إن إفشاء ما يجري بين الزوجين والذي اعتبره المولى تعالى ‘غيبًا’ لا يليق بمكارم الأخلاق ولا يتفق مع ذوق المسلم وحسه المرهف، ولا يفعله إلا أصحاب القلوب المريضة والعقول الفارغة.
والزواج أيتها المرأة المتزوجة علاقة لها خصوصيتها وأسرارها، وهي علاقة يؤتمن فيها الزوجان على أسرار بعضهما، ولا ينبغي أن يفشي أحدهما سر صاحبه, لماذا؟
هذا ما سنعرفه من النصوص :
تعالي معي عزيزتي الزوجة نفهم تفصيل ما أجملته في السطور التالية:
[1] قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} .
في الآية يمدح الله تعالى الصالحات القانتات بأنهن حافظات للغيب أي يحفظن أنفسهن عن الفاحشة وأموال أزواجهن عن التبذير والإسراف، ويحفظن ما بينهن وبين أزواجهن من أسرار وخصوصيات.
[2] قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ … أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}
من الأمانة أن يحفظ المرء كلام من يحدثه حديثًا وهو يعتبره من الأسرار، وإن للفراش أسرارًا يجب أن تحاط بسياج من الكتمان والله حيي ستير يحب الحياء والستر. والخيانة عكس الأمانة ، وقد عدها الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه ‘الكبائر’ من الكبائر وقال في شأن الخيانة:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
[3] مثلهما كمثل شيطان وشيطانة.
انظري إلى هذا التشبيه العجيب من الرسول صلى الله عليه وسلم عمن يحكي للناس عما فعله مع أهله، ومن تحكي ما تفعل مع زوجها من أسرار الفراش لقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما مثل شيطان لقي شيطانة في الطريق فقضى حاجته منها والناس ينظرون.
فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلا يقول ما فعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فأرم القوم ، فقلت : إي والله يا رسول الله ! إنهم ليفعلون ، وإنهن ليفعلن . قال : فلا تفعلوا ، فإنما مثل ذلك شيطان لقي شيطانة ، فغشيها والناس ينظرون".
فهذا الحديث نهى صريح عن كشف أسرار الفراش، وكأن هذا الكشف والإفشاء صورة شهوية معروضة في الطريق. وفي هذا نوع من المجاهرة وسبب لتجرئ السفهاء، والله تعالى لا يحب الفاحش البذيء.
[4] خطورة افشاء السر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضى إليه ، ثم ينشر سرها"
لقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفشى أسرار الفراش، وما يفعل الرجل مع زوجته من أشر الناس.’الإفضاء’ هو مباشرة البشرة وهو كناية عن الجماع، وقوله صلى الله عليه وسلم ‘ثم ينشر سرها’ أي يذكر تفاصيل ما يقع حال الجماع وقبله من مقومات الجماع وهو من الكبائر.
قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: ‘وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ‘من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت’ وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأنه ينكر عليه إعراض عنها، أو تدعي عليه العجز عند الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي طلحة: ‘ أعرستم الليلة’.
[5] قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}
القرآن الكريم له لمسة حانية رفافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقًا ونداوة، وتنأى بها من غلظ المعنى الحيواني، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة، واللباس ساتر وواق، وكذلك هذه الصلة بين الزوجين تستر كلاً منهما وتقيه’.]
ونفهم من الآية أن الزوج عليه أن يكون لباسًا وسترًا لزوجة، وأن تكون الزوجة كذلك له، وقد ذكر الله المرأة قبل الرجل في ذلك في قوله: ‘هن’ فيحصل بذلك السكن والرحمة، وكشف هذا الستر هذا الغيب يتعارض مع الآية وما تضفيه من معانٍٍ وظلال.
[6] عدم حفظ الغيب باب من أبواب المشاكل الزوجية:
إن جلسات الأخوات والجارات والصديقات، وما يكشف فيها من أسرار، وما تقضى فيها من حكايات وتخيلات، تكشف أسرار البيوت وتجعلها على ألسنة العامة،يعرفون عنها أكثر مما يعرفه ساكنوها، فتتلطخ حرمات البيوت، ويرتفع عنها الأمن والسكينة، وتتآزر على المجتمع عوامل الهدم والتصدع.
وهذه الأسرار موضع حسد بين النساء والرجال أيضًا.
وهي كذلك موضع مقارنات بين النساء، وإذا حدثت بها الزوجة ربما حرمت منها بسبب عيون الأخريات، ثم ينتهي الحال بالزوجين إلى الطبيب النفسي إن كانا من العقلاء، أو إلى طريق السحرة والدجالين لفك العقدة وحل المشكلة من وجهة نظرهما إن كانا من غير العقلاء.
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب