ومسلسل العاصوف (ومعناه الريح الشديدة) الذي كان من المفترض أن يبث عام 2017، مأخوذ من رواية الكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن الوابلي "بيوت من تراب"، وهو من إخراج السوري المثنى صبح، وبطولة عبدالله السناني وحبيب الحبيب وريم عبد الله وحمد المزيني وشمعة محمد ومها زين، ومن سوريا فادي صبيح ومديحة كنيفاتي.
ويتحدث المسلسل انطلاقا من قصة عائلة "سعد الطيان" عن مرحلة مفصلية في تاريخ السعودية بداية بحقبة السبعينيات التي ظهر خلالها نشاط لافت للتيار الذي عرف بالصحوة الدينية، وما تلاها من متغيرات اقتصادية واجتماعية ودينية وضعت رجال الدين في واجهة الحياة الاجتماعية في البلاد.
وقد ظهرت الإشارة إلى بواكير تلك الصحوة في الحلقة الثانية من العمل عبر "الشيخ سعيد" السوري (فادي صبيح) ومريديه، حيث النقاش عن أولوية تغيير الداخل أو الخارج وعلاقة ذلك بالصراع العربي الصهيوني (آنذاك) وتوسع الناصرية في تلك الحقبة.
|
ناصر القصبي: المسلسل حاول تبسيط العلاقات الإنسانية دون تكلف |
البداية الصدمة
يقارب مسلسل العاصوف بأجزائه الخمسة المنتظرة وحكايته عن السعودية منذ فترة السبعينيات تجربة دراما البيئة الشامية، ولا سيما بحضور مخرجه السوري المعروف المثنى صبح وعدد من الفنيين والتقنيين السوريين، لكن منتقدين للعمل يرون أنه يبرز سلبيات -وأحيانا "افتراءات"- عن البيئة السعودية، فيما برعت الدراما السورية في تصوير جماليات البلد والحقبة التي تعرض لها.
بالنسبة لعمل تأريخي، جاءت بداية المسلسل غير نمطية ومستفزة نفسيا واجتماعيا وأثارت الجدل الكبير -حتى إن كانت مبررة دراميا- إذ تضع امرأة مولودا جديدا على باب المسجد، تكشف الحلقة الثالثة أن الطفل قد يكون ثمرة علاقة محرمة أحد طرفيها "خالد" (ناصر القصبي) أو أحد إخوته.
ويؤكد القصبي أن العمل حاول تبسيط العلاقات الإنسانية بعيدا عن التكلّف، وجعل أحداثه واقعية وشخوصه طبيعيين، على حد تعبيره. لكن ردود الفعل على تويتر -وخصوصا في وسم "#ماكنّا_كذا-تصدرها رفض مثل هذه "الواقعية " والبداية التي "تتجنى على السعوديين وتاريخهم".
وطالب الكثير من المغردين بإيقاف عرض المسلسل الذي يصور -بحسبهم- مظاهر بغاء وخيانة تسيء إلى السعوديين والسعوديات، حيث يظهر "خالد" وهو يقيم علاقة مع جارته المتزوجة، فضلا عن مشاهد السفور التي ذكرها الكثير من السعوديين في انتقاداتهم.
الأكاديمية فاطمة لؤي باعمر قالت في تغريدة لها إن العمل "تحريف لتاريخ الأجداد وإظهار لهم بالصورة التي تريدهاالليبرالية من تبرج وتخلف وانعدام الغيرة، وكأن الإسلام أتى بالتبرج والصحوة أتت بالحجاب".
من جانبه، خاطب المدون ناصر العودة الممثل ناصر القصبي في تغريدة له قائلا: "#العاصوف.. قصدهم أن أجدادنا كانوا عيال شوارع ونشالين؟ إلى أين يالقصبي"، في إشارة إلى نشال محترف ظهر في الحلقة الأولى، ووجود كثير من الصبية يلعبون في الشوارع الترابية.
وفي المقابل، أشاد البعض بالمسلسل والحقبة التي يعرض لها والتي أطلقوا عليها اسم "أيام الطيبين"، معتبرين أنها أفضل بكثير من الوضع الذي تعيشه السعودية حاليا، ورأى البعض أن المسلسل يمثل "عودة إلى الصواب واجتثاثا للفكر التكفيري"، في علاقته بما يجري على أرض الواقع حاليا.
|
(رويترز) |
السياسي والديني والدرامي
واتخذت جل التعليقات وردود الأفعال طابعا انفعاليا منذ الحلقة الأولى، وبنيت على أسس أخلاقي وديني مع أو ضد، ولم تعرض للنسق الدرامي أو المستوى الفني أو التقني للعمل أو الديكور الضخم للمسلسل أو أداء الممثلين.
ومع غياب التقاليد السعودية عن إنتاج مسلسلات تاريخية وتناول مسائل متعلقة بتاريخ الدولة السعودية -إلا لمحات فكاهية للقصبي وسدحان- يمكن فهم الجدل الكبير حول ما طرحة العمل، كما أن المتغيرات الاجتماعية والدينية والسياسية الراهنة للمملكة كفيلة بتأجيج هذا الجدل.
وبالنسبة للمحافظين في السعودية، فإن ناصر القصبي يعد من رموز التيار الليبرالي في المملكة، وقد عرف بانتقاده لتيار الصحوة وممارسات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المجمدة حاليا)؛ لذلك يرون أن عمله الجديد يأتي في إطار توجهات ابن سلمان لتغيير بنية المجتمع.
واعتبر ابن سلمان في تصريح له أن "حالة غير عادية وغير طبيعية" دخلت على المجتمع السعودي، في إشارة إلى الصحوة وما وصفه بالإسلام غير المعتدل، متعهدا "بتحريرها من تلك الحقبة" وإعادة السعودية إلى ما كانت عليه قبل ثلاثين عاما؛ وهي الحقبة التي يتحدث عنها "العاصوف".
وشن ابن سلمان اعتقالات طالت عددا من كبار المشايخ والدعاة ممن يحسبون على "الصحوة"، منهم الشيخ سلمان العودة وعوض القرني وغيرهما، في إطار توجهه الانفتاحي.
ولعل مجيء مسلسل "العاصوف" في غمرة هذه الحملة وبمفردات درامية وفنية جديدة وغير معهودة في المشهد الدرامي السعودي وعن حقبة معتمة نسبيا، وضعته في خانة الأعمال المبشرة بهذا التغيير، كما وضعته ونجمه ناصر القصبي في فوهة الانتقادات.
اضف تعقيب