الأستاذ عدنان صرصور أبو سعد في الأرشيف العثماني الجديد باستنبول

الأستاذ عدنان صرصور أبو سعد في الأرشيف العثماني الجديد باستنبول

تعتبر دور الارشيف (المحفوظات) والمتاحف في العالم من الوسائل بالغة الاهمية للدول القومية الحديثة لبلورة وصياغة رؤيتها للهوية وطرق كتابتها للتاريخ.   ومن هذا المنطلق تواجه وتراود كافة الدول الحديثة والتي قامت أثناء  وبعد تفكك الامبراطوية العثمانية وعلى أنقاضها, مسائل فيما اذا تفتح وتعرض دور محفوظاتها أمام الملأ وفي نفس الوقت التمسك بمعايير دولية لنشر الوثائق, وهل تتحفظ من نشر مواضيع حساسة وذات انعكاسات على الهوية والأمن القومي لتلك الدولة.

 

كان موقع الارشيف العثماني سابقا ولغاية العام المنصرم بالقرب من المساجد ومواقع الحضارة العثمانية الهامة لبوابة البسفور الأوروبية – منطقة السلطان احمد, وأياصوفيا, وقصر توب قابي سراي باستنبول والتي كان يؤمها الباحثون من كافة الجامعات من أرجاء العالم. ومؤخرا قامت الحكومة التركية بنقل الأرشيف بملايين الوثائق المتكدسة بروايات الوقائع والأحداث والخفايا في كافة الميادين: اجتماعية, وعسكرية, واقتصادية, وسياسية  وأحوال شخصية وغيرها عبر قرون الامبراطورية العثمانية, لموقعه الجديد باتجاء شمال غرب باحدى ضواحي استنبول بمنطقة "قايجطهني". حيث عكفت الحكومة التركية على اقامة مؤسسة ضخمة وفاخرة على طراز حديث. لم يكن الوصول للأرشيف العثماني بالأمر السهل وخاصة  أن استنبول اجتاحتها عاصفة ثلجية أثناء تواجدي هناك. وكان يتوجب  الانتقال من قطار لآخر ومن باص لآخر. وهذا ما ذكرني فعلا بالأرشيف البريطاني الواقع خارج لندن بمنطقة "كيو جاردينز", والذي عكفت على البحث والنظر بلمفاته على مدار ثلاث سنين اخرها كانت قبل أربعة أشهر فقط.

وربما يرجح الباحثون والمراقبون بالعالم الاستثمار المكلف والانتقال للمقر الجديد للأرشيف العثماني في "قايجطهني" برغبة الحكومة التركية الحالية التواصل مجددا والانتماء للحضارة العثمانية بعكس الأنظمة الكمالية (نسبة لمصطفى كمال أتاتورك) والتي حكمت قبل بضع عقود من الزمن. ربما كان هذا المحرك والدافع الأساسي لتنظيم الأرشيف العثماني وتجديده, وتعيين طواقم عمل مخلصة  وذات انتماء لحزب أردوغان الحاكم, تكون محسوبة على أيديولجية النظام الحالي. حتى أن الكثير من النقاد يطلقون على الزعيم التركي, أردوغان, لقب "السلطان الجديد في استنبول". الجدير بالذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح قبل زهاء الشهر " إن تعليم اللغة العثمانية في المناهج التدريسية الرسمية في تركيا أمر سيتم لا محالة" وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "زمان توداي" التركية.

 

ما لمسته في مقر الأرشيف الجديد في "قايجطهني" تصوير ومسح محوسب  لملايين الملفات, بل والعمل ما زال مستمرا, وتنظيمها وتبويبها بشكل منسق والتي اصبحت في متناول اليد لكل باحث أكاديمي سواء كان محليا أم أجنبيا. وبهذا انتهت, حسب العديد من المحللين العالميين, انتهت فترة التعتيم والهيمنة للمؤرخين الموالين للحكومات الكمالية, وباستطاعة كل باحث الابحار في بحثه, الأمر الذي أنتج جيلا جديدا من المؤرخين المتحررين وبالذات أتراك, دون الخضوع للرواية والسرد القومي التركي "الكمالي", بل وباستطاعة الجيل الجديد طرح وجهات نظر جديدة وسرد جديد وبناء روايات جديدة حول الامبراطورية العثمانية. وفعلا هذا ما لمسته أثناء تصفحي للكتب في أكثر من مكتبة سواء "بايزيد"  او "التقسيم" أو حتى في مجمع "زورلو" الحديث جدا, تلك المنشأة العملاقة التي تحبس الأنفاس في روعتها وسحرها الخلاب.

يحوي الارشيف العثماني فيما يحوي على عشرات بل مئات الالاف من الوثائق المتعلقة بفلسطين بالفترة العثمانية وما قبل الانتداب البريطاني والتي لم تبحث بشكل دقيق وعميق. هذه الوثائق لها صلة بملكية الاراضي والطابو, حيث تم مؤخرا, حسب وكالات الأنباء, تمرير كم هائل من الوثائق لحكومة رام الله بأمر مباشر من حكومة أردوغان, ربما  في محاولة لبناء ملف شواهد وثوابت للفلسطينيين لمفاوضات مستقبلية بشأن أملاك اللاجئين.

وما لفت نظري في الأرشيف العثماني أيضا جناح خاص لمعرفة الأنساب والشخصيات والأسماء من الفترة العثمانية. حيث باستطاعة الشخص التنقيب عن أنسابه ومصدر قدوم عائلته وتنقلها من منطقة لأخرى حسب الملفات العثمانية, ناهيك عن تسجيلات الطابو للأراضي والمحلات والمسقفات والوقفيات في كافة المناطق – عكا ونابلس وصفد وطبريا والقدس وبئر السبع والخليل والرملة ويافا وغيرها. الجدير بالذكر أن من كفر قاسم كان العديد من المحاربين بالجيش العثماني حيث كانت كفر قاسم تتبع في تلك الفترة للواء نابلس, ومن هؤلاء المحاربين من وصل الى رتبة جاويش أمثال الحاج عبد القادر مصطفى عبد صرصور رحمه الله.