
البرلمان و الكنيست, أمران مختلفان..
الدكتور ابراهيم ابو جابر
يتداول الكثيرون من المثقّفين والعاملين في الانتخابات هذه الايام مصطلح البرلمان ,للدلالة على "الكنيست" الاسرائيلي, مع انّه مجاف للحقيقة , بل هي في الاصل مغالطة تحمل جانبا من التمويه على الجمهور, بخاصة جمهور أصحاب حق التصويت.
فالبرلمان في العادة هو مؤسسة تشريعيّة في كل دول العالم في الوضع الطبيعي, أما في حال الكيان الاسرائيلي فالصورة مغايرة تماما, اذا علمنا ان اصل كلمة "كنيست" هي نسبة إلى اسم مجلس الحاخامين الوارد في "المشناه" بما نصّه: "قبل موسى التوراة من سيناء وسلّمها ليشوع، ويشوع للشيوخ، والشيوخ للأنبياء، والأنبياء سلّموها لرجال الكنيست الكبير (المجمع الكبير).
فالكنيست بناء عليه , اسم مؤسّسة يهوديّة قديمة, ارتأى القائمون على تأسيس هذا الكيان ,جعلها اسما لمؤسّستهم التشريعيّة لتمييزها عن باقي مؤسسات العالم التشريعيّة. أما اهداف من يروّجون "للكنيست" على انّها برلمان, او البرلمان, او نواب البرلمان, فمعروفة للقاصي قبل الداني, فهم بذلك يرمون اولا الى جعل "الكنيست" الاسرائيلي مؤسسة طبيعيّة كباقي المؤسسات التشريعيّة في العالم ,على انّ المشاركة فيها لا تعدو حقا سياسيا طبيعيا لكل مواطن فيها كباقي مواطني دول العالم, ناهيك عمّا هو غير معلن من اهداف تطبيعية مع الكيان الاسرائيلي وتقبّل له, ومحاولة ذكيّة لأقناع الناس بالمشاركة في الانتخابات لرفع نسبة التصويت .
انّ البرلمان, عفوا "الكنيست" هذا الذي تسوّقه بعض الجهات من ابناء الداخل الفلسطيني وتدعوا للمشاركة فيه بالخروج الى التصويت ,كان ولا يزال سوطا على رقاب الفلسطينيين في الداخل والخارج, وسيفا مسلّطا على رقابهم ايضا ولا يزال, وما التمثيل العربي فيه الا لتلميع وجه الكيان الاسرائيلي ,ووسيلة رخيصة للمتاجرة بفلسطينيي الداخل, وتسويق للكيان ايضا على انّه دولة ديمقراطيّة ودولة مساواة, وهي في الحقيقة دولة "ابارتهايد" وساميّة من الدرجة الاولى.
انّ "الكنيست" الاسرائيلي, وليس البرلمان, ما هي الا مؤسّسة وظيفتها الاهم انارة الضوء الاخضر لكل الحروب على الفلسطينيين, والمصادقة على مشاريع القوانين العنصريّة وسياسات الاجحاف والتمييز ضد فلسطينيي الداخل المختلفة, وسندا قويا لمشاريع مصادرة الاراضي العربيّة وهدم القرى والبيوت العربيّة, والممارسات القمعيّة وحالات الاغتيالات ضد القادة الفلسطينيين.
فكيف بمن يعمّون الحقيقة جهارا نهارا ,ويدافعون عمّا اسموه البرلمان بدلا من "الكنيست"؟ بل ويصرّون على ذلك في المهرجانات والمقالات والمقابلات الصحفيّة؟ ما بال من يلوون اعناق المصطلحات ويسمون الاشياء بغير اسمائها, ليمنحوا المصطلح الغريب عن التراث العربي والاسلامي ,بل غريب الدار, شرعيّة؟ انّهم بهذا يتناسون عمدا امورا يعلمونها يقينا في ترويجهم للكنيست الاسرائيلي, ظنا منهم انّهم بذلك يخدمون المجتمع العربي في الداخل ,اضافة الى نصيب الاحزاب والحركات العربيّة من ميزانيات ومناصب ومكافآت ,يصعب تجاهلها او حتى مقاومة تأثيرها على الانسان!
هذا خطاب البعض اليوم بعد" 68"عاما تقريبا على نكبة الشعب الفلسطيني, وفي وقت لا يزال بعض جيل النكبة حيا يرزق! ولا تزال اثارهم شاهدة ومساكن بعضهم شاخصة للعيان !ومساجد وكنائس البعض الاخر قائمة كما كانت تبكي روادها ومصليها! واشجار الزيتون والصبّار والتين واللوز, لا بل بيارات البعض موجودة لو تكلمت لقالت بملء افواهها: "انا عربيّة ,زرعوني عرب, في ارض عربيّة "!
نعم, هكذا حالنا, فكيف بنا, بمجتمعنا وقادته واحزابه وحركاته بعد مئة عام على النكبة ؟ لا احد يعلم! وعليه ,فالبرلمان شيء والكنيست الاسرائيلي شيء اخر ,كالخطّين المستقيمين المتوازيين لا يلتقيان أبدا؟!
اضف تعقيب