كفرقاسم - رقصة الموت .. الذكرى ال 59 لمجزرة كفرقاسم ومحطات من من تاريخ الذاكرة القسماوية
كفرقاسم - رقصة الموت .. الذكرى ال 59 لمجزرة كفرقاسم ومحطات من من تاريخ الذاكرة القسماوية
من ملفات مجزرة كفرقاسم التي ارتكبها حرس الحدود الاسرائيلي سنة 1956 في حق قرية كقرقاسم الامنة, في فترة كانت ترزخ تحت حكم اسرائيل. المفروض ان تكون ايضا تحت حمايتهم.
يا أمي أنا خائف
الاسم - جمال سليم طه
العمر- ثلاثة عشر سنة
الاسم - رياض رجا حمدان
العمر- تسع سنوات
العلاقه – جيران .الباب امام الباب
المكان – حارة دار طه شرقي القرية
الساعة - اقل من الخامسة بقليل
اللقب - شهداء
سمعت زوجة سليم بخبر منع التجوال, الذي سيفرض في هذه اللحظات. فأصاب قلبها وجل غريب . انها قلقة على ابنها عبد الرحيم , ابن الستة عشر عام, الذي يعمل في حقول القرية, المتواجدة غربي القرية, تحت أُمرة جارهم ابو رياض. وبعد استشارة سريعة مع ام رياض, وجدت ان اسرع وسيلة لأخبار ابي رياض, ومن معه من عمال, عما فاجأهم من نبأ , هو ارسال ابنها جمال الى الحقول , وحثهم على العودة.
هرعت الي ابنها جمال وقالت له : "الله يرضى عليك يا جمال .اسرع واخبر اخاك ومن معه من عمال بالعودة السريعة, قبل سريان مفعول المنع".
قال جمال والخوف يغشى جسده : يا امي انا خائف ولن اذهب . فالعساكر يجولون في كل ازقة القرية مدججين بأسلحة اوتوماتكية.
سمع محمد الاخ البكر, رفض جمال في المثول لطلب امه , فاخذ يوبخه ويكيل له اللكمات. ودموع جمال تنهمر من عينيه, مصرا على عدم الطاعة لما يعتريه من خوف من اولئك الجنود.
لكنه سرعان ما تشجع للذهاب, بعد ان سمع كلام جارتهم ام رياض, واستعدادها ان ترسل طفلها رياض مرافقا له وهو اصغر منه ببضع سنوات (عمره تسع سنوات).
اخذ الطفلان يركضان بكل ما اوتيا من قوة, لقطع مسافة عدة من الكيلومترات ,تفصلهما عن تواجد المزرعة. حتى وصلا اليها.
لم يستغرب العمال مجيئهما. فقد سبقهما بهذا الخبر رجل, كانت ابنتاه من ضمن هذه المجموعة. ( اسماعيل الدرباس)
استطاع اسماعيل ان يعيد حمولة سيارة شحن من النساء العاملات في هذه المجموعة, الى بيوتهن قبل بدء منع التجوال بسلام.
اما مجموعة الرجال, والبالغ عددهم ثمانية عشر عامل, اضف اليهما الطفلين, جمال ورياض, ,شاء الله ان يتاخروا لنصف ساعة اخرى في العمل من اجل ان يقضي الله امرا كان مفعولا. فهم وبدون علمهم كانوا على موعد مع الشهادة .
سارت هذه المجموعة, مستقلة سيارة الشحن, تشق عباب الظلام في طريق العودة للقرية . وكانت آخر شاحنة تدخل القرية قبل وقف اطلاق النار, لينفذ الجلادون فيهم, ما بدؤوه من حكم اعدام في فلاحين, بسطاء, تركوا بيوتهم لتأمين قوت عيشهم اليومي ويضموهم الى قافلة الشهداء التسعة واربعون شهيد بالاضافة الى جنينين كانا في بطن امراتين, هما فاطمة وزينب البيوض زوجة ابي جبرة.
استشعر ابو رياض قائد هذه المجموعة من العمال بما يدور من حوله, فهذه الجثث الملقاة على جوانب الطريق ليست مجرد منع تجوال. هذه مذبحة ضحاياه بشر. فقرر محاولة الهروب. لكن صرخة الجندي في اتجاهه اعادته الى المجموعة.
في هذه الاثناء, كان العمال قد اصطفوا في سرب حسب اوامر الجنود, تُصوب في اتجاههم فوهات بنادق الجلادين, يرتجفون خوفا بعد ان تيقنوا ان الموت حليفهم لا محالة.
ومع انطلاق الامر من قائد الجلادين بالحصاد (תקצור אותם...احصدوهم). كان ابو رياض قد حاول الفرار للمرة الثانية , ملقيا جسده بين احضان شوك الصبار, الذي كان ارحم من رصاص القتلة. مستغلا ما منحه اياه ابنه رياض, من برهة زمن قصيرة جدا , عندما نادى عليه من غرفة قيادة السيارة التابعة لابي رياض والتي تقل العمال بان لا يتركه وحيدا في السيارة. فسمعه الجندي الذي امر الطفل رياص بالترجل والانضمام الى المجموعة المصطفة ومن ثم الشهادة.
