الى عائلتي "أبو جابر"
مع خالص الحب!!!
الدكتور ابراهيم ابو جابر
حرت واحتار معي قلمي، زاغ بصري والتاع فؤادي؛ لا اعرف من اين ابدأ، وماذا اخط؛ ......والشاعر يقول: بلادي وان جارت عليّ عزيزة * واهلي وان ضنّوا عليّ كرام
أحبابي ،يا خير خلف لخير سلف:
ان عائلة ابو جابر هذه عائلة اصيلة جذورها، فلن ابالغ ان قلت انها - وهي فرع من "عشيرة الطوري" - من حيث مدينة النبي "صلى الله عليه وسلم" ،في الحجاز، معروفة منذ كان افرادها على قلّتهم مزروعين في اراضيهم في النقب، بطيبها وتسامحها، وعلاقاتها الحميدة مع جيرانها ، همّ كبارها كان المحافظة على افرادها وفلاحة الارض وتربية الحلال "المواشي"!!
سكنت العائلة بالأمس القريب في ربوع بلادنا العزيزة(وكل فلسطين عزيزة)، ارضنا الحبيبة العراقيب والفخاري اسرة واحدة ، شقا "ديوانا" واحدا، نفطر في رمضان على فراش واحد، وعلى صوت شاب من شبابنا من على ظهر تلعة الفخاري او ام الحجّارة حين يصيح "الصايم يفطر، الصايم يفطر" بعد سماعه صوت مدفع الافطار من غزة ،فنكسر الصيام ونفطر !!
بالأمس القريب تسابق افراد العائلة الكريمة على القروة "اقراء: اطعام الضيف" حين يأتي، ويفزعون صفا حين الفزيع ، ويدا واحدة في موسم الحصاد والدراس على الجرون!!
بالأمس القريب كان كل بيت يصله نصيبه صحنا من طبخات امهاتنا وجداتنا، خبيزه او فتيتة عدس او جريشة قمح، او فتيتة لبن مكسوة بالسمن !!
بالأمس القريب كان الناس يسقون حلالهم شراكة على بئر الفخاري او المليحة او الجغيلي او خويلفة او كحلة، أو من هرابة فريج ابن بري او ام الغزلان الخ !!
بالأمس القريب كان حلال العائلة يرتع ويسرح ويمرح معا، والرعيان لا يفارقهم صوت الشبابة او اليرغول ، ويلعب شباب العائلة السيجة وعظيم راح، والدسيسة، وحمره زقفه سويّة!!
بالأمس القريب كان كبير العائلة ان تكلم سكت الجميع صغيرا وكبيرا ،وان امر نفّذ امره وان نهى اطيع، له القول الاخير، وبيده بل بيد الكبار الحل والعقد في الجسام من الامور ،فكانوا كالنجوم في عتمة الليل!!
بالأمس القريب كان افراد العائلة، وقد كانوا قلّة ، يحيون اعراسهم ومناسباتهم بالدحيّة وسباق الخيل ،والسهرات الليلية، والعونة في ذبح الحلال واعداد طعام المعازيم .
عائلتي العزيزة:
ان كبارنا لو قاموا من قبورهم لقالوا :
*لقد اختلط عرقنا، وذرفت دموعنا، وتشابكت ايدينا في الحصيدة والعونة والحراث واقراء الضيف ، في الصقيرية وام سدرة، وتلعة الفخاري وتلعة ام الحجّارة، في العراقيب وام علق، في ام صوّانة والهرابيّة !!
*لقد هدمت الزوابع بل الريح المصري والشرقيّة خيامنا مرات ومرات ، وطار بعضها مع المعاصير مسافات ، واصبحنا بلا مأوى، نتنفس الغبار !!
*لقد ذقنا المر والمرار، وجعنا ليس قلّة من مال وانما لواقع الحال، اكلنا خبز الذرة والشعير، واليابس من الطعام، حتى قشر الموز والبرتقال اكلناه ،وحشيش الارض طبخناه!!
*لقد كان الماء اغلى شيء فقدناه ، فكانت نساؤنا وكنا نسهر على بئر الفخاري وغيره حتى الصباح لنشل الماء، لقد شربنا النظيف والعكر من الماء ، حتى ما اختلط بالدود من الظمأ ما عفناه!!
*لقد تعاونّا على الحلو والمر ، وتقاسمنا الرغيف ولقمة العيش، تعاونا في موسم الحراث والحصيدة والدراس، وعلى بناء الخيام والرحيل ،وقص صوف الحلال وحماية العرب من اللصوص وقطّاع الطرق!!
*لقد ذرفنا الدموع سوية على موتانا، ودفناهم بأيدينا جميعا، وحملناهم على اكتافنا كلنا الى مثاويهم ،الى مقبرة العراقيب واللقية والطلالقة!!
عائلتي الطيّبة:
فليعلم الجميع ، كل ابو جابر، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وانثاهم ،شيبهم وشبّانهم، انهم جميعا اعزاء، وفي الميزان سواء، وببعض رحماء، والى الاعتصام بحبل الله اوفياء، والله يقول: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، وانهم لقوله تعالى مدركون :"انما المؤمنون اخوة..".. فهم ان شاء الله اخوان متحابون ،وعلى الحق سائرون وللفتنة رافضون، ولقوله تعالى عارفون: "والفتنة اشد من القتل.."؛ وقوله جل وعلا: "ولا تنسوا الفضل بينكم" ؛ وانّ الحرام ما حرّمه الله والحلال ما احلّه الله، فقد كان هذا ديدن العائلة منذ أدركت.
طبت ايتها العائلة وطابت نفوس ناسك ، وابعد الله عنك الشر والشرور وباقي المسلمين، ورحم الله موتاك وموتى المسلمين وطيّب ثراهم ، ووفّق وجهاءك للخير والسير على ثرى المتوفّين من كبارك، وغفر الله للقرّاء والمستمعين وذويهم جميعا وجعلهم من نزلاء جنة النعيم!!!
قال تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" صدق الله العظيم
اضف تعقيب