لا يناسبنا.. إلا كما ترون ! بقلم : فاطمة عباس
نظرتُ حولي وتأمَّلتُ فيما يجري من أحداث ومواقف، فوجدتُ أننا في أمسِّ الحاجة بأن نفهم مفردات في الحياة؛ تعريفاتها تملأ القواميس، لكننا نمارس مناقضاتها في معاملاتنا خلافًا لكل النواميس!
ولا يزال الفهمُ الصحيح هو بوابةَ السلوك السليم، لكننا إن لم نضع أرجُلَنا على طريق الاستقامة في التقدير، وتقرير المصير، فهذا يعني أنه سيستمر في التحكم بأفكارنا مَن يظن نفسه العلَّامةَ الفهامة المحترم القدير!
كل يوم نسمع مَن يتَّهِم رجلًا جريئًا أو امرأةً شجاعةً، بالوقاحة مرة، وبالتهور مرات، أو بأنهم يُلقون بأنفسهم في التهلكة، إذا ما وقفوا موقفًا قيميًّا واضحًا قويًّا، معتمدين في حكمهم على نصٍّ شرعي أو تأصيل ديني!
• فما الحد الفاصل بين الجرأة والوقاحة؟
• وما هو الرابط بين الجرأة والرجولة؟
قرَّاءنا الأعزَّاء، إنه لم يكن في تاريخنا أي إنجاز حقيقي وكبير، إلا وكانت الجرأة هي الدافع إليه والمحقق له.
فالجرأة هي القدرةُ على القول والفعل، حيث يضعف الآخرون ويتراجعون.
هي أن تأمر بالمعروف بمعروف، وتنهَى عن المنكر بمعروف أيضًا.
الجرأة هي الإقدام والشجاعة والمبادرة، هي الثقة بالنفس، والتعبير عما أنت مقتنع به، وإن كان مختلفًا عن الآخرين.
أن تعيش صاحبَ مبدأ، وتضحِّي من أجله، من جهدك، وتفكيرك، ووقتك، ومالك.
أن تملك الشجاعة لتبقى مستقيمًا، وإنِ اعوجَّ مَن حولك جميعًا.
هي المبادأة، وكم نفتقدها في هذه المرحلة الحسَّاسة!
والمبادأة أن تبدأ بخطوة يُفكِّر فيها كثيرون، لكنهم لا يجرؤون على تنفيذها والسير نحوها
الجرأة تساوي الرجولة - رجولة الصفات والأخلاق - وإن خيرَ ما تقوم به الصحافة والإذاعة، والمدرسة والجامعة، والمسجد والمركز: هو صياغة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز الفخم من الإنسان الجريء.
نعم، أولئك الذين تلِدُهم المواقفُ، هم أوتادُ الأفكار والمبادئ، بهم يثبت الناس على قيمهم، ومعهم يستنير طريق الحق أمامهم؛ جرأة في الصَّدْع بالحق، واستعداد للفداء والتضحية في سبيل المبدأ، صمود أمام الملهيات، واستعلاء في وجه المغريات، وثبات في الأزمات، لا تلهيهم تجارات، ولا يؤمنون بأنصاف الحلول والمساومات، الجرأة والرجولة وجهانِ لعملة البطولة! عقيدة راسخة، وفضائلُ ثابتة، وأخلاق راقية، وصدق بالوعد، وإيفاء بالعهد، وثبات وجهد.
أما الوقاحة، فهي عين التجرؤ على الرجال، وكِبْر مستفحل وعُجْب واستغلال، وضعف وقلة أدب وهزال، الوقحون هم المقصودون في قول الشاعر:
يُثقِلونَ الأرضَ مِن كثرتِهم ثُمَّ لا يُغْنونَ في أمرٍ جَلَلْ
يرفعون أصواتهم ويتطاولون، فتأتي المواقف لتكشف حقيقتهم فيتصاغرون وينكمشون، أما الرجال، أما الأبطال، فجرأة في التصرف السليم، وشجاعة في التفكير والتحليل القويم، ودرع من الأخلاق متين.
أيها القراء، أيتها القارئات، إن دينَنا لا يُناسبه إلا كما ترون من الشجاعة والجرأة، والرجولة والبطولة؛ فالعلماء والفقهاء، والحكماء والأدباء، والمربُّون والمسؤولون، هم أولى الناس وأول الناس ممن يجب أن يتَّصِفوا بهذه القيمة الإنسانية العظيمة، فما أطال الحذرُ والجبن عمرًا، ولا قصَّر في الأعمار جرأةُ بطل، رجال يُعرَفون بالحق، ويتحملون المسؤوليه بجرأة وصدق؛ من رجال ونساء: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ...دمتم في حفظ الله ورعايته
فاطمه العباس
اضف تعقيب