X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      15/03/2025 |    (توقيت القدس)

فلسطينيّ بلا هويّة!! (خاطرة بمناسبة ذكرى النكبة :67) الدكتور ابراهيم ابوجابر

من : قسماوي نت
نشر : 22/04/2015 - 22:01

فلسطينيّ بلا هويّة!!

(خاطرة بمناسبة ذكرى النكبة :67)

الدكتور ابراهيم ابوجابر

نكبتي..

ذبحوني من وريد لوريد.. في يافا وحيفا، الطنطورة وبلد الشيخ، عيلبون ودير ياسين، الدوايمة والفالوجة؛ سمسم وبئر السبع، كفر قاسم وقبية، خانيونس وجنين، جباليا والخليل، الشجرة وبيت حانون!!

قتلوا أبي، امي، أخي، أختي، أبناء شعبي، فسال دمي أودية فارتوت الارض وتغيّر طعمها ولونها.. هتكوا عِرضي، شرفي، فصحت فلا مغيث لي.. هدموا بيتي يا سامعين الصوت حجراً حجراً من روّيته بعرقي وعرق أسرتي.. مزّقوا كتبي ودفاتري وأحرقوها أمام ناظري ليمحوا ذاكرتي.. دنّسوا مسجدي ومصحفي.. أهانوا كرامتي، مرّغوها بالتراب وداسوها بنعالهم.. سكبوا عطري وسرقوا الابتسامة من فم زوجتي.. اغتصبوا بلدي بيتاً بيتاً، متراً متراً، غرفة غرفة.. سلبوا أرضي، شجري، حاكورتي فحرموني ظلها وثمرها ورائحة أزهارها.. .. وأخيراً، اخيراً طردوني من وطني مكسور الجناح، هائماً بلا عنوان، فراشي الارض ولحافي السماء، ثم دوّى صوتهم بعدي فسمعتهم يقولون: هذه اسرائيل؛ ففاض الدمع شلالاً من المُقَلِ!!

هويّتي..

بالنار والبارود، بالقتل والتشريد، هويّتي سلبوها، فغدوت بين عشية وضحاها صفراً بين الأمم والشعوب، بعدما أبادوا الشجر ودمّروا الحجر، وهوّدوا كل أثر  واثر في موطني ؛ فهمت على وجهي لاجئاً بلا عنوان، فرضيت العيش بلا هوية، متطفّلاً بل متقمّصاً هويّة غير هويّتي، هوية غيري مكرهاً حتى العودة؛ لكنها وأسفاه لم تسعفني ولم تحمني من حراب بني جلدتي، فولغوا في دمي حتى الثمالة، ولا زلت منذها مرابطاً، صابراً، منتظراً استعادة هويتي!!

المخيّم..

خيام "هو" مرصوصة، بل مصفوفة، صناديق من الصفيح والحديد، زرائب لا تصلح لبشر، ساكنوها ليسوا بشراً فقط وانما تشاطرهم العيش جيوش من الفئران والحشرات والزواحف والكلاب المصروعة.. جوع وعطش ومرض، حر وبرد، روائح كريهة من كل زقاق منبعثة، زحام.. هناك عشت ومئات الآلاف بل الملايين من ابناء وبنات أطفال وشيوخ شعبي المسحوق بعدما جار علينا الزمان بفقدنا وطننا الحبيب في ليلة ظلماء لا قمر فيها ولا ضياء.

مخيمنا، سجن غدا لي، ولعنة علي كان ولا يزال، حرمت من العمل في كثير من الحرف، وأهينت كرامتي على الحواجز والمكاتب والدوائر، وفي المعابر والمطارات؛ أصبحت منبوذاً بين الناس، ابناء جلدتي، حتى وان غليت الزيت في راحتي.

المخيم، عنواني وسيبقى، ولن اتنازل عنه أبداً، مهما بالمال أغروني وبالقصور وعدوني، وبنعيم العيش ورغده منّوني، المخيم لي مفتاح العودة والحافز القوي لها، فبدونه سأنسى دم أبي وامي وابنائي واخواني وأخواتي وابناء بلدي وشعبي، سأنسى عظام جدي وجدتي وأقاربي، سأنسى التين والزيتون والصبّار، سأنسى يافا وحيفا وبئر السبع والبصّة وصفورية واجزم وعين غزال وعسقلان!!

