قراءة على هامش الذكرى ال-62 لمجزرة كفر قاسم
بقلم المهندس وليد عمر عصفور
في هذا العام تحل علينا ذكرى مجزرة كفر قاسم ال- 62 في ظل اجواء الانتخابات للسلطات المحلية وهنا لابد من التأكيد على ضرورة الحفاظ على المنافسة البناءة دون أن يمس ذلك بقدسية يوم الذكرى الذي فيه الشهداء يوحدوننا في صون يوم الذكرى وتخليد ذكراهم وتخليد كل من ساهم من كفر قاسم ومن خارجها في العمل على كسر التعتيم وفضح المجزرة واحداثها وأهدافها وترسيخ معالم يوم الذكرى وبناء النصب التذكاري رغم معارضة السلطات الشرسة , والتي عمدت الى طي ملف المجزرة بصلحة المهزلة وكأنها حادث طرق عابر وانتهى بدفع تعويضات مالية بخسة لذوي الشهداء والجرحى.
وهذه الذكرى الأولى التي تأتي وقد غيب الموت المناضل عمر العصفور , والذي لطالما ارتبط اسمه بذكرى المجزرة واحيائها ,وكانت عائلة الفقيد قد أصدرت كتابا على شرف الاجتماع التأبيني لذكراه في شهر آب من هذه السنة للوقوف عند سيرته المشرفة ,
والذي ومنذ الأيام الأولى بعد وقوع الجريمة بدأ يوثق ويجمع الشهادات من الناس والجرحى ليصبح وبحق العنوان الرئيسي لتوثيق تاريخ المجزرة وحيثياتها وجامع تاريخ كفر قاسم ,وحينما تسلل القائد توفيق طوبي ورفيقه مايرفلنر من الحزب الشيوعي الى كفر قاسم برغم الحصار عليها كان عمر عصفور العنوان الرئيسي لهم , ليعدوا الوثيقة التاريخية لفضح معالم الجريمة في 23-11-1956 .وقد اعتمد على مخطوطاته العديد من الكتاب الذين كتبوا عن مجزرة كفر قاسم لاحقا.
ومنذ السنة الأولى عمدت السلطات على منع احياء الذكرى في كفر قاسم وخارجها , وعملت جاهدة وباستغلال عملائها على افشال الاضراب في يوم الذكرى الأول عام 1957 الذي أعلنه الحزب الشيوعي والقوى الوطنية والمناهضة للظلم في البلادخاصة في الناصرة وشفاعمر وأم الفحم والطيبة وفي كفر قاسم نفسها , وليمتصوا غضب الأهالي في كفر قاسم ولتدارك الأمر أقدموا في ذلك اليوم ا على عقد اجتماع في المسجد بحضور زلم الهستدروت ورجالات السلطة ليقدموا الوعود بمد شبكة مياه وربط كفر قاسم بشبكة الكهرباء مقابل مسامحة السلطات في دم الشهداء وعدم احياء الذكرى وكسر الاضراب واغلاق كفر قاسم أمام " الغرباء" ممن قدموا للتضامن مع أهالي كفر قاسم .وقد بالغت السلطات في اهانة أهالي كفر قاسم وشهدائها لدرجة انهم أجبروا المدارس أن تفتح أبوابها في يوم الذكرى وتواجد المعلمين فيها وحتى وصلت الوقاحة باجبارهم على احضار الطلاب من بيوتهم خاصة في أيام الذكرى في السنوات الأولى حتى عام 1962 , وللأسف غرروا ببعض العملاء لمحاولة منع الاضراب وافشال المسيرة في أيام الذكرى..!
لكن مشيئة الله كانت وما زالت أكبر من مؤامراتهم المهينة حيث سخرت بعض الشباب ليبادروا في السنوات التالية على احياء يوم الذكرى , وفي المقابل كثفت السلطات وعملائها ممارساتهم ضد الشباب ليجهضوا نشاط معظمهم بالتهديد والوعيد من جهة وبالاغراءات بالوظائف من جهة أخرى. وفي تلك الظروف ظهرت على الساحة مجموعة الرعيل الأول من المناضلين من أصدقاء الحزب الشيوعي المرحومين : عمر عصفور –أبو ناصر , صالح خليل – أبو الوليد , محمد داوود – أبو عدنان , عبد الله داوود - أبو عازم , محمد خميس – أبو بترس , عبد الله عوض الله – أبو العلا , هؤلاء حملوا راية يوم الذكرى باصرارمتحدين للحكم العسكري البغيض ومستعدون للتضحية ودفع الثمن لتبقى الذكرى حية , وقد توج نشاطهم بالذكرى العاشرة عام 1966 التي تميزت بمسيرة النعش المجلل بالسواد وفيها تعالت الهتافات والصراخ في وجه الظلام , وتترسم معالم يوم الذكرى كما شهدناها الى يومنا هذا.
