د.شكري الهزَّيل
في هذه الايام تحل الذكرى العاشره لرحيل الرئيس والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي رحل بتاريخ 11.11.2004 تاركا خلفه ارث وطني سياسي فلسطيني كبير, لكن ابوعمار رحل وترك وراءه ايضا اسرار كثيره ومن بينها سر وفاته التراجيديه والمأساويه حيث حوصر طويلا في المقاطعه وكان يعاني معاناة شديده من الحصار والمرض الذي فتك به وهو رجل مسن الى ان ارتقى الى جوار ربه شهيدا...يريدونني أسيرا أو طريدا أو قتيلا ، وأنا أقول ، بل شهيد . شهيد.. شهيد ..هذه مقولة عرفات الشهيره حين كانت دبابات وطائرات وجنود الاحتلال الاسرائيلي تحاصره في المقاطعة أثناء العدوان الصهيوني على الضفة الفلسطينيه عام2002 .. تلك هي الكلمات اللتي صدحت في الاذاعات والفضائيات ليسمعها ملايين البشر مدويه قويه وهائله بمفعولها ومردودها الوطني والسياسي ليعود اباعمار ليرددها من غرفته المحاصره التي كانت تضيئها شموع الحريه وإرادة التحدي التي ابداها الختيار كقدوه وطنيه في لحظه ملحميه تاريخيه مفصليه في حياة قائد فلسطيني قاد الكفاح والنضال الفلسطيني لعدة عقود من الزمن وترك بصماته في صفحات و تفاصيل حقب كثيره من القضيه الفلسطينيه منذ بدايتها وحتى يومنا هذا...
اختلف الكثيرون ومن بينهم كاتب هذه السطور مع نهج واسلوب عرفات السياسي واختلف اخرون في كثير من القضايا مع ابوعمار, لكن ما لم يجب ان لا نختلف فيه وعليه هو ان حصار عرفات ووفاته المفاجئه لم تكونا مجرد صدفه او محض مصير وقَدَّر لابل ان الامر كان غدرا مدبرا اشتركت فيه اطراف كثيره وعلى راسها انظمة الحكم العربيه اللتي قاطعت وحاصرت عرفات جنبا الى جنب مع امريكا والاحتلال الاسرائيلي والحديث لا يدور هنا عن زعيم فلسطيني تاريخي فقط لابل يدور ايضا عن زعيم حامل لجائزة نوبل للسلام يُحاصر عنوة وهو مريض ومن ثم يُغتال ويقتل بصوره بشعه ومأساويه امام مرأى عالم فاقد للأخلاق و للمصداقيه وللكرامه والشهامة الانسانيه..عالم تخلى عن عرفات وتركه يموت موتا بطيئا في المقاطعه باوامر من المجرم بوش والسفاح شارون وكُلي ظنا وجزما ان الدائره الفلسطينيه التي احاطت بعرفات كان لها دورا مهما في عملية حصار وتصفية ابوعمار وفيما بعد التمويه على اسباب وفاته وفتح تحقيق في اسباب الوفاه بعد عدة اعوام من وفاته والغريب في الامر وبالرغم من اجراء التحقيق ما زالت اسباب الوفاه مبهمه ولا يوجد حتى اليوم تقرير فلسطيني رسمي يدين او يتهم طرفا ما في عملية إغتيال عرفات بالرغم من ان القاتل واضح المعالم في حين ان الادوات المنفذه لهذه الجريمه ما زالت غامضه وغير معروفه وذلك بالرغم ايضا من ان بروتوكولات وسجلات زوار ومواعيد زيارات عرفات كانت تُسجل كما ذكرت وسائل اعلام فلسطينيه وكما فهمنا ايضا لايمكن دس سم البلوتونيوم المشع الا من خلال ناس مقربين واخرين عارفين بالامر والغريب في الامر ورغم تشكيل لجنة تحقيق فلسطينيه واستكمال نتا ئج الفحص والتدقيق المخبري العالمي الذي يتخذ بمصداقية نتائجه واستنتاجاته الا انه حتى اليوم لم يخرج تقرير فلسطيني رسمي حول كيفيه واسباب الوفاه ومن هم قتلة عرفات؟!
نفهم ونتفهم ولا نتفهم ان المماطله في الكشف عن كيفية مقتل عرفات ومن قتله كانت مقصوده منذ لحظة وفاته حتى تُنسى القضيه رويدا رويدا جماهيريا و بهدف امتصاص غضب الشارع والشعب الفلسطيني الذي كان سينفجر حتما انذاك لو أعلن في حينه ان عرفات توفي مقتولا بالسم وليس مرضا طبيعيا وانذاك فعلا اشارت الفرق الطبيه ان عرفات لم يتوفى بسبب تداعيات مرض معين لكنني على يقين او شبه اليقين ان الاطباء الذين عالجوا عرفات في المستشفى العسكري الفرنسي في باريس قدعلموا او شكوا بان سبب الوفاه كان سم ما والحديث يدور عن مستشفى فرنسي عسكري متخصص وليس اي مستشفى ومن المفروض على الاقل ان يحتوي التقرير الطبي على فرضيات واحتمالات اسباب وفاة عرفات وهذا لم يحدث ونحن نعتقد ان جهة ما وقفت وراء هذا الابهام وعدم قول الحقيقه كامله حتى لا ينفجر الغضب الفلسطيني وتشتعل البلاد والمنطقه غضبا واحتجاجات ومواجهات مع الاحتلال ردا على إغتيال عرفات؟!
