فيديو: مجزرة كفر قاسم: 7 رصاصات و60 عاما لم تغير شيئا ولقاء مع الجريح الناجي اسماعيل عقاب بشير بدير
أيام عصيبة سبقت مجزرة كفر قاسم إبان العدوان الثلاثي على مصر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1956.
لم يكن يعلم كسائر الفلاحين والعمال الذين كانوا خارج كفر قاسم يوم 29.10.1956 أن الجيش الإسرائيلي فرض أمر حظر التجول المفاجئ على البلدة.
قال أحد الناجين من مجزرة كفر قاسم، الحاج إسماعيل عقاب بدير، ، إنه 'في ذلك الحين كان قد اجتمع ضُباط من حرس الحدود الإسرائيلي بالضابط المجرم شدمي، وأبلغهم بأمر حظر التجول ابتداءً من الساعة الخامسة بعد الظهر أي ساعتين ما بعد انتهاء الاجتماع. وعندما سألوه عن مصير العاملين خارج البلدة أجابهم 'الله يرحمهم'.
سرد الحاج بدير تفاصيل المجزرة، ما سبقها في الثواني الأخيرة واللحظات الأولى بعد إطلاق النار، قال 'أوقفني جنديان وكان برفقتي شخص آخر، ومن ورائنا العشرات من أهالي البلدة، نظرا إلينا بنظرة حقد وغل، ثم سألانا بعدائية بعض الأسئلة واقتربا نحونا شيئا فشيئا وهما مسلحان برشاشين، كان عمري في حينه 23 عاما، أدركت أن خطرا محدقا قد حل بنا'.
وأضاف أن 'الجنود والضُباط لم يهمهم أرواح الناس، فقد أُخبِر مختار القرية في أمر حظر التجول نصف ساعة قبل دخوله فقط، والذي بدوره اعترض على الأمر، لكن ما باليد حيلة، حتى بدأ يتجول ومن معه لإخبار أهل البلدة بأمر حظر التجول خوفا على حياتهم'.
دماء وصمت
لم يستوعب إسماعيل بدير شيئا مما حدث، كان ضمن العشرات من الأهالي، رجالا ونساء، من الفلاحين والتجار والعطارين والحدادين وعمال الطوب والبناء، الذين كانوا في طريق عودتهم إلى البيت بعد نزع لقمة العيش من ضنك الحياة. عند اقترابهم كانت سيارة يستقلها ركاب من كفر قاسم باتجاهها إلى البلدة، وعلى حافة الطريق طفلان يقودان دراجتين هوائيتين، استذكر ما جرى، وقال إنه 'لم يلبث أن أوعز الجنود إلى سائق السيارة بالتوقف حتى سمعت إطلاق نار كثيف من مسافة قريبة جدا، كانوا مدججين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، ثم أطلقوا وابلا من الرصاص باتجاه الناس العُزل، سالت الدماء وعم الصمت في المكان'.
'أطلقوا النار... لا تجعلوا أحدا يهرب'
وأكد الناجي من المجزرة،إسماعيل بدير، ، أن 'النار أطلقت بعد صدور أمر أولي من الضابط شدمي. أطلقوا الرصاص في كل جهة فأصابت الكثيرين. أذكر أنه جرى إنقاذ الطفلين بعد أن أدخلا إلى السيارة وهربا فيها، كان في السيارة الشهيد محمود عاصي ومحمد عرار، أصيبا من الرصاص، محمود أصيب بجراح خطيرة وفارق الحياة أمام الطفلين اللذين أصابهما الهلع'.
وأشار إلى أنه 'لو لم يكن أمر حظر التجول لهرب الناس وشردوا من ديارهم كما هُجرت البلدات الفلسطينية من هول المنظر والرعب الذي خلفه الجنود الإسرائيليين'.
7 رصاصات في الجسد
لم يشاهد إسماعيل بدير ما حدث في أطراف البلدة من قتل وإجرام، لكن ما حصل كان نسخة طبق الأصل من المذبحة التي وقعت أمامه. أصيب بجروح خطيرة، وعن ذلك قال إنه 'بعد أن أصابني الجنود بسبع رصاصات منها من اخترقت قدمي اليمنى، كانت الدماء تسيل في المكان، دماء الشهداء والمصابين، ولن أنسى وجوه الجنود المجرمين، لن أنساها وهي تلازمني إلى يومي الأخير في حياتي'.
حاول بما تبقى له من قوة، بعد إصابته، أن يزحف بجسده الذي مزقه الرصاص، ظن الجنود أنه قُتل ونجا بأعجوبة. قال 'كنت مصابا ووصلت إلى كرم الزيتون، لم أكن خائفا في حينه لأنه لم يتبقى لي شيئا بعد أن رأيت قدمي قد تفتتت أمام عيني وكدت أموت من شدة الألم، استلقيت على شجرة زيتون، كان الجنود يتجولون وأنا مُختبئ، وبعد انتشار خبر المجزرة خرج الأهالي وهم فزعون وبدأوا يبحثون عن ذويهم، ليروى الشهداء والجرحى. كان والدي وأخوتي يبحثون عني، لم يعثروا علي وظنوا أنني استشهدت. كان هناك شهيد داست الدبابة رأسه ولم تُعرف هويته فظنوا أنني الشهيد، لكن عندما أخبروا والدي بذلك، قال لهم إن هذا ليس ابني لأنه خرج من البيت بقميص لونه أصفر وهذا الشهيد لا يلبس الأصفر. واستمر البحث عني وأنا على تلك الشجرة. أصوات السيارات العسكرية كانت تدوي في أذني، بقيت دون طعام وشراب ومكثت لأكثر من يوم ونصف اليوم، حتى تغلغل النزيف في قدمي واضطروا لقطعها بعد العثور علي، أنا جريح المجزرة ومبتور القدم'.
60 عاما... لم يتغير أي شئ
ستون عاما تبعدنا عن المجزرة البشعة التي ارتكبها جنود الجيش بأمر من الضابط شدمي الذي حُكم عليه آنذاك في المحكمة العسكرية بدفع غرامة 'قرش' واحد فقط مع التوبيخ، هذا كان حُكم من أمر بقتل 49 طفلا وامرأة ورجلا، وجرح أكثر من 60 شخصا بعضهم حتى الآن يُعاني من إعاقة نتيجة الإصابة.
أعرب إسماعيل بدير، '، عن اعتقاده أن 'شيئا لم يتغير هنا. نحن نتذكر المجزرة، فما الذي تغير في الدولة وسياستها الخارجية والداخلية؟ لا شيء! الوضع أسوأ من السابق، وها هو الجيش الإسرائيلي لا زال يقتل في الضفة وغزة المئات من الأبرياء ويصيب الآلاف بغير ذنب، ولا يُعاقب ولا يُحاسب على ذلك، وها هو يقتل الأبرياء من عرب الداخل ولم يحاسب على ذلك أيضا'.
ووجه رسالة للأجيال الصاعدة بأن 'إحياء هذه الذكرى وغيرها من الذكريات التاريخية لشعبنا العربي الفلسطيني من أهم الأمور التي يجب الحفاظ عليها، في حين تحاول السلطات والمؤسسات الصهيونية طمس الهوية العربية الفلسطينية من خلال مشاريع أسرلة كثيرة كالتجنيد بالشرطة والجيش'.
اضف تعقيب