وقد انضم اليهم الاخوة محمود النفيسة , عبد الله نمر –ابو ناشد , محمود العزات , الرسام عبد التمام ,يوسف العبد و المرحوم صالح السعادة.
وقد جن جنون السلطة في حينه لتكثف في السنة التالية عام 1967 من ممارساتها القمعية لوأد يوم الذكرى وتضع تركيزها على المناضل عمر عصفور كونه العصب الرئيسي والقائد لمجموعة المناضلين , وتمارس عليه الضغوط من خلال وجهاء كفر قاسم وحتى بالاغراءات بوظيفة مرموقة ولكن دون جدوى , ليواصل فتح بيته ودكانه المتواضع للشباب الذين عملوا لتحضير اللافتات والأكاليل والشعارات والكتابات ليوم الذكرى ,( في الوقت الذي ساد فيه الخوف بين الناس من كيد السلطات , (فحتى مجرد تحضير اكليل من الورد للشهداء كان يعتبر جريمة يعاقبوا عليها ), مما حدى بالسلطات الى اصدار امر النفي بحق عمر عصفور عشية يوم الذكرى , ولكن كل ذلك لم ينال من عزيمته , فيغير من تكتيكه في السنوات التالية ويفاجئهم صبيحة يوم الذكرى يقود المسيرة مع رفاقه مواصلين مشوار التحدي . الى أن رضخت السلطات وسلمت بيوم الذكرى حيث سمحت للمجلس المحلي المشاركة في يوم الذكرى في عام 1970 , وفيما بعد اصبح المجلس المحلي يتبنى يوم الذكرى , ولكن المعركة لم تنته ليتجدد الفصل الثاني منها بمواصلة الكفاح من أجل اقامة النصب التذكاري , لتتبلور الفكرة العملية لذلك في لقاء لرفاق الدرب في 9-05-1976 في الغابة الحمراء قرب بلدة أبو غوش يوم عيد النصر على النازية حضره الرفاق غازي شبيطة–أبو وهيب سكرتير منطقة الحزب الشيوعي في المثلث انذاك والرفيق عوزي بورشطين من اللجنة المركزية للحزب ومن كفر قاسم المناضل عمر عصفور ورفاقه محمد داوود-أبو عدنان ومحمود النفيسة وعبد الله نمر-أبو ناشد . هؤلاء عقدوا العزم على المبادرة باصرار, وبفضل الزخم الثوري لجماهيرنا في ظل هبة يوم الأرض المجيد , والعمل على اقامة النصب التذكاري في ذلك العام مهما سيكلف الأمر ,ورغم محاولة السلطات التعطيل والعرقلة الا أن اصرار الرفاق والالتفاف الجماهيري حولهم ومشاركة القوى الديمقراطية اليهودية أثمر بتحقيق هذا الهدف السامي في يوم الذكرى ال-20عام1976في فترة الرئيس عبد الله الحج موسى –أبو كمال , ليصبح النصب التذكاري حقيقة , مع اقامة مهرجان غير مسبوق في كفرقاسم في ذلك اليوم حضره الألوف من جماهيرنا من المثلث والجليل والقوى التقدمية من الوسط اليهودي.
وفي السنوات التالية اصبح يوم الذكرى والنصب التذكاري حقيقة واقعة بالاضافة الى افتتاح متحف الشهداء في الذكرى ال-50 عام 2006 في فترة الرئيس سامي عيسى , ومؤخرا افتتاح بانوراما الشهداءفي الذكرى ال-60 عام2016 في عهد الرئيس عادل بدير , لتعكس وتجسد ارادة أهالي كفر قاسم وشهدائها , وانتصارهم على أجندة السلطات لطمس معالم المجزرة ونسيانها.
ويتعزز هذا الانتصار هذه السنة في ظل الاعترافات التي نشرتها مؤخرا صحيفة هآرتس على لسان المجرم شدمي الذي ارتبط اسمه بمجزرة كفر قاسم والذي زال عن الوجود قبل حوالي شهر .ففي موقع الصحيفة الألكترونيسردوا سيرة حياته مع اظهاره في صور مع عائلته وأبنائه وأحفاده , يمارس حياة اعتيادية بعيدا عن دوره الملطخ بدماء شهداء كفرقاسم.
شدمي مع أفراد عائلته...!
