
مقدمة :
أعتبر أن مبدأ المزاودة في الوطنية بين الفريق الداعي للتصويت وبين الفريق الداعي للمقاطعة في حب مصلحة المجتمع الفلسطيني في الداخل مبدأ مرفوض، أما أن تتم مناقشة اجتهاد كل طرف من منطلق مناقشة أفكار، لا أشخاص، مع احترام اختلافنا وبعيدا عن التجريح لضمان أخوتنا وعلاقاتنا الطيبة، فذلك لا يلغي أبدا أننا أصحاب قضية واحدة وعادلة وهي كفيلة لوحدها أن تعيدنا او ترشدنا للمزيد من التعاون .
مفردات على الطريق :
تكثر في الطريق ليوم الانتخابات المفردات التالية : النائب البرلماني, النواب العرب, البرلمان, انتخابات البرلمان, وكل شبيهاتها اضافة الى مفردات الشعب وارادة الشعب، حتى تكاد تظن أنك في دولة فلسطين وكأن الحديث عن برلمان مستقل خاص بالعرب ،ولكنها هي ذاتها، إخواني، في حقيقتها " الانتخابات للكنيست الاسرائيلي الصهيوني" .
بين نكسة الوحدة ووهم الشراكة :
للوحدة التزامات ومسؤوليات حقيقية اتجاه القضايا المصيرية، وتتجسد تلك المسؤولية في الحفاظ على الذاكرة الجماعية الواحدة والرواية الواحدة والتقديس الموحد للحظة تحولنا فيها الى "أقلية" في أرضنا، يوم سالت الدماء وانتهكت الأعراض وهٌجِر الاهل وضاعت الأرض، فلا يجب الانقطاع عن ذلك الرحم، والوحدة هي حبل السرة الكفيل بالمحافظة على حقوقنا التاريخية، لأن هناك من يسعى لتحويلها لقضايا مطلبية وحقوق في التأمين الوطني .
أما الشراكة التي قدمتها بعض الأحزاب في الداخل فهي في حقيقتها، وفي سياق تاريخنا النضالي ، ليست إلا إلزام الجماهير على الالتزام اتجاهها وذلك يعني خدمة الجماهير من خلال عملية التصويت لها, وليس التزام الأحزاب اتجاه الجماهير كما هو الحال في المطلب الحقيقي لـ"الوحدة"، فبدأت تتحرك الاحزاب لإقناع الجماهير أن هذا شيء شبيه بالوحدة ولكنها ألغت كلمة "وحدة" وكلمة "عربية" فتحولت من "القائمة العربية الموحدة" الى "القائمة المشتركة" وفي هذه إشارة لتحرك الجماهير دون وعي لحقيقة الطريق التي ستأخذهم إليها هذه الشراكة والسبب في ذلك هو الاحزاب المكونة لهذه الشراكة من خلال التحول في جوهر القائمة الى هذه اللحظة، فالمشتركة مازالت تستعمل مفردات الوحدة وفيها مغالطة (ممكن ان تكون هذه المغالطة عفوية او أن هناك من أراد بصدق هذه الوحدة ولا يؤمن بعد بهذه الشراكة) وهذه المغالطة تتسبب في ايهام الناس أن هذه الشراكة هي " الوحدة" التي أرادوها .
الأحزاب ربطت مصير بقائها وحضورها مع بقاء تمثيلها بالكنيست فأصبحت النقاشات الوحيدة التي تدور, بعد تجاوز أزمة التسمية ,تدور حول تقسيم المقاعد وترتيبها فقط, ولو أن منطلق النقاشات كان غير إلزام الجماهير بها أخلاقيا ( وكأن هذه الشراكة هي مطلب الجماهير وها نحن نلبي طلبكم...للتذكير الجماهير طلبت ،،الوحدة،، في هذه الشراكة), ما كان الحزب الشيوعي قد فرض وجود عضو يهودي ليتصدر القائمة خاصة وأن الإسلامية الجنوبية والتجمع الوطني موجود في هذه الشراكة، فالحاجة الى إلزام الجماهير بها خوفا على بقائها في حالة عدم نجاحها أتاحت لهذه الشراكة بأن تكون على هذه الصورة.
مغالطة في المبررات:
أحد أهم مبررات المقاطعة أن المشاركة في الانتخابات تعمل على تبييض وجه اسرائيل العنصري كدولة ديموقراطية أمام الدول الاوروبية وغيرها , اذ أن مسألة الديموقراطية مهمة جدا للعالم الغربي ومسألة المشاركة في انتخابات الكنيست هي المعيار المهيمن لديها في وجود الديموقراطية او عدم وجودها, لذلك أي مبرر آخر يأتي ضعيفا وثانويا أمام هذا المعيار ,فتأتي المشاركة في الانتخابات مصحوبة بتلميع الوجه العنصري لإسرائيل وديموقراطيتها التي هي دون التزام حقيقي في ممارساتها ولا تحمل تبعات هذه الديموقراطية التي تدعيها خاصة في سن قوانينها وممارسات أجهزتها .