لم تكن سيرة حياة عرفات سيرة عاديه كقائد فلسطيني قاد الكفاح الفلسطيني وتزعم حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينيه لفتره طويله جدا وهو ومن رافقوه كانوا يعرفون ان العدو كان يتربص به في كل مكان وزمان وهولم يتمكن منه اكثر من مره ونعتقد اليوم ان عملية السماح لعرفات بدخول فلسطين وترأس السلطه الفلسطينيه كان ضمن عمليه استراتيجيه مدبره لإغتياله على مدار الزمن البعيد او القريب واحداث انتفاضة الاقصى 2000 ورفض عرفات لشروط " السلام" الاسرائيليه الامريكيه لم تكن السبب الرئيسي لحصاره في المقاطعه لابل ان سبب حصار عرفات كان يندرج في خطه صهيونيه قديمه ومبيته للتخلص منه من خلال وضعه في حصار مُحكم يستحيل الخروج منه في ظل تحكم الاحتلال الاسرائيلي بالمكان ارضا و بحرا وجوا بمعنى وضع الهدف في دائره مغلقه تشبه الى حد بعيد دائرة عدسة القناص المثبته على بندقيه وتتحكم بمصير الضحيه..عرفات كان على مايبدو ضحية مخطط اسرائيلي لاستهداف قيادات الصف الاول وما جرى من قتل وجرح وإعتقال للقيادات الفلسطينيه في عدوان عام 2002 "السور الواقي" يشكل دليلا واضحا على هذا المخطط الذي كان من ضمن اهدافه ياسر عرفات الذي حوصر في المقاطعه رام الله من عام 2002 وحتى عام عام 2004 تاريخ وفاته ومدة الحصار هذه كانت كافيه للوصول الى جسد وروح ابوعمار حيث كان الاحتلال يتحكم بكل المعابر والطرق اللتي تمر منها المواد الغذائيه والطبيه وغيرها التي تدخُل الى عرفات ورفاقه المحاصرين في المقاطعه... ابوعمار قضى غدرا وإغتيالا بتواطؤ عربي وفلسطيني وعالمي مع مخطط صهيوني وجد فرصته وإستغلها بالكامل عبر وسائل تصفيه وقتل متطوره كالبلوتونيوم الذي فتك بجسد عرفات وادى الى موته موتا بطيئا واكيدا وهذا ما سعى له شارون والقيادات الصهيونيه منذ عقود من الزمن.. التخلص من عرفات جاء ايضا ضمن مخطط إحلال قياده فلسطينيه بديله وجديده قد تكون والعلم عند الله ضمن الاطراف اللتي كانت معنيه بلفلفة اسباب وفاة عرفات وعدم التحقيق في الامر او الموافقه عليه الا بعد مرور ما يقارب ثمانية اعوام على حادث الوفاه وهذه الاعوام كافيه واكثر من كافيه لإمتصاص الغضب الشعبي الفلسطيني من جهه وتشويه معالم ومعطيات الجريمه من جهه اخرى وبالتالي تبدو اسباب وفاة عرفات لغز لم يعد لغزا والجريمه بائنه والمجرم بائن الى حد بعيد,لكن في المحصله حققت جميع الاطراف غاياتها..الكيان الاسرائيلي تخلص من عرفات..خلفاء عرفات في السلطه نجحوا في امتصاص الغضب الفلسطيني والحفاظ على الهدوء عبر التضليل والتمويه وعبر مرور زمن طويل على الجريمه..امريكا وعرب الرده كانوا مع التخلص من عرفات والحفاظ على الهدوء في المناطق الفلسطينيه وهذه المهمه أُنجزت... انجزها الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني!!؟
واضح تمام الوضوح ان غياب عرفات قد انعكس سلبيا على كامل مكونات ومقومات القضيه والوحده الفلسطينيه بشكل خاص والكاريزما القياديه العرفاتيه غابت مع غياب كوفية ابوعمار فالصراع على السلطه بدأ مباشرة بعد رحيل عرفات سواء داخل تنظيم فتح نفسه و بين التنظيمات والفصائل الفلسطينيه فيما بينها ووصل ذروته في القتال الدموي بين فتح وحماس في قطاع غزه عام 2007 ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا بقي الانقسام والانفصام الفصائلي يحوم فوق رؤوس الشعب الفلسطيني ويحول دون وحدته وتوحده في مواجهة الاستيطان والتهويد الصهيوني الزاحف حتى وصل في هذه الاوان الى باحات المسجد الاقصى ناهيك عن حال قطاع غزه المدمر والمحاصر..