وهنا يستوجب السؤال عن هؤلاء الشهداء وماذا عنهم وعن عائلاتهم , واتخيل صورهم مع عائلاتهم , أبنائهم وأحفادهم الذين منعتهم من ذلك الحق الطبيعي يد الغدر والاجرام في 29-10-1956 من قبل شدمي والمسؤولين عنه وجنودهم. وعادت صحيفة هآرتس لتنشر في ملحقها الأسبوعي مقالا مطولا عن يسخارشدمي ولكن هذه المرة للصحفي عوفر أدرت معنونا " لقد كانت محكمة مبيوعة" : الاعتراف الأخير لقائد القطاع في مجزرة كفر قاسم –يسخارشدمي.
هذا الصحفي أجرى لقاء مطولا مع شدمي في السنة الماضية وفيه يعترف شدمي وبصوته بما كنا نقوله دائما أن المسؤولية عن مجزرة كفر قاسم لا تقتصر فقط عليه وعلى الجنود القتلة وقائدهم ملينكي انما تقع أيضا على القيادة العليا في دولة اسرائيل وجيشها من رئيس الحكومة بن غوريون , ورئيس الأركان موشيه ديان وقائد لواء المركز في حينه تسفي تسور .
وكذلك يستشهد هذا الصحفي بما قام به مؤخرا المؤرخ الشاب آدم راز من بحث وتأليف كتاب جديد عن حيثيات مجزرة كفر قاسم التاريخية –من وجهة نظر سياسية وتحديدا ابراز" مخطط الخلد" لتهجير عرب المثلث حيث عملت كل المنظومة لتنفيذه تحت غبار العدوان الثلاثي على مصر من خلال اقتراف المجازر في كفر قاسم وباقي قرى المثلث .
وفي الحقيقة فانه بناء على ما ورد في هآرتس فان الباحث آدم راز لا يأتي بالجديد لنا في كفر قاسم ولجماهيرنا بما يخص الجانب السياسي لأننا ومنذ البداية قلنا هذه الحقائق عبر الوثيقة التاريخية للرفاق طوبي-فلنر التي كانت الشرارة الأولى في كشف وفضح هول المجزرة وأبعادها على الملأ, ومرورا بالكتاب الذي أصدره الكاتب الكبير الرفيق أميل حبيبي على شرف الذكرى ال-20 عام 1976 تحت عنوان – كفر قاسم المجزرة السياسية وكذلك ما ورد في كتاب روبيك روزنطال عام 2001 حول مخطط الخلد , بالاضافة الى ما كتبه الكاتب يوسف الغازي ونجله المؤرخ جادي وآخرون حول حيثيات المجزرة .
ولكن من جهة اخرى نعم فان ادم رازيضع الحقائق من جديد أمام قوى اليسار الصهيوني وجماهيرها في المجتمع الاسرائيلي وكيف سيعيشون مع حقيقة أن المسؤولية عن المجزرة تطال من هو بنظرهم الأب الروحي للدولة ...والمطلوب من ادم راز وزملائه تكثيف ظهورهم بالذات في الوسط اليهودي في مختلف المحافل , وهذا سيشكل لهم ولجمهورهم تحدي كبير خاصة في ظل الاعتراف الأخير على لسان شدمي , والذي ربما أراد من خلال ذلك تنقية ما تبقى لديه من ضمير ويعترف أنه كان قدم نفسه حاجزا يمنع رفع المسؤولية عن المجزرة الى كبار المسؤولين , وقد فشل تنفيذ مخطط "الخلد" بفضل صمود الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والشعب المصري أمام العدوان الثلاثي في حينه.
في ظل هذا الاعتراف يصبح الشعار الذي طالما نادينا به بطلبنا من المؤسسة الحاكمة في الدولة الاعتراف بالمجزرة أكثر واقعيا ويجب أن يترتب عليه المطالبة باعادة المحكمة ومقاضاة كل المسؤولين حتى لو كانوا أموات , وهذا من أجل احقاق العدالة للضحايا وذويهم وبلدهم وشعبهم من جهة ولو كان متأخرا , ومن أجل ضمان عدم تكرار مثل هذه الجريمة!!!
وكذلك الاعتراف بالاجحاف والظلم والاضطهاد الذي مارسته السلطات بحق كل من رفع صوته لفضح الجريمة ولصنع يوم ذكرى شهداء كفر قاسم من أبناء كفر قاسم ومن خارجها...!
