X إغلاق
X إغلاق
الرئيسية | من نحن | أعلن لدينا | اتصل بنا | ارسل خبر      25/11/2024 |    (توقيت القدس)

في الذكرى السابعه لوفاة شقيقتها " مريم " 19.2.2011 ...19.2.2018 مريم قطعه من الروح 12.8.2015 أبي الروح بذاتها... لِمَن لا يعلم وجع الموت .. دعوا قلمي يخبركم .. بقلم : فاطمه عباس طه

من : قسماوي نت
نشر : 19/02/2018 - 14:41

في الذكرى السابعه لوفاة شقيقتها " مريم " 19.2.2011 ...19.2.2018 مريم قطعه من الروح 12.8.2015 أبي الروح بذاتها... لِمَن لا يعلم وجع الموت .. دعوا قلمي يخبركم .. بقلم : فاطمه عباس طه 

 

  عندما يموت عزيزٌ ، تمر ساعات الفراق الأولى بلا وعي ، و كأنك تصارع وهماً حقيقياً لدرجة الخيال ، فبين حياةٍ تعتبرها دائمة و طالما بقيت أنفاسك ، و بين موتٍ زارك فجأة فأفقدك من الأحبة واحداً ، تجد نفسك مضطراً للمواجهة، فلا مهرب اليوم .. ولا ملجأ من الحزن إلا ذلك الصبر الذي يلقيه الرب في قلوب البشر. تنقر زر هاتفك وتضغط على رقم الراحل منتظراً الإجابة، تستمع إلى رنين الهاتف بطيئاً موجعاً ، و بإحباطٍ ..

تنهي صافرةٌ كئيبة أمَلَك الواهي في سماع صوته، لتخبرك باستنفاذ فرصك ، قد يمسك على الجانب الآخر أحدهم بالهاتف، يهتز بين يديه ويطلق رنينه، باكياً مشوشاً يرفض أن يطلق رصاصة جديدة على قلبك ، ويتركك متعلقاً بحلمك ولو لبضع ساعات أخرى قبل أن يصدمك مشهد جسده يوارى بالتراب.

عاجزاً عن التصديق .. تحاول أن تتماسك ، تستقبل التعازي، ترد على الهاتف ، تبتسم مجاملاً ، تتأرجح بين واقعٍ يصفعك كل ثانيةٍ بالحقيقة .. و بين خيالٍ يريح قلبك من كل ما يحدث، تستسلم لهذا الاحساس تارةً ولذاك تارةً أخرى، تقلّب في ذاكرتك الصور لترى ضحكته مُبهِجة، وكأنه مازال هنا بلحمٍ ودم يكاد يخرج من الصورة، تتخيله نابضاً بالحياة التي فارقها للتو، تذرف دموعاً من دون عناء، يُنهِكُك البكاء والسهر وتُعييكَ مشاعر الفقد فتستسلم للنوم .. في نومك تُمَنّي نفسك بلقاءٍ ولو قصير ، تلملم فيه نفسك وتراجع ملامح من فقدت ، ما تلبث أن تستيقظ تداوي روحك بالنبش في رسائله الأخيرة حتى لو كانت شفهية ، تقرأها بشكل مختلف وكأنك لم تشاهدها او تسمعها من قبل، تعيد القراءة مرات عديدة، وتحفظ سطوراً بعينها .. وتعيد نسخها أمام عينيك و في مخيلتك ، تلوم نفسك على قسوتها أو تعاتبها على مواقف كانت عادية قبل ساعات او أيام ، تسند رأسك على حائط وتبكي بكاءً حارا، تتبادل معه حواراً لم يحدث، وتنتحب طلباً للقاءٍ أخير، وتنهي مناجاتك بدعاءٍ صادق بالرحمة .

