د. حنا سويد: أدعو إلى استنساخ نموذج القائمة المشتركة في انتخابات السلطات المحلية العربية المقبلة
أمّا وقد دخلنا في الهزيع الأخير من الدورة الحالية للسلطات المحلية، وأخذت الانتخابات تلوح بالأفق (عام 2018) – وإنّ غدا لناظره قريب – وقد باشر المعنيون بالأمر "يعدون لها ما استطاعوا"، وستبدأ للتوّ سلسلة إعلان النوايا بالترشح والترشيح في كل مدينة وقرية، ومن منطلق الحرص على سلامة ووحدة وتماسك مجتمعنا وبلداتنا، ومن أجل حفظ الطاقات والهمم من التبعثر والضياع، بل وبذلها لمواجهة المهمات الصعبة والتحديات التي تعترض مسار سلطاتنا المحلية حتى تضطلع بمهماتها الجسام في قيادة مسيرة التنمية والتطور، وسعيا كي لا تؤدي المعارك الانتخابية إلى تدهور الأمور إلى أوضاع أسوأ مما هي عليها الآن - فإني أدعو القيادات المسؤولة سواء على المستوى المحلي أو القطري لبذل قصارى جهدها من أجل استنساخ نموذج القائمة المشتركة في انتخابات السلطات المحلية عامة، وخصوصا فيما يتعلق بانتخابات رئاسة السلطات المحلية. وهذا يقتضي أن يتمّ التوافق بين القوائم والأحزاب والحركات الفاعلة في المشهد البلدي على مرشح متفق عليه لرئاسة السلطة المحلية ضمن رؤية بلدية واجتماعية - أهلية جامعة وهادفة لتحقيق طموحات وتطلعات الأهالي الحقيقية.
لقد أصبحت السلطات المحلية منذ أمد طويل تشكل بالنسبة لبعض المرتزقين والطفيليين مصدرا للابتزاز ومكتب تشغيل وعمالة ومرتعا لنظام المحاصصة، والتي تؤدي بمجملها إلى تراكم كوادر غير مؤهلة وغير قادرة على النهوض بمتطلبات التنمية والتطور والحداثة، وإلى التكسب والارتزاق بوسائل وأحابيل ما أنزل الله بها من سلطان. ويعتبر هذا نكوصا وتراجعا عن شعار "القلاع الوطنية المناضلة" الذي ألهب حماس الجماهير منذ أواسط السبعينيات لغاية التسعينيات من القرن الماضي.
إن العنف المستشري في مجتمعنا قد نما وترعرع جزئيا على مستنقع الخلافات والمشاحنات لا بل العداوات بين القوى المتنافسة على رئاسة السلطات المحلية. فالتنافس المحموم يؤدي إلى العمى وإلى عدم الحذر في انتقاء الحلفاء والمؤيدين، بل إلى التجاهل المتعمد والمحسوب عن مرتكبي آفات وموبقات اعتادت قياداتنا المحلية الأهلية الصادقة والأصيلة على التنصل منها ومن مرتكبيها، بل ومقاطعتها وتهميشها. ولكن عندما يصبح مجرد الفوز برئاسة السلطة المحلية هدفا بحد ذاته لا بل مرادفا للكرامة والسيادة والريادة والأصالة وترخص من أجله التضحيات، فتصبح كل ممارسة شاذة وحمقاء مقبولة ومبررة لأن في جعبة مرتكبها أو ولي أمره كما لا بأس به من الأصوات. بل ويصبح السكوت عن قول كلمة الحق بشأنها "دبلوماسية ودهاء" مما يزيد العابثين في غيّهم.
أضف إلى ذلك خطورة أن تستعمل وسائل العنف الرائجة في مجتمعنا كأدوات في الحملات (بل المعارك) الانتخابية لترهيب المنافسين وتسخين الأجواء وشحنها بالوعيد، مما ينذر بعواقب وخيمة إذا جرت الانتخابات المقبلة على نفس النماذج التي عهدناها وبالنوطات العالية والخطيرة. كما ويخشى أن يلعب المال والثروة دورا حاسما في كسب المؤيدين والموالين وشراء الذمم مما قد يشكل عاملا غالبا في حسم المنافسة لصالح أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء.
والوسيلة المقترحة لتطبيق نموذج القائمة المشتركة هي إقامة لجان حكماء محلية تسعى لتشكيل توافقات مبنية على توازن القوى والتمثيل للقطاعات المختلفة وفق المؤهلات والثوابت الوطنية والأهلية. كما وأدعو إلى بدء التداول والتوافق حول تحديد فترة تولي منصب رئاسة السلطات المحلية لفترتين فقط، دون وجوب تطبيق هذه القاعدة في الانتخابات القريبة نظرا لكونها جديدة، إذ ليس من المتبع تغيير قواعد وأنظمة اللعبة خلال جريانها، بل يجب التنويه بها والتوافق حولها قبل اعتمادها وتطبيقها فعلا.
ولا تغيب عن إدراكي الصعوبة القصوى والعقبات الجمّة التي ستواجه هذا المسعى. ولكن الممارسات التقليدية التي اعتدنا عليها قد أوصلتنا إلى حيث ما نحن فيه الآن. ولربما أنها تحمل في طياتها مخاطر وتحديات مصيرية لسلامة مجتمعنا ولمسيرة التقدم والتنمية المنشودة ماديا وفكريا ومعنويا.
ومن نافل القول إنه إذا كان قد تيسّر تدجين مطامح أعضاء الكنيست والسياسيين والأحزاب السياسية بمناسبة تشكيل القائمة المشتركة لخوض انتخابات الكنيست، فكل مهمة بعد ذلك في هذا السياق واردة وممكنة.
اضف تعقيب