حقيقة الامر ان ابوعمار كان صمام امان الوحده الفلسطينيه رغم اخطاءه السياسيه والوطنيه وعلى راسها تصديقه او محاولته تصديق إمكانية عقد صلح وسلام مع كيان لايريد اصلا سلاما ولا يريد حتى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني لابل ان هذا الكيان اراد فقط قتل "شريكه" في السلام المزعوم وهذا ما حدث بالفعل..عرفات دفع حياته ثمنا لسلام وَّهم وغدر لم ينفذ منه الاحتلال اي بند متعلق بالديموغرافيا والجغراقيا حتى يومنا هذا...اكثر من عشرون عاما على اوسلو وبعد عشرة اعوام على وفاة عرفات اللذي زعمت الصهيونيه انه كان "عائقا امام السلام" لم يتحقق اي سلام والعكس هو الصحيح وهو ان الاستيطان والإحتلال التهم شروط وامكانية تحقيق اتفاقية اوسلو الناقصه والمنقوصه اصلا.. لا سلام صنعنا ولا دولة كارتون اقمنا وامسينا على وطن واصبحنا على راتب... لا غير.. خليفة عرفات يقول دوما " لا انتفاضه ما حييت" بينما عرفات المحاصر في المقاطعه عام 2002 حمل رشاشه واستعد للدفاع عن نفسه والشهاده في سبيل فلسطين قائلا لزواره في المقاطعه "الموت ولا المذله".!!
...شاءت الاقدار ان تشهد وتقود المقاطعه في رام الله زفة عرس استشهاد عرفات ليستشهد في باريس بتاريخ 11.11.2004.. ودَّعت فرنسا يوم 11/11/2004جثمان عرفات الذي كان ملفوفا بالعلم الفلسطيني في مراسم رسمية مهيبة ،وحمله حرس الشرف على الأكتاف ، وأقلت طائرة حكومية فرنسية جثمان عرفات إلى القاهرة... في القاهره شيعت مصر حسني مبارك عرفات في جنازة رمزيه ومن بعدها انتقل جثمان عرفات الى رام الله ليشيعه شعبه وشعب الجبارين في جنازة وطنيه مهيبه يوم الجمعة الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004 تليق بمقام قائد وطني تاريخي بثقل ابوعمار.. تلاقفت الحشود جثمان ابوالكوفيه لتنال شرف المشاركه في تشييع عرفات الى مثواه ما قبل الاخير.. وهتفت الجموع هتافات .."يا أبو عمار ارتاح ارتاح وحنا حنواصل الكفاح".."أبو عمار صرح تصريح يا جبل ما يهزك ريح"..نقول كل هذا ونعيده حتى نزرعه في ذاكرة ووجدان الاجيال الفلسطينيه باهمية الوطنيه الفلسطينيه وعلى راسها اجلال واحياء ذكرى قائد تاريخي فلسطيني لم يشيع بعد الى مثواه الاخير حيث ينتظر ابوعمار تشييعه الى مثواه الاخير من المقاطعه في رام الله الى القدس وتحديدا باحة الحرم القدسي الشريف اللذي اوصى عرفات بدفنه بداخلها بعد تحريرها....ليست بالضروره ان تكون مؤيدا سياسيا لفصيل وتنظيم ونهج عرفات لكن عليك ان تكون وطنيا عندما يتعلق الامر بالوطن والقيادات التاريخيه لهذا الوطن..الوطنيه الفلسطينيه يجب ان تكون دوما فوق الفصائليه والجهويه وكوفية ابوعمار كانت وما زالت رمزا بارزا للهويه الوطنيه الفلسطينيه...كوفية أبوعمار: يريدونني اسيرا او طريدا او قتيلا ..وانا اقول بل شهيد.. شهيد..!!
علو الكوفيه وطنا ومهجرا واحيوا الذكرى العاشره لرحيل ابوالكوفيه الفلسطينيه بما يليق به قامة ومقاما ودورا في انطلاقة الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال والظلم الصهيوني... لكل حقبة من التاريخ رجالا ونساء والحكم الصحيح على هذه الحقب لابد له ان ياخذ الظروف الموضوعيه والتاريخيه والسياسيه التي كانت سائده في زمان تلك الحقب..الرحمة كل الرحمه على ابوعمار وكل الشهداء الابرار والسلام كل السلام للشعب الفلسطيني اينما كان واينما تواجد والتاريخ مدرسه والنضال والحرب صولات وجولات وحتى لو وصلت هذه الصولات اسوار و باحات الاقصى المبارك ..عرفات واكناف بيت المقدس والرباط وحلم رفع علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس...حلم لم ولن يموت وستعود فلسطين فلسطين لو بعد حين..علو الكوفيه وما ضاع حق ووراءه مطالب..تمَّكنوا مكانكم وتزَّمنوا زمانكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...!!
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب