رمضان شهر القران الخالد...!!
بقلم عمر ابوجابر
ليس من العسير ان يسلم الناس في ضوء خبراتهم العادية أن أول شروط بقاء الأشياء على الأرض هو عدم خروجها على الناموس أو النظام الطبيعي .
فمثلا إذا ما ولد طفل برأسين فانه سريعا ما يموت , أما الطفل الطبيعي فهو غالبا ما يعيش.
وبالمثل نجد أن أول شروط المعجزة الخالدة مسايرتها للناموس الطبيعي, أو لسنة الخالق سبحانه وتعالى , أو النظام الذي سنه لهذا الوجود.
ولهذا السبب انتهت كل معجزات الرسل الخارقة للقانون الطبيعي وضاعت معالمها. مثل هدهد سليمان , وعصى موسى وناقة صالح, على نبينا وعليهم أفضل الصلاة والسلام ,
أما ثاني شروط المعجزة الخالدة فهو أن لا يقف إعجازها عند عصر معين , ولا يحد بثقافة أو علم بالذات .
وعلى هذا النحو كان من الطبيعي أن تكون المعجزة الخالدة كتابا يتجدد إعجازه على مر العصور هو القران الكريم الذي يخاطب العقل ويوجه الحديث إلى أهل العلم والمعرفة, ويوقظ الضمير , ويحرك الوجدان .
وفي هذا العصر ( عصر العلم ) عندما اتسعت أمامنا آفاق الكون المرئي , وعرفنا كثيرا من نظمه وسننه التي بني عليها, استطاع الإنسان أن يرسي قواعد العلم التجريبي الذي أتى بما يشبه المعجزات, ويهز عقول الناس .
وأساس العلم التجريبي هو تلمس آيات الخالق وسننه في عالم الحس, وهي آيات ثابتة لا تتبدل ولا تتغير .
ولم يكن عجيبا إذن أن يسخر القران الكريم من الجاحدين عندما جاءوا إلى الرسول الكريم يطلبون منه عمل الخوارق , وهو يخاطب عقولهم , ويعجزهم بفصاحته ومعانيه ,
والحق أن الخالق المبدع جل شأنه شاءت إرادته , لحكم وأسباب عديدة جوهرية , ألا تدركه الحواس , وهو يدرك الحواس , وأولها البصر(( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)) الأنعام,
ولكن رحمة بنا لم يتركنا هكذا حيارى في بيداء هذه الحياة الدنيا, إذ تجلى لنا في كتاب خالد, نقرؤه ليكون معجزة خالدة ناطقة بوجوده سبحانه وتعالى وبصدق رسالة نبيه الكريم , , وهو القران الكريم أو كتاب الله المسطور ونراه وندركه بحواسنا وندرسه , كتاب الله المنظور .ولقد قال السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القران ليوضح إلى أي حد تعددت الأقوال وتضاربت
((وبما إن كون القران معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز , وقد خاض الناس في ذلك كثيرا فبين محسن ومسئ . فزعم قوم أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وان العرب كافت في ذلك ما لا يطاق , به وقع عجزها وهو مردود لان ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصور التحدي به))
وعندما تكلم الخالق بالقران الكريم كان من الطبيعي أن يستمد كثيرا من آياته وحكمه من الكتاب المنظور , وهو الكون, وعلى هذا النحو تحدث عن السماء, والهواء, والماء, والأحياء, (( إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون. واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون)) سورة الجاثية
على هذا النحو أثار القران الكريم العديد من القضايا العلمية في ما يقارب الألف أيه عرفنا جانبا من أعماق إعجازها في ضوء تلك الآفاق الواسعة التي فتحها أمامنا عصر العلم.
ومن واجبنا ونحن نعيش عصر العلم , أن نظهر تلك الأعماق ألمعجزه الأخاذة في ظل الثابت من الحقائق العلمية , من غير أن نكلف الآيات الكريمة ما لا طاقة لها به من الاستعارات أو الكتابة .
ونحن عندما نفعل ذلك لا ندعي إن ما نقوله هو نهاية المطاف , لان كتاب الله سوف يبقى معجزا إلى يوم الدين
ولعل ما يلفت أنظارنا من أعماق الإعجاز العلمي في القران الكريم انه هضم معلومات البشر العلمية الصحيحة منذ نزل .وفي معنى أخر تمشت معلومات البشر العلمية الصحيحة (قديمها وحديثها) مع ما أثاره القران الكريم من قضايا العلم.
وان أتينا بمثال فنأخذ كلمة ( لواقح) في قوله تعالى ((وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما انتم بخازنين)) سورة الحجر
قال بعض الأقدمين في تفسير كلمة لواقح أنها تعني تلقيح الرياح لبعض النباتات بحمل ونقل حبوب اللقاح كما هو معروف , وهذه حقيقة علمية ثابتة لا تزال قائمة لأنها مستمدة مما نرصده في الكون .
وفي هذا العصر وفي ضوء علم الأرصاد الجوية فسرت كلمة لواقح على أنها إنما تعني تلقيح الرياح للسحاب بعد أن تثيره , وذلك لكي يجود بالمطر.
والمعنى العلمي السليم لتلقيح الرياح للسحاب المثار هو أنها تمده بجسيمات صغيرة من الأملاح أو الأحماض تعرف علميا باسم (نوى التكاثف), وهذه الجسيمات المجهرية هي التي تتجمع عليها جزيئات بخار الماء العالق في الجو والذي تحمله الرياح أيضا ويسمى التكاثف , وبهذا التكاثف تتكون قطرات الماء داخل السحب , ثم تنمو وتسقط على هيئة مطر . وجدير بالذكر إن أول كتاب على الإطلاق يقرر حقيقة إن السحب تكونها أو تثيرها الرياح –ومنها الهواء الصاعد- هو القران الكريم قبل أربعة عشر قرن ونيف وذلك في العديد من الآيات , مثل قوله تعالى في سورة الروم (( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا)) .
ولا يقف القران الكريم عند هذا الحد , بل يفرق بين السحابة التي تمطر وغيرها من السحب التي لا تمطر , فيبين ويقرر إن سبب الأمطار هو تلقيح الرياح للسحاب أو إمداده ببخار الماء وبنوى التكاثف اللازمين ويخاطب الناس في هذا العصر بلغة العصر .
وهكذا يتبين لنا الآية الكريمة تثير قضايا علمية رئيسية تظهر إعجاز القران الكريم في عصر العلم بكل جلاء ووضوح , وتقيم الحجة على كل مكابر , وتخاطب الناس في هذا العصر بلغة العصر أي لغة العلم.
وهذه ما هي إلا قضية وإعجازا واحدا من بين المئات التي كشفت الآن عن طريق العلم بعد أن شرحها القران قبل أربعة عشر قرن ونيف , وفي كل المجالات والنواحي العلمية والبيانية والديموغرافية وقضية كون منطقة البحر الميت هي أدنى منطقة على وجه البسيطة , وقضية انشقاق القمر , وقضية الأحياء التي لا نراها (الجراثيم ) وأمور كثيره وأمور حتى ألان لم يستطيع العلو اكتشافها أو تفسيرها , هو القران الخالد دستورنا ومنهجنا الذي نسير عليه ومنه نستمد أحكام واطر معاملاتنا وحياتنا
اضف تعقيب