تعيدك التفاصيل البسيطة الكثيرة إلى أيامٍ مرت، تتذكره في كل ما يحدث، تردد كلامه من دون أن تدري، تبحث في ملابسه وتشمها لعلك تجد ريحه ، تتسمر عند تلك الأشياء التي اختلفتَ معه فيها، و تتذكر تلك التي اتفقتما عليها أسماء الأطفال ولون جدران المنزل أو نوع السيارة أو تحديد مستقبل شهادة ، تتلمسه فيما حولك وتسمع ضحكاته تتردد في أذنيك، تلتفت فلا تجد أحداً ، تبكي حتى تشعر بالراحة وتناجي ربك طالباً الرد على تساؤلاتٍ تنهشُك ..تبدأ بـ لــمــاذا .

يُنازلكَ الزمن يومياً ، محاولاً جرّك تحت عجلاته، فلا تعرف هل يفعلها حباً فيك أم زيادةً في قهرك، تتابع عملك تهتم بشؤون أطفالك وتلتقي أصدقاءك، يحاولون حثّك على مقاومة الحزن، تعود ليلاً منهكاً تائهاً بين حياةٍ تدهسك سرعتها وموتٍ لم تستوعبه بعد ، فيخاصمك النوم، تُقلِّب في صوره مجدداً ، ولكن هذه المرة بتأنٍّ ، تبتسم وتتذكر متى كانت هذه وأين التقطت تلك، تشعر بوخزٍ في قلبك، تسترجع آخر ما كتب أو قال ، تقرأ بهدوء، تبكي بحرارة وتستسلم للنوم.

تعيش في حالةٍ لم تتوقعها، تحكي عنه ، تراقب ما يقوله الناس عنه ، تبحث في وجهوههم عما كان يحكيه عنهم، تنظر للسماء وتدرك أنه يراك تبتسم وتمضي في طريقك، عندما تستيقظ من نومك بعد زيارة خاطفة له في أحلامك ضاحكاً كما كنت تعرفه كإنه يعطيك هدية، تتسع ابتسامتك وتتأكد أنه يشعر بك، يقولون أن عطايا الموتى خير ، تتذكر الحلم وتحفظه في عقلك وتكرر البكاء من جديد. للموتِ هيبةٌ تستحق التأمل ، ولكن الغرق فيها هلاك، تتأرجح روحك بين رغبةٍ قوية في تقدير الموت والحزن على فراقكَ لمن رحل .. وبين حياتك التي يجب أن تستمر لأنها حبل سرّي لحياة آخرين، تتفكر في حكمة الرب بإبقائك حياً ، وتتمنى لو رحلت أنت وكل من تحب في ذات اللحظة، تتمهل قليلا، تسمع أنفاسك تتلاحق، تدرك أن هناك أسباباً خفية لكونك على قيد الحياة، تتضرَّع لربّك طالباً المزيد من الصبر. تتوالى الأيام وتتكرر أفعالك، تقلّ حدتها تدريجياً ، تحاول أن تقنع نفسك أنه لم يعد هنا مجدداً ، تشاهد هاتفه صامتاً وملابسه نظيفة ودولابه منظماً لدرجة الموت، تتعامل معه بصفته صديقك السماوي، الموجود في عقلك أنت والشاهد عليك في آن ، تستسلم للنوم ويعاود زياراته في منامك، تبحث عن تفسير لما جاء في الحلم، تطمئن عليه، تشعر أنك لم تخبره بالكثير من الأشياء التي كان يجب أن يعرفها، تكف عن التقليب في الصور أو النبش في الرسائل وتكتفي بالذكريات، تقرر أن تهديه كل يوم حكاية من تلك التي تمنى أن يسمعها منك، تسامح نفسك تدريجياً عن ذنوب لم تقترفها، تصادق الموت وتشعر به حولك ، تستأنسه .. فتكاد تراه يلاحقك ، تتفكر فيما يحدث حتى تعتاد الحياة مجدداً ، ولكنها حياة أخرى غير تلك التي عرفتها من قبل .. أو ربما لم تعد أنت كما كنت، وتصبح كأنك تعيش ميتاً ، أو تموت حياً

لارسال مواد واخبار لموقع قسماوي نت البريد: info@kasmawi.net

اضف تعقيب

ارسل