قبل أشهر من اندلاع الحرب الأهلية الأميركية والتي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 600 ألف قتيل، عاشت الولايات المتحدة على وقع حادثة فريدة من نوعها، ففي حدود سنة 1859 أعلن أحد المواطنين الأميركيين القاطنين بمدينة سان فرانسيسكو نفسه إمبراطورا على الولايات المتحدة الأميركية.
ونشرت صحف مدينة سان فرانسيسكو خبرا مذهلا يوم السابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1859، مفاده أنه ومن خلال مرسوم رسمي أعلن مواطن أميركي يدعى جوشوا نورتون نفسه إمبراطورا على الولايات المتحدة قبل أن يلقّب نفسه بنورتون الأوّل.
وفي مطلع خمسينيات القرن التاسع عشر، كان جوشوا نورتون واحدا من أهم أثرياء سان فرانسيسكو، لكن وإثر مراهنته على عدد من الصفقات الفاشلة خسر ثروته سنة 1853، واختفى عن الأنظار عدة سنوات قبل أن يعاود الظهور سنة 1859 معلنا نفسه الإمبراطور الشرعي للولايات المتحدة الأميركية.
وبناء على تحاليل الأطباء النفسانيين المعاصرين، عاش جوشوا نورتون على وقع صدمة حقيقية بسبب إفلاسه وبالتزامن مع فقدان ثروته فقد الأخير قدراته العقلية.
وكان الإمبراطور نورتون الأول يرتدي أثناء التقاط الصور الرسمية، ثيابا عسكرية، ويتسلّح بسيف. وبفضل ذلك حظيت صوره بجاذبية كبيرة.
ولم يتردد جوشوا نورتون في التجول لفترات طويلة بين مختلف شوارع سان فرانسيسكو ليسأل عن أحوال رعيّته، كذلك لم يتردد أهالي المدينة بالانحناء تبجيلا له أثناء مروره.
و لم تتوقف غرائب الإمبراطور عند هذا الحد، بل أقدم على صك عملة ورقية بعد أن وافقت إحدى المطابع المحلية على طباعتها من أجله. لكنها كانت عملة بلا قيمة، ولهذا السبب وإثر تعاطف الأهالي معه تناول نورتون الأول وجبات طعامه بلا مقابل عند أفخم مطاعم سان فرانسيسكو.
وفي لقطة مضحكة، وضعت سلطات المدينة عبارة إمبراطور أمام مهنة جوشوا نورتون على وثائقه الرسمية.
بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهلية الأميركية، أمر جوشوا نورتون بإقالة جميع المسؤولين السياسيين بالبلاد، وأعلن نفسه الحاكم المطلق. ومع بداية الحملة العسكرية الفرنسية على المكسيك اتخذ الإمبراطور قرارا جديدا أضاف من خلاله لقب حامي المكسيك إلى نفسه.
فيما عانى نورتون الأول منذ تتويج نفسه إمبراطورا من ويلات الفقر، ولهذا السبب لم يتردد العديد من المتساكنين في تقديم المساعدات المالية إليه على شكل ضرائب.
وتدريجيا، تحوّل جوشوا نورتون إلى رمز من رموز مدينة سان فرانسيسكو، فمع قدوم إمبراطور البرازيل بيدرو الثاني لزيارة المنطقة، قدم الأهالي نورتون الأول لمصافحة إمبراطور البرازيل كنوع من أنواع اللقاءات التقليدية بين الأباطرة.
وفي يوم الثامن من شهر يناير/كانون الأول سنة 1880، فارق نورتون الأول الحياة عن عمر يناهز 61 سنة عقب إصابته بسكتة دماغية.
وتناقلت كبرى الصحف الأميركية مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، خبر وفاته وجنازته الرائعة التي حضرها حوالي 10 آلاف شخص.
إلى ذلك، تحولت قصة نورتون الأول خلال السنوات التي تلت وفاة الإمبراطور إلى مصدر إلهام العديد من الروائيين والمؤلفين، على رأسهم المؤلف والكاتب الأميركي مارك توين الذي استغل هذه الشخصية الفريدة في رواية مغامرات هكلبيري فين.
اضف تعقيب