لاجئ..

طاردني، لاجئ، هذا المصطلح، نعم، في حلّي وترحالي، حتى في نومي، في الشارع والمتجر، في المستشفى وفي المكتب، في المدرسة وفي المطارات والحافلات، على المعابر والحواجز الشرطية.. حرمني – لاجئ، راحة البال وسكينة الحال ومتعة الحياة، فلو كان آدمياً –لاجئ – لقتلته شرّ قتله؛ صرخوا به في وجهي، لاجئ لاجئ، انت لاجئ يا سيّد، غريب دار  يا هذا؛ رموا لي فتات طعامهم ووسخ أموالهم تارةً أخرى، بملابسهم الرثة ،البالية، فداسوا كرامتي حرفاً حرفاً بنظراتهم وهمساتهم وحركاتهم، لكني أنا صحيح لاجئ، كنت وسأبقى لاجئاً، مهما به عيّروني وبنظراتهم وألسنتهم جرحوني، فلن اتنازل عنه – لاجئ – طال الزمان أو قصر، فلاجئ هذا من يعيّروني به صمام أمان عودتي –ان شاء الله – طال الزمان او قصر لموطني، مثوى آبائي وأجدادي، لا بد وان أعود يوماً لأقبّل ثراهم الطاهر واشعل هناك شمعة!!

عرقي..

لم ابخل، أنا اللاجئ ابن المخيم، الغريب، غريب الدار، لم ابخل بسواعدي، بعرقي عليهم، فبلدانهم عمّرتها بسواعدي وعرقي، وشوارعهم نظّفتها ورصفتها، جسورهم، قصورهم، هندستها وبنيتها لهم، محالهم حرستها، ومصانعهم شغّلتها، اجيالهم علمتها وسهرت على تفوقهم؛ لكنهم لي تنكّروا، ونسوني وأسفاه من سجلاتهم بل وسجنوا وثيقة سفري في ادراجهم، فحرموني حريّتي وجعلوني كعصفور القفص أبكي وأنوح على حالي؛ غير مرغوب فيّ عوملت ووصفت، حذّروا مني الصغار والكبار، تاجروا بي واعتلوا العروش – بعضهم – باسمي وعلى دمي قبضوا الأموال والهبات!!

صراخي..

صرخت مراتٍ ومراتٍ موجوعاً في كل صوب، ناديت بأعلى صوتي، استغثت القريب قبل البعيد، حذّرت وأنذرت بعدد شعر رأسي كل الدنيا، طلبت النجدة والعون بلا عدد؛ اعتليت المنابر، المنصات، أبواق المذياع وشاشات التلفاز آلاف المرات، شارحاً قضيتي مؤكداً على حقي ومتمسكاً بهويتي، رافضاً تصفيتي وتوطيني ونسياني موطني؛ طرقت أبواب الكبار والصغار من غرب وشرق، وشمال وجنوب، من عرب وعجم، طرقت أبوابهم وجعلت قضيتي وديعة عندهم؛ صرخت كلما صرخ، بكى، طفل من ابناء شعبي أو امرأة، أو شيخ، بكيت عند بكائهم ومتّ عند موتهم، وفرحت لفرحهم ايضاً.

صرخت مرة وضربت المكاتب بقبضة يدي آلاف المرات، نعم مكاتب بني جلدتي، ناشدتهم بالإسلام والعروبة والاخوة، فتركوني أصرخ وجرحي ينزف لوحدي، تركوني أموت شيئاً فشيئاً، تركوهم يغتصبونني يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، وكأن لسان حالهم يقول: مت لنرتاح من همّك!!

قلمي..

بعدما بحَّ صوتي، وارهق لساني، ولم يسمعوا صوتي، صراخي، لجأت الى قلمي، ترجمان لساني وعقلي، فأخذت أسطر روايتي، تاريخ شعبي، حكايات جدي وجدتي لتكون ميراث ابنائي وأحفادي، ولأزرعها في عقول أهلي، ثم انبريت اعرّف العالم بعدالة قضيتي بكتاب أو مجلة أو قصة فأغنيت مكتبي.

قلمي، قلم اللاجئ، غريب الدار هذا، أزعج مرةً وغذى فكر آخرين وأنار الطريق للمرابطين ورفع نفوساً خارت قواها وأحيى قلوباً ماتت، وذكّر ناسين ومتناسين، ووثّق حقاً مغتصباً ومفقوداً.

قلمي هذا، قلم اللاجئ رغم قوّته وسلاطته وحدّته واهميته حوصر فأصبح لاجئاً في الغرب مرة والشرق الاخرى، تآمروا عليه مرة واسكتوه أخرى وروّضوه!!

بندقيتي..

مظلوم كنت ولا زلت، مكسور الجناح، وطني سليب ودمي مباح، والمظلوم عادة دفاعه عن نفسه مسموح به وأيضاً مباح؛ فامتشقت بندقيتي، سلاحي، لأذود به عن عرضي، كرامتي، شرفي، ولأدحر الغزاة لصوص الليل عن موطني، أولئك من جعلوا مني لاجئاً، مشرّداً، مهيض الجناح، لعنة للصغار والكبار وعنواناً للصحف ونشرات الأخبار.

أعلنتها ثورة، ثورة حتى النصر على الظالمين المعتدين، فعلا شأنها وذاع صيتها حتى ملأت الدنيا أخبارها، ورفرفت راياتها في عواصم كثيرة وعلى المنصات، والتف حولها الآلاف.

ثورة، نعم ثورة، ولأنها ثورة سال دمي في الأغوار وعلى تلال بلادي وجبالها وسهولها فحنّاها، ولأنها ثورة دبت الحياة في شراييني واستبشرت خيراً وبالعودة بعدما خارت قواي وخفّت همتي!!

خناجر قومي..

بعدما لعلعت بندقيتي ودوّت، وتحررت من العروش والقصور، فأصبحت فلسطينية خالصة، وعلا شأنها وارتفعت نبرة صوتها وصالت وجالت وسجّلت نقاطاً في مرمى عدوها، وازداد عددها واستلت الشباب من أحضان أمهاتهم، فقوي عودها، صحت الذئاب ووحوش البر من مرابضها واوكارها، فنهشوا جسدي نهشاً، وسلبوا متاعي، وحرقوا أملاكي، وشربوا كثيراً وولغوا في دمي حتى ارتووا؛ داسوا كرامتي بنعالهم، وهتكوا عرضي مراتٍ ومرات، ولعنوا هويتي، وشربوا حتى الثمالة على أشلائي، ورقصوا حتى سكروا على جراحي!!

هديتي وردة ذابلة..

بعد سلخهم لجلدي، ومصهم لدمي، وتقطيعهم اوصالي، ومطاردتهم لي من مخيم لآخر، وقتل اسرتي وهتك عرضي، وزجهم بي الى المجهول، فتحوا بمكرهم وخداعهم طاقة صغيرة مظلمة ثم رموا لي منها زهرة، وردة ذابلة لا رائحة لها، ثم قالوا: السلام، السلام، عليكم الله والخائن يخونه الله، مؤامرة وشباك صيد لي.

الوردة، هذا الطُعْم، ذبلت ثم ذبلت، ثم ذبلت حتى جفت فغدت لا رائحة ولا لون ولا طعم لها، يتلاعب بها الريح ويرمي بها كلما هبّت نسمة من نسماته، وستغدو فصلاً آخر جديدا من فصول نكبتي!!

موطني..

موطني، بكيتك، وسأبقى أبكيك وإن جف دمعي، وخارت قواي ونحل جسمي!!

موطني، سيبقى اسمك محفوراً في سويداء قلبي وعميق أحشائي!!

موطني، سأرفع اسمك عالياً في كل الدنيا ومن اعلى المنابر!!

موطني، لن انساك وسأذكرك ما دام قلبي بالحياة نابض!!

موطني، اهواك، أهوى اسمك واهوى شجرك وحجرك وناسك!!

موطني، بالي لن يهدأ ما دام طفل من شعبي خلف الحدود يصرخ!!

موطني، العهد هو العهد والقسم هو القسم، فأبشر!!

موطني، فلسطين، احبك حب العاشقين، فحتما انا  يوما عائدون، عائدون!!

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل