التسامح على قدر ما هو جميل فإنه صعب على النفس المقهورة من أفعال الظلم والقهر، فالتسامح الذي نقرأ عنه في الكتب والروايات والأفلام والمسلسلات يكون حين يعفي ويغفر المتضرر لفاعل الأذى كنقيض لرغبة الانتقام التي قد تختزن في النفوس فتقود إلى العديد من الأفعال المنافية للتسامح والتصالح، ويظل التسامح أمراً مثيراً للجدل يراه البعض ضعفاً واستسلاماً، فيما يراه آخرون مقياس قوة الفرد الحقيقية وسعة صدره ورقي نفسه.
متى يكون التسامح إيجابياً؟ ومتى يكون سلبياً؟ هذا ما يجيبنا عليه الأخصائي والمعالج النفسي علاء الغوري في الموضوع التالي:
بداية يوضح لنا الغوري المفهوم الحقيقي للتسامح، ويوضح لنا التأثير السلبي لتطبيق التسامح بشكل مغلوط غير متكامل وصحيح، حيث يقول: "التسامح ليس التغاضي ودفن الأحزان والقهر ورفع راية السلام والحب والفصح، بل أن تقوم بمسح ما اختزن بذاكرتك وأن تجبرها على النسيان، ولا نصل لذلك إلا بالإنسانية وليس بالعنف، فإذا أجبرنا أنفسنا على التسامح فإننا نخلق بداخلنا كياناً منفرداً يظل دفيناً يكبر ويكبر؛ لأنك أجبرت جزءاً منك على قبول أمر لا يختلط ولا ينسجم مع أحداث ماضٍ بداخلنا ويظل يكبر وينشط ويتشكل حتى يواجه الإنسان بقوة مكافئة لقوة إرادتنا التي استعملناها في إجباره، ومن هنا يضيع التسامح بكل المعاني الجزئية والكلية، فالإنسان دائماً يعبر بالأفعال والكلمات والحديث المرح التلقائي، ولابد من نقاط ضعف تجعلنا نعجز عن وصف ما بنا، وتلك الأخطاء هي التي تدعو الكيان المنفرد بداخلنا للغضب والألم والحزن والجرح حتى ولو كان الفعل أو الكلمة بسيطة، لكن يظل لها تأثير فعال على ما بداخلنا، وحين تسيطر علينا بعض الأفكار فإنها تتراكم وتتزايد، ونظل كذلك حتى ينفجر الغضب محطماً كل الحواجز الخاصة بالتسامح الشكلي، وقد يحرر المكبوتات بداخلنا؛ لأننا تساهلنا في فهمنا لمشاعرنا وخلقنا سداً يحجز السيل ولا يستفاد منه.
وعن خطوات الاقتراب من التسامح السليم يرشدنا الغوري إلى الخطوات التالية:
1. إدراك الإنسان الأركان الأربعة بداخله، وهي: جسد، روح، عقل، قلب.
2. إسقاط كل شيء بداخلنا أو يحدث بنا على تلك الأركان حتى نرى الحقائق في أبعاد كيان الإنسان الداخلي والخارجي.
3. تقييم الضيق والمشاكل الكبيرة والصغيرة التي حدثت لنا من حيث الأولوية من الصغير للكبير.
4. رسم المشكلة بأسلوبك بأي شكل أو أي رسم.
5. عزل السلبيات بداخلنا ومحاولة معالجتها.
6. دعم الإيجابيات بداخلنا وتقويمها وتقويتها.
7. استعانة الإنسان بالإيجابيات على السلبيات.
ومن هنا بات الإنسان يستطيع مسامحة نفسه ويقدر مسامحة الآخرين بالشكل السليم للتسامح، فكل إنسان مهما كان سيئاً به شيء خير والعكس صحيح، فنحن بشر لا نختص بصفة واحدة فقط، ولابد أن يكون بداخلنا هذا الخليط، وكما أننا جميعاً ندرك الخير بداخلنا والسوء يجب أن نتقبل الآخرين على مثل هذا المنوال، فنحن بشر، والتسامح لا يقدر عليه إلا من وصل إلى أعلى مراتب الإنسانية.
اضف تعقيب