وفي سياق دائرة المغالطة في المبررات نلحظ محاولة للزج بملف "مهرجان الاقصى في خطر" ومقارنته بقضية المشاركة في الانتخابات في مسألة تبييض وجه اسرائيل في ديموقراطيتها أمام العالم الغربي، وكأن اسرائيل يمكن لها استغلال المهرجان كدليل على وجود مساحة للعمل الاسلامي في واحة ديموقراطيتها, مثل الذي أراد الزج بالدفاع عن المسجد الأقصى في أروقة المحكمة العليا الاسرائيلية متجاهلا الاحتلال أو كمن أتهم المؤسسات الفاعلة من أجل الأقصى مثل ،،مؤسسة البيارق،، و ،،مؤسسة الاقصى،، بأنها تعمل على أسرلة المسجد الاقصى لأن القائمين عليها يحملون الجنسية الاسرائيلية ،أو كمن يساوي بين منبر صلاح الدين التاريخي، رمز التحرير، وبين المنبر المصنوع تحت حراب الاحتلال أو الذي يزور المسجد الأقصى من قيادات ورموز اسلامية عالمية بتأشيرة دخول من الاحتلال.
المقاطعة وحق التصويت :
المقاطعة حق وخيار لكل فرد من الجماهير كما أن التصويت حق, ولكن المقاطعة ناتجة عن قرار للجمهور من خلال التنكر لهذا "الحق" لأن الحق في هذه الحالة ما هو الا كذر الرماد في العيون، وحقوقنا التي توحدنا هي حقوق أصيلة مثل حق العودة وحق الارض وليست حقوق مزيفة صنعتها الماكنة الصهيونية , فالمقاطعة تعني الالتفاف على الحقوق الأصيلة أما الشراكة فهي الاجتماع على حقوق من صناعة الكنيست الإسرائيلي وبينهما فرق عظيم .
التوجه للجمهور المقاطع للانتخابات ونهيه عن المناشدة للمقاطعة تحت ادعاء " فليتركونا لنجرب هذه المشاركة" تفوق في قسوتها وكبرها بألف مرة فيما لو طالب " المقاطعون" الحفاظ على مقاطعتهم وعدم تزوير حقهم وسرقة أصواتهم من خلال وجود ممثلين يؤدون المهمة بالنيابة عنهم في صناديق الاقتراع . وهنا لا بد من الاشارة الى أن شعار ارادة الشعب. ( مع تحفظي الشديد على هذا الشعار وقد سبق وكتبت رأيي فيه) تتضمن أيضا الحفاظ على ارادته من التزوير ولكن لأن المقاطعين يؤمنون بالوحدة الحقيقية فإنهم يتنازلون عن هذا الحق دائما. ولكن في المقابل نجد أن محاولة التزام الجماهير للأحزاب امام الشراكة يسمح لهم بالطلب من المقاطعين عدم التدخل او الكف عن نداء المقاطعة بل ويصل الحد الى التحريض عليهم من خلال كلمات " المتخاذلين" " المتنطعين" " العملاء " ".
الدعاية :
التهويل باليمين المتطرف يؤصل لفكرة الغولة في حياة الأطفال من أجل إلزامهم بالعودة للبيت او من اجل إجبارهم على النوم باكرا او على فعل شيء لا يريدونه، وهي بالتالي أداة نستعملها نتيجة العجز عن تبرير المطلوب من الاطفال لفعله او أقناعهم به. والأدهى والأمر أن تصل الاساءة للمقاطعين بنعتهم ووصفهم بأنهم في موقفهم هذا يقفون في خندق واحد مع اليمين المتطرف، إضافة إلى أن هناك من يدعو المقاطعين للعدول عن موقفهم تحت "منطق" التصويت " نكاية " باليمين المتطرف، هذا خطاب يستهين بوعينا الجماهيري والوطني، والسؤال الذي يطرح هنا هل فعلا نبني بهذا وعي جماهيرنا أو نؤسس موقف سياسي على" المناكفة" ؟!
في النهاية يجب التحذير من استعمال كلمة شعب ، ومرادفات البرلمان وعدم خلط بين حق أصيل وبين حق دخيل والتوقف عن التهويل .
اضف تعقيب