كانت تلعب برفقة شقيقتها داخل منزلهم في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، قبل أن تصاب بشظايا صاروخ استهدف أرضا زراعية قرب المنزل.
ويضيف " بعد لحظات من نقل شهد إلى المستشفي أبلغني الأطباء بوفاتها إلا أن العناية الآلهة تدخلت وأعادتها إلى الحياة عن طريق الصعقات الكهربائية، وتم نقلها إلى العناية المكثفة".
ويتساءل القريناوي بغضب "ما ذنب طفلتي أن تصاب في هذا الانفجار، منعنا البنات من اللعب خارج البيت خوفا من القصف، فإذا بالقصف يأتي إلى داخل البيت ويصيب ابنتي البريئة".
ويقول أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى في غزة درداح الشاعر، إن الطفل في غزة يدفع فاتورة صعبة ومعقدة من حالته النفسية وتفكيره وعلاقاته الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني نظرا للقصف الإسرائيلي الذي لا ينقطع ليلا أو نهارا.
ويشير الشاعر إلى أن أطفال غزة يقصفون ويقتلون ويفقدون حياتهم وحتى وهم في منزلهم فإن أصوات الغارات والدمار وأنباء القتلى تفقدهم كثيرا من الأمن وملامح براءة الطفولة.
ويحذر الشاعر من مخاطر ما يتعرض له أطفال غزة وتأثير ذلك على مستقبل حياتهم في ضوء أنهم لا يأخذون بالحسبان في التصعيد الإسرائيلي ويذهبون ضحيته على كل المستويات.
وفي السياق يرى الأخصائي النفسي في المركز الفلسطيني للإرشاد شادي جابر، أن إسرائيل تعمل على هدم الروح المعنوية للفلسطينيين وتبث الرعب والفزع في قلوب أطفالهم.
وأشار جابر إلى أن الهجمات الإسرائيلية العنيفة تؤثر على سلوك أطفال غزة بحدة وتؤدي إلى سلوكيات جديدة غير إيجابية لديهم وصعوبات في العودة لحياتهم الروتينية.
وهو يشدد على أنه من الصعب إلغاء أو حذف ما يجرى حول أطفال غزة من ذاكرتهم فيما تواجه عائلاتهم مصاعب حادة بين التقليل من مخاطر ما يتعرضون له أطفالهم وقدرتهم على دعمهم .
واتهم مسؤولون في وزارة الصحة بغزة، الجيش الإسرائيلي باستخدام أسلحة محرمة دوليا تؤدي إلى تهتك في أجساد الجرحى وصعوبات حادة في إسعافهم.
وانضم البروفيسور النرويجي مادس فريدريك جيلبرت بتأييد الاتهامات الفلسطينية الموجهة للجيش الإسرائيلي بعد أن عاين مئات الحالات من ضحايا القصف الإسرائيلي.
ويتنقل جيلبرت (67 عامًا) المتخصص في الطب والجراحة، بين أسرة الجرحى في غرف العناية المركزة في مجمع الشفاء الطبي في غزة منذ أن وصلها قبل أربعة أيام.
وقال جيلبرت في مؤتمر صحفي عقده داخل المستشفي إن "إسرائيل تتعمد استخدام أسلحة فتاكة ومحرمة دوليا في هجماتها على غزة فيما يمثل المدنيون وخصوصا الأطفال النسبة الأكبر من الضحايا".
وأضاف أن القنابل الإسرائيلية تحدث حالات خاصة لا ترى عبر الأشعة من الوهلة الأولى وبعد فترة زمنية يبدأ مكان الإصابة بالنزيف الكبير، والعجيب أنك لا تستطيع معالجة الجزء المصاب.
وسبق للبرفسور النرويجي أن زار غزة في عدة مناسبات وهو ناشط دولي معروف في العمل التضامني، وعضو في حزب اشتراكي نرويجي معروف باسم "الحزب الأحمر".
ويبدي جيلبرت صدمته من حجم الدماء نتيجة للقصف الإسرائيلي "فقد آلمني جدا مناظر القتلى والجرحى في كل زاوية في المستشفيات ".
ويشدد البرفسور النرويجي على التعمد الحاصل في استهداف المدنيين لاسيما النساء والأطفال، ويقول عن ذلك " ما رأيته هو أن نحو 90بالمئة من الضحايا هم من النساء والأطفال والشيوخ ".
وطالب مسؤولون فلسطينيون بمحاسبة إسرائيل بتهم ارتكاب "جرائم حرب" على هجماتها التي راح ضحيتها أطفال ونساء دون أي مبرر لذلك.
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب