الخميس 22 رمضان المبارك، الذكرى الرابعة لرحيل طيبة الذكر المربية الفاضلة مديرة ومؤسسة دار الارقم – الحاجة نوال مـحمد صرصور رحمها الله.

الخميس 22 رمضان المبارك، الذكرى الرابعة لرحيل طيبة الذكر المربية الفاضلة مديرة ومؤسسة دار الارقم – الحاجة نوال مـحمد صرصور رحمها الله.

هنيئاً لمن يختم القرآن إحدى وعشرين ختمةً, ويلاقي الله بعد يومين صائماً.

عذراً على هذه الفاتحة الم شاعرية التي تثلج القلب ونحن نراجع صفحات التاريخ, حينما خيّم علينا بالقدر ليصطفي من بيننا أغلى واعز الناس المربية والاخت العزيزة نوال, وما ادراك من هي نوال ؟؟

انسانة في ذروة البساطة والتواضع, في اوج العطاء والسخاء, في اعلى مراتب العلم والوعي والتعامل والرقي والانسانية والاخلاق الحميدة.

ها هي الذكرى الرابعة تمر مثل الامس, وكأنها لحظة هامسة عابرة, دون اربع سنوات, اصطفاها الله لتكون في جواره وهي على اتم التأهب والاستعداد, حينما ختمت القرآن الكريم وهي صائمة لربها إحدى وعشرين ختمة في اليوم التاسع عشر من رمضان, وذلك حينما خرجتُ معها الى المستشفى لإجراء فحص بسيط, حيث مشاعر الحزن والانهيار تلوح في وجهها حين خرجتُ معها من بيتها بسيارتي الخاصة والدموع الطفيفة تجول في عيونها, لتصارحني في الطريق انها لن تعود الى البيت, وهذا هو احساسها العارم بأنَّ خروجها من بيتها ما هو إلا خروج من هذه الحياة الفانية, وأنها سوف تعود من المستشفى الى ربها مباشرةً.

حينما خرجنا من البيت بعد صلاة العصر, طلبت مني ان اوصلها الى حماتها ام مجد, والى والدتي, حيث قامت بتقبيل يديها والمسامحة والدعاء, مؤكدة لهنَّ انها على العهد والوعد لملاقاة الله.

ساعات قبل العملية الجراحية, اتصلت بي وبالتحديد قبل الافطار بساعة, طلبت من احضار بعض اجواز الصبر فيما لو كان عندي في البيت, توجهت الى حقل الصبر خلف بيتي وقطفت لها دلواً كاملاً, وقمتُ بتنظيفه واعداده, ووضعهُ في الثلاجة, وبعد الافطار توجهت لزيارتها فأكلت منه واطعمت طاقم الاطباء والممرضات, ومع ذلك لا زالت علامات الحزن تطفو على وجهها.

هكذا كانت النهاية وحسن الخاتمة, ساعات بعد العملية الجراحية لتستيقظ على صوت دعاء محبيها في غرفة الانعاش الذي احف الغرفة بالدعاء والقرآن على رأسها, لتستيقظ وتنظر يميناً وشمالاً, وهي تقول: لا اله الا الله, محمد رسول الله, ولتقرأ قوله تعالى في سورة يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

وهكذا شاء الله عز وجل للقدر ان يصطفيها يوم الاحد الموافق 22 رمضان, لتعلوا روحها الى بارئها مع تمام دقات الساعة السادسة وخمسٍ وثلاثين دقيقة قبل الافطار وهي صائمة الى ربها  ولتشيّع في جنازةً مهيبة بعد صلاة التراويح بعد أن التم حول جثمانها الطاهر المئات من محبيها لإلقاء نظرة الوداع والفراق الاخيرة.

اربع من السنوات مرّت مثل لمح البرق, وكأن الوفاة بالامس, فلم يكن في الذهن والخاطر هذا الفراق المبجل الذي ترك في نفس محبيها الاثر العميق والكسر الحزين.

تلك هي انسانة عرفها كل محبيها بحكمتها وصبرها واخلاقها وتواضعها ودينها, كانت بحراً من الحكمة والمواعظ, كم كانت تردد عبارات دينية نفسية واقعية لها صداها الخاص في بناء النفس وسيرورة حياتها, عباراتٌ لرجال الدين والأدب مثل الامام الشافعي والامام الشعراوي رحمهم الله, حيث كانت تردد مقولاتهم الشهيرة مثل:

عليك بتقوى الله ان كنت جاهلاً – يأتيك بالارزاق من حيث لا تدري.

فكيف تخاف الفقر والله رازقٌ – وقد رزق الاطيار والحوت في البحر. (الامام الشافعي)

لا تحزن على شيء فقدته, فربما لو ملكته لكان الحزن اكبر , والخير فيما اختاره الله لك. (الامام الشعراوي)

ليس الموت اعظم المصائب, بل المصيبة ان يموت الامان والخوف من الله في قلبك. (الامام الشعراوي)

اذا وصلتك فضيحةٌ لاحدٍ فاجعلها تقف عندك ولا تتعداك فإن وقفت عندك اخذت اجر الستر, ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والاخرة (الامام الشعراوي)

اليد التي تمتد اليك وتنشلك وترفعك عن الارض حينما تقع وتتعثر قدماك خيرٌ لك من الف يدٍ تصافحك وتبتسم في وجهك مع أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: تبسمك في وجه اخيك صدقة. فهنالك من الاصدقاء من تصادقه عقوداً من الزمن ولم يحرك بك ساكناً, وهنالك من الاصدقاء والشخصيات تصادقها وتتعرف عليها من اول وهلةٍ قد تغير مجرى حياتك ونمو تفكيرك وتعاملك مع نفسك ومحيط حياتك, بل وتقلب موازين ذاتك وتفكيرك المئات من الدرجات. (جبران خليل جبران)

اعلم انك حينما تقع في الهاوية والعجز والضيق أنَّ ارادتك وعزيمتك هي الوحيدة التي تخلصك مما انت فيه, فكن واثقاً بنفسك واعلم ان الفرج من الله.

هذه عباراتٌ قيمة لا تصدر إلّا من انسانةٍ واعية تعلمت وعلمت غيرها العبر والمعاملة الحسنة وغرستها في نفوس الاخرين قيماً ومبادئاً عاشت وماتت عليها مع انها عاشت في محيطٍ من التعب والمعاناة رحمها الله.

وهكذا طوى التاريخُ صفحةً من صفحاته ولتبقى في رحيلها عنواناً براقاً لمجلدات التاريخ.

رحمك الله يا اغلى انسانة, من اخيك المحب

د. آدم مـحمد بدير

22 رمضان 2018