نجا ابو رياض ونجا معه عبد الرحيم سليم (ابو اليزن اليوم). ذلك الاخ الذي ذهب الطفل جمال لحثه على العودة.
اما جمال, فلم تطل رصاصات الباغي جسده في الحصاد الاولي. لكنه انبطح بالقرب من اخيه عبدالرحيم المصاب برجله ويده باكيا, كما انبطح الاخرون بقوة الرصاص الفتاك.
علت صرخات الضحايا معانقة غبار الارض. تلاها انين الجرحى الذي سرعان ما خمد, وبقي بكاء جمال يقطع سكون ما بعد المجزرة.
رغم جرحه المضاعف, كان الطفل عبد الرحيم يحافظ على رباطة جأشه , محاولا اسكات اخيه جمال, تارة بالهمس واخرى باللمسر حاثا اياه بالتظاهر بالموت, على امل نجاته من براثن الجلادين هو واخاه جمال. لكن صدور الامر بالإجهاز على كل ضحية برصاصة اضافية في الراس, جعلت الشاب عبد الرحيم يفقد الامل في الحياة مرة اخرى.
وما هي الا برهة, واذا ببندقية المجرم, السفاح. مصوبة الى صدر عبد الرحيم. ولكن اندفاع اخيه جمال الملقى بجانبه في البكاء, اربكت الجندي, فغيرت فوهة البندقية اتجاهها عدة سنتمترات, لتصيب يده . فيتركه السفاح معتقدا انه مات.
فينتقل الى الاخ الطفل جمال, وبكل برودة اطلق رصاصة على جبهته, فأجهزت عليه وهو يحتضن اخيه بذراعيه, بقوة كادت ان تقطع وسط عبد الرحيم ,الذي نجا من الرصاص للمرة الثانية بفضل بكاء اخيه. وما هي الا لحظات حتى انفضت يدا جمال مرتخية, لتعلن اعتلاء روحه الطاهرة الى الجنة لتنضم الى ركب الشهداء.
ادعى عبد الرحيم الموت, وبقي ملقا بين الجثث . ورغم صدور وقف اطلاق النار بعد ساعة من المجزرة , الا انه لم تقدم له الاسعافات, لاعتقاد الجنود الذين حلوا مكان الجنود السفاحين وبدلوهم, بعدم نجاة احد في هذه المجزرة ولاعتقاد عبد الرحيم ان المجزرة مستمرة.
ومع اول اطلالة للفجر. بدأت تتكشفت صور الجريمة. جثث متكدسة على جوانب الطريق . اشلاء تناثرت وتطايرت على اغصان الاشجار والاجدرة الحجرية. اشلاء الفلاحين البسطاء. منهم الاطفال, النساء وخيرة رجال القرية. اختلطت رائحة عرقهم برائحة دمهم الطاهر. وتم العثور على المصابين, ليتم نقل عبد الرحيم الى المستشفى في سيارة الجيب العسكري .
هذا الشاب , تلاعب الرصاص في جسده عدة مرات وبقي على قيد الحياة. ليسرد لأحفاده ابشع انواع القصص الاجرامية . حتى وهو في الطريق الى المستشفى سمع الجنديين المرافقين له يتهامسان الحديث, بمؤامرة اخرى. وهي قتله والخلاص منه. وادعاء انه مات في الطريق اثناء نقله الى المستشفى . ومرة اخرى تتلاعب المخاوف في قلب هذا الشاب. ولم يسعفه من هذه المؤامرة, الا ظهور سيارة الاسعاف التي كانت في طريقها, مهرولة الى مكان المجزرة . فأوقفت سيارة الجيب لتستفسر من الجنود ان كانوا يحملون جرحى .
لم يفكر الجنديان كثيرا, واجابوهم بنعم .وهكذا لم يقترب الموت من ابى اليزن حتى هذه الساعة.
وملاحظة لا بد من ذكرها .نجا من هذه المجموعة عدا ابو رياض الذي توفي قبل عدة سنوات . كما ذكرنا عبد الرحيم سليم. وايضا نجا جمال الصوص. وهما ما زالا على قيد الحياة. لكنهما مصابين بمرض الهلوسة, لما مرّا بهما من اهوال المجزرة.
ملاحظة
نشرت هذه القصة قبل عدة اعوام. بعد النشر, انتقل الى رحمته تعالى كل من جمال الصوص وابي اليزن ( عبد الرحيم سليم طه) في موت طبيعي حيث انتهى اجلهما. وهما آخر الناجين الذين بقوا على قيد الحياة.
رحم الله شهداءنا
نقل من صفحة الفيس بوك - احمد صرصور
اضف تعقيب