يقال دوما أن الجزء الثالث يفسد باقي الأجزاء بلا سبب واضح ويضعف زخمها، حدث ذلك في سبايدرمان 3 وأيرون مان 3، وكذلك بسلسلة "الترانسفورمرس"! فقط ولسبب غير مفهوم نجى بيتر جاكسون بملحمته الجديدة الرائعة "معركةالجيوش الخمسة"، فحافظ على السياق وروح المرح الجاذبة، وبدا هذا الشريط الطويل نسبيا (147 دقيقة) وكأنه يتحدث تحديدا عن محاولة الأقزام للقضاء على التنين الشيطاني الجامح "سموغ" (بصوت بنديكيت كومبربانش)، ولكن الصراع الضاري مع الوحش ينتهي مع انقضاء 15 دقيقة من الاستهلال...وتستمر المعركة الفاصلة الحقيقية ليس مع الجيوش الخمسة كما يبدو، وانما مع الذات مع سقوط سموغ ومقتله المدوي، وقد سمح ذلك ل"ثورين اوكن شيلد" (ريتشارد ايرميتاج) للمطالبة المطلقة بأرضه، المتمثلة بالجبل الوحيد مع بحر الثروات داخله، ولكن الجشع لا يعرف الحدود، فعاشق رنين الذهب يرفض المساومات بهذا الصدد، فيعرض قومه وباقي الأقزام للخطر، مصرا على حرب "لا لزوم لها"، وغير مبالي بمصائر قومه وتعرضهم للمجاعة والذل.
هكذا يصعد "الجنيون" لأعلى الجبل، بمصاحبة الرجال والنساء من قرية الصيادين، للمطالبة بحصتهم من الذهب، لكن ثورين يصر على انكار حقهم، مطالبا بحرب ماحقة مع "العفاريت والغيلان"، ولكن هؤلاء يستبقون الأحداث، فيهجمون بغتة على الأقزام والجنيين وباقي الرجال بضراوة فائقة، مما يستدعي تضافر الجهود لمواجهة العدو المشترك، واضعا القائد "ثورين" أمام تحدي المواجهة "المثيرة والمدهشة" بين أحد الغيلان وثورين نفسه، الذي يقتل وهو يستبسل مقاوما، فيما يدخل ليجولاس (اولاندو بلوم كعادته
وكما شاهدناه بفيلم "مملكة الجنة" لريدلي سكوت)، فيدعم ثورين ويقاتل الغيلان الأشرار بفروسية جريئة ومتقنة...هذه المشاهد القتالية تحديدا تلفت الانتباه، لما تحويه من حركات حابسة للأنفاس ومبتكرة والتي تجعلنا نصدق "الوجود الحسي" للغيلان العملاقة ، وهي تحمل بصمات بيتر جاكسون ومصوره الفذ، القادر على خلط الحركات بالمؤثرات الحاسوبية المذهلة، مقدما مشاهد أكشن وعراك قل ان ترى لها مثيلا بالسينما الحديثة، فقد دمج الحركات القتالية الماهرة بالمؤثرات المبهرة وانتج جمالا مشهديا اسطوريا...
يحفل هذا الفيلم بمشاهد لافتة، كمشهد القتال "الاستهلالي" بين "بارد" والسموغ ، وكيف ينجح أخيرا بمساعدة ابنه الصبي من تصويب سهم قاتل له، وكيف يتمكن هذا التنين الناري القاتل من اضاءة كامل البلدة بواسطة أنفاسه النارية المنبعثة، او بالمشاهد التي نلاحظ فيها الليدي "جالادريل" وهي تخيف "ساورن"، او بكيفية مواجهة"ثورين" لوعيه وضميره...لقد تمكن هذا "المجنون السينمائي" جاكسون من تلخيص المغزى ببراعة وبلاغة نادرة وخلال عشر دقائق، تمثلت بمهاجمة البلدة وتدميرها خلال خمس دقائق، ومن ثم التمكن من قتله خلال خمس دقائق اخرى!
رائعة جدا هي مشاهد ارسال جحافل العفاريت في هجوم "شبحي" ساحق على الجبل الوحيد (المليء بالذهب)، ويتصاعد الحدث حين تتقاتل الجيوش الخمسة بضراوة للاستيلاء على الأرض المتوسطة، جاكسون يتقن (كجورج لوكاس قبله بعقود) خوض المعارك الفانتازية، حيث ينغمس بشغف لاقطا التفاصيل وحابسا الأنفاس، وتبدو المخلوقات الاسطورية وكأنها عشقت ادوارها وخرجت من المؤثرات وتجسمت بوحشية بدائية وطريفة لحد ما، حيث تدور هذه المذابح البدائية على خلفية رائعة للمناظر الطبيعية الخلابة، ويبدو وكأن "جاكسون" يعاني من وسواس قهري يدفعه دوما لانجاز "عمل ملحمي" خالد بصبغة "كلاسيكية" تضاهي ربما ثلاثية "حرب النجوم" لجورج لوكاس، وربما تتفوق عليها!
الخص فيما يلي حوارا معبرا بليغا يعبرعن مغزى الفيلم:
كيلي: لن اختفي فيما يقوم الآخرون بخوض معاركنا بالنيابة عنا.
بيلبو باغنيس: عند مواجهة الموت ، ماذا يمكن لأي شخص ان يفعل؟
غاند ألف: ليس لدينا سوى اجابة سوأل واحد: كيف سينتهي هذا اليوم؟
ثورين اوكن شيلد: هل ستتبعوني للمرة الأخيرة؟!
لا ابالغ فأحمل الفيلم رؤيا لم يطرحها، لو قلت أن جاكسون قد قدم رسائل أخلاقية وسلوكية عديدة بملحمته الرائعة، أولها أن القائد لا يستغل شعبيته لكي يسيطر ويستبد (كما يحدث عادة بعالمنا العربي البائس)، وانما يقود شعبه بشجاعة للحرية، متعاطفا مع العجزة والنساء والأطفال، كما لا ينكل ويقتل (حتى المذنبين)، فنراه يعفي عن "الوغد-النذل-الظريف" ويعطيه فرصة جديدة لكي يتحول لانسان صالح، كما ان الزعيم يضع مصلحة شعبه فوق كل مصلحة، ولا يأخذه بريق "الذهب والسلطة والثروة"، بل قد يضحي بنفسه لحماية شعبه ومبادئه ووطنه!
مهند النابلسي
لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net
اضف تعقيب