
انّا باقون !!!
الدكتور ابراهيم أبو جابر
أعادت الاحداث الاخيرة الى الواجهة الكثير من القناعات العنصرية والمتطرّفة لدى الاسرائيليين، ممّن حاولوا اظهار انفسهم ضحية كل ما حصل ويحصل، في حين انهم يعلمون أكثر من غيرهم انهم العلّة وراس البلاء. فهبّة الشباب الفلسطيني الحالية العفويّة وغير المؤطرة لم تحصل من فراغ ،وانما نتيجة طبيعية للتعنّت الاسرائيلي ورفض الحكومات الاسرائيلية المتتالية بزعامة نتنياهو الوفاء بالتزاماتها حيال الطرف الفلسطيني ،وتجميد ما سمي بالمسيرة السلمية وتجاهل فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ،ناهيك عن الممارسات البشعة ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ،واستمرار الاستيطان والحواجز والاغلاقات وغيرها من امور لا انسانيّة، اما قضيّة المسجد الاقصى فكانت الشرارة التي اشعلت فتيل الهبّة.
لقد كشفت الاحداث الحاليّة عنصريّة الشعب الاسرائيلي وكراهيّته العمياء للعرب الفلسطينيين، بخاصة عند دراسة ردود فعلهم وتصريحاتهم عبر وسائل الاعلام على اختلاف انواعها، وهذا بالتأكيد له علاقة بخلفية قناعاتهم وما تربّوا عليها من افكار ومبادئ مسمومة ،في البيوت والمؤسسات التعليمية والتربوية وحتى في الكليات العسكرية .
ان الاسرائيليين ليعلمون حق العلم ،انهم يرتكبون جرما كبيرا -اخلاقيا وانسانيا وتاريخيا- بتجاهلهم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ،واصرارهم على قمعه بالحديد والنار، ظانين منهم اسكات صوته وردعه عن النضال لاسترداد حقوقه، وعلى راسها حقه في تقرير مصيره ،بالأساليب المشروعة التي كفلتها القوانين الدولية .وان الاسرائيليين أيضا واهمون ان واصلوا مسعاهم المشؤوم هذا ،لا ن نظريّة القضاء على الشعوب لا وجود لها اصلا في القاموس السياسي ولا التاريخي ،فلماذا لا يستخلصون العبر من تاريخهم.
ان مبدأ تجاهل الاسرائيليين الحق الفلسطيني التاريخي والديني والاخلاقي في فلسطين ،ان استمر، لن ينال منه الكيان الاسرائيلي الا مزيدا من النضال الفلسطيني والتصدي ،ومخطئ من يظن من الاسرائيليين، سياسيين كانوا او عسكريين او حتى مدنيين، في ان الممارسات العنصرية وسياسة الابارتهايد المتبعة ضد الشعب الفلسطيني كافية لردع الفلسطينيين وقبولهم بالأمر الواقع او حتى حملهم على الرحيل .
ان الشعب الفلسطيني اقوى عودا وارادة من كل الممارسات الاسرائيلية ،ولن يرفع العلم الابيض مهما كانت التحديات ، ولسان حاله يقول:
انا باقون.. ففلسطين وطن الشعب الفلسطيني ،والفلسطينيون ملح هذه الارض واصحابها كابرا عن كابر، مهما كابر الاخرون ،وان الشرعية الدولية التي يدّعيها الطرف الاسرائيلي دليل على احقيّته في هذه الارض باطلة ،ابتداء من وعد بلفور المشؤوم الذي تجاهل الفلسطينيين والاعراف الدولية وعلى راسها مبدا حق تقرير المصير للشعوب المحتلة، والمعروف ب"وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، وقوانين الانتداب المنحازة لليهود، ناهيك عن قرار التقسيم الظالم(قرار 181) الذي لم يستشر فيه الشعب الفلسطيني، بل ومنح الاقلية اليهودية في فلسطين وقتها نصيبا اكبر من الارض بدون وجه حق.
انا باقون.. فهذا الكيان لم يقم اصلا الا على اشلاء الاف الفلسطينيين في ملحمة لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر، فقد سالت دماء الفلسطينيين في الدوايمة ودير ياسين والطنطورة ،وبلد الشيخ ويافا وحيفا، والمجدل وبئر السبع وكفر قاسم ،لا بل ايضا في قبيه وعرب العزازمة ،ونابلس والقدس والخليل، وغزة العزة وجنين وام الفحم والناصرة وسخنين وغيرها كثير.
انا باقون.. فلم يترك الاسرائيليون نوعا من اساليبهم المبتذلة الا واستخدموها، فكرامة الفلسطينيين اهينت على الحواجز والمعابر ،داسها الجنود بنعالهم بدون حساب، واذلّ الجنود والمستوطنون الفلسطينيين في المدن والقرى والمخيمات، شيبا وشبانا، رجالا ونساء ،حتى تمنى بعضهم الموت على الحياة، وحرموا العيش الكريم ،وحرية الحركة حتى غدوا اشبه ببرميل بارود .
انا باقون.. فمقدّسات الفلسطينيين دنّست ولم تسلم من اذى المستوطنين ولا الاجهزة الامنية الاسرائيلية، فالأقصى يدنس يوميا وتنتهك قداسته بعلم من نتنياهو نفسه ،الذي تجاهل كل النداءات بالكف عن ذلك الا انه ابى ،وها هي النتيجة حمام من الدم جار.
فالتعلم الدنيا ،ان الشعب الفلسطيني لا يطالب بأكثر من حقه الضائع ،وليس عاشقا للعنف ولا لإراقة الدماء ، ولكنه في الوقت نفسه باق في وطنه رغم كل التحديات.
اضف تعقيب