
الليبراليون العرب...
الدكتور ابراهيم ابو جابر
تعاني الشعوب العربية اليوم من ظاهرة الليبراليين العرب، وهذا ما بان بوضوح في بعض بلدان الثورات العربية وعلى راسها مصر .فالليبراليون العرب ما هم الا رسل المدرسة الليبرالية الغربية التي ظهرت في القرون القليلة الاخيرة ،على اثر ما عانته اوروبا من ظواهر وتناقضات اخلاقية واجتماعية وازمات سياسية وفكرية ودينية.
انّ اهم ما يميز الليبراليين العرب اليوم فكرهم الاقصائي من الحركات الاسلامية واتباع المشروع الاسلامي ، فهم من ناحية يرحّبون بالديمقراطية ويزعمون دعمها لكن بشرط ان لا تأتي بالقوى الاسلامية الى الحكم.
فالليبراليون العرب هؤلاء، لا يزالون يحملون نفس فكر وعقليّة اسيادهم ،بل اساتذتهم الاوّلين وفلسفتهم المتعالية على الاخرين والمحتقرة لغيرهم؛ فقد اباح الاب الروحي لليبرالية "جون لوك" قتل الهنود الحمر، او أخذهم اسرى وعبيدا في حال مقاومتهم للوجود البريطاني في امريكا. فالهنود الحمر، عنده، ليسوا امة ولذلك فان الاوروبيين أجدر في امتلاك الارض واستغلالها ، اما "ميل" منظّر الليبرالية الكلاسيكية فرأى ان الشعوب الاخرى –غير الاوروبيين- غير عقلانيين ،ولم يبلغوا سن الرشد بعد، بل اضفى شرعيّة على الامبريالية واحتلال ارض الغير اي "الاستعمار".
لقد ارتبطت نشأة الفكر الليبرالي بأكبر مشروع استعماري في التاريخ ،وابادة للشعوب الضعيفة في اسيا وافريقيا ،كل ذلك انطلاقا من مبدأ وفكر فوقيّتهم وافضليّتهم على الشعوب والامم الاخرى ؛ولعلّ بالليبراليين العرب اليوم يسيرون على خطى من ذكر من أسيادهم وأساتذتهم ممّن لم نذكر كميكافيللي ومونتسكيو وغيرهم ،ممن نادوا بالحرية والمساواة والتعددية السياسية وتداول السلطة وغيرها من افكار ايجابية وعملية في ظاهرها، لكنهم من ناحية اخرى أعلنوها حربا على الدين والاخلاق ، بخاصة اعلائهم لمبدأ "فصل الدين عن الحكم والسياسة" المرفوض في الاسلام أصلا، ولهذا يفهم موقفهم من الحركات الاسلامية وعدائهم الدفين لدعاة المشروع الاسلامي.
أن اكثر ما يخشونه الليبراليون العرب اليوم، هو صناديق الاقتراع لمعرفتهم الاكيدة في أن حظوظ القوى الاسلامية الحيّة هي الاكثر في الوصول الى السلطة، وقد تبيّن لهم ذلك من خلال الانتخابات المصرية فترة الرئيس المصري محمد مرسي؛ وعليه فقد جنحوا ولا يزالون يقفون الى جانب الانظمة المستبدة ،ويدعمون ممارساتها التعسفيّة والظلاميّة ضد أتباع الحركات الاسلامية وعلى راسها حركة "الاخوان المسلمون" العريقة والاصيلة.
الليبراليون العرب هؤلاء ،ماديون فكرا وممارسة، ولهذا فانهم يخشون وصول القوى الاسلامية الى الحكم والسلطة ، وفرض برامجهم على الشعوب مما يتناقض مع مبادئهم وقناعاتهم الخاصة، لعجزهم اصلا في اقناع الشعوب العربية بها لمنافات العديد منها للدين والاخلاق من ناحية، ومن ناحية اخرى لانهم يشكّلون أقليّة فكرية في العالم العربي، في حين فيه القوى والتيارات الاسلامية هي الاكثرية العدديّة بل والاقوى منافسة على السلطة .
انّ تحالف الليبراليين العرب مع الانظمة المستبدة اليوم ضد ارادة شعوب المنطقة العربية ،يشكّل تناقضا صارخا للمبادئ التي نادى بها الليبراليون المؤسّسون بل واتباعهم المعاصرين القائمة على الحرية والمساوة والتعددية السياسية وتداول السلطة؛ فاين الليبراليون العرب اليوم من هذه المبادئ؟ ولماذا هذا التناقض الواضح؟ لماذا يرفضون ارادة الشعوب واحترام حكم الاغلبية التي افرزتها الانتخابات العامة ،ويصرّون على السير في ركب الانظمة الرجعيّة التي طالما نادوا هم انفسهم قبل الثورات العربية بزوالها وتغييرها ، وشاركوا في الثورة عليها رافعين شعار التغيير والاصلاح السياسي وتداول السلطة؟
ان اقل ما يمكن قوله في حق الليبراليين العرب اليوم ، انهم يعانون ازمة وانسداد في افقهم الفكري فيما له علاقة بالجوانب الاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ان تعاميهم هذا عن الاسلام وما يحمل من مبادئ وقواعد وشرائع قادرة على تمكين القوى الاسلامية في حال وصولها للسلطة على ادارة شؤون الامة بل وتنظيم المنظومة الدولية باسرها، تعاميهم هذا لن ينالوا منه الا سخط الشعوب ونبذهم لهم، بل وضجر سلاطين العرب وحكامهم يوما ما منهم والتخلّص منهم ايضا ومما يحملون من افكار ويرفعون من شعارات. وليعلم الليبراليون العرب ان غدا لناظره قريب، وأن كيدهم الحالي للقوى الاسلامية الحيّة ذات الاغلبية في الشارع العربي بتحالفهم مع الانظمة المستبدّة لن يدوم، وهم الطرف الخاسر في هذه المعادلة وسيخرجون كما يقال من المولد بلا حمص ، أو صفر اليدين.
اضف تعقيب