وهي الارادة الربانية شاءت أن يطول عمر شدمي ( 96 عام ) , ليشهد بأم عينه كيف تحولت كفر قاسم بلد الشهداء الذين كان وراء قتلهم الى مدينة رائدة وهي الآن مركز البلاد حيث فيها يلتقي أكبر الشوارع في اسرائيل( شارع 5 , شارع 6), وليأتي قبل زواله بهذه الاعترافات
ولتعلوا الآن البسمة على محيا شهدائنا الذين " هم أحياء عند ربهم يرزقون"."
فَرِحِينَ بِمَآ آتاهمٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا"" .
وقمة الفرح هي من نصيب الذين يضحكوا في الأخير.
قراءة على هامش الذكرى ال-62 لمجزرة كفر قاسم
بقلم المهندس وليد عمر عصفور
في هذا العام تحل علينا ذكرى مجزرة كفر قاسم ال- 62 في ظل اجواء الانتخابات للسلطات المحلية وهنا لابد من التأكيد على ضرورة الحفاظ على المنافسة البناءة دون أن يمس ذلك بقدسية يوم الذكرى الذي فيه الشهداء يوحدوننا في صون يوم الذكرى وتخليد ذكراهم وتخليد كل من ساهم من كفر قاسم ومن خارجها في العمل على كسر التعتيم وفضح المجزرة واحداثها وأهدافها وترسيخ معالم يوم الذكرى وبناء النصب التذكاري رغم معارضة السلطات الشرسة , والتي عمدت الى طي ملف المجزرة بصلحة المهزلة وكأنها حادث طرق عابر وانتهى بدفع تعويضات مالية بخسة لذوي الشهداء والجرحى.
وهذه الذكرى الأولى التي تأتي وقد غيب الموت المناضل عمر العصفور , والذي لطالما ارتبط اسمه بذكرى المجزرة واحيائها ,وكانت عائلة الفقيد قد أصدرت كتابا على شرف الاجتماع التأبيني لذكراه في شهر آب من هذه السنة للوقوف عند سيرته المشرفة ,
والذي ومنذ الأيام الأولى بعد وقوع الجريمة بدأ يوثق ويجمع الشهادات من الناس والجرحى ليصبح وبحق العنوان الرئيسي لتوثيق تاريخ المجزرة وحيثياتها وجامع تاريخ كفر قاسم ,وحينما تسلل القائد توفيق طوبي ورفيقه مايرفلنر من الحزب الشيوعي الى كفر قاسم برغم الحصار عليها كان عمر عصفور العنوان الرئيسي لهم , ليعدوا الوثيقة التاريخية لفضح معالم الجريمة في 23-11-1956 .وقد اعتمد على مخطوطاته العديد من الكتاب الذين كتبوا عن مجزرة كفر قاسم لاحقا.
ومنذ السنة الأولى عمدت السلطات على منع احياء الذكرى في كفر قاسم وخارجها , وعملت جاهدة وباستغلال عملائها على افشال الاضراب في يوم الذكرى الأول عام 1957 الذي أعلنه الحزب الشيوعي والقوى الوطنية والمناهضة للظلم في البلادخاصة في الناصرة وشفاعمر وأم الفحم والطيبة وفي كفر قاسم نفسها , وليمتصوا غضب الأهالي في كفر قاسم ولتدارك الأمر أقدموا في ذلك اليوم ا على عقد اجتماع في المسجد بحضور زلم الهستدروت ورجالات السلطة ليقدموا الوعود بمد شبكة مياه وربط كفر قاسم بشبكة الكهرباء مقابل مسامحة السلطات في دم الشهداء وعدم احياء الذكرى وكسر الاضراب واغلاق كفر قاسم أمام " الغرباء" ممن قدموا للتضامن مع أهالي كفر قاسم .وقد بالغت السلطات في اهانة أهالي كفر قاسم وشهدائها لدرجة انهم أجبروا المدارس أن تفتح أبوابها في يوم الذكرى وتواجد المعلمين فيها وحتى وصلت الوقاحة باجبارهم على احضار الطلاب من بيوتهم خاصة في أيام الذكرى في السنوات الأولى حتى عام 1962 , وللأسف غرروا ببعض العملاء لمحاولة منع الاضراب وافشال المسيرة في أيام الذكرى..!
لكن مشيئة الله كانت وما زالت أكبر من مؤامراتهم المهينة حيث سخرت بعض الشباب ليبادروا في السنوات التالية على احياء يوم الذكرى , وفي المقابل كثفت السلطات وعملائها ممارساتهم ضد الشباب ليجهضوا نشاط معظمهم بالتهديد والوعيد من جهة وبالاغراءات بالوظائف من جهة أخرى. وفي تلك الظروف ظهرت على الساحة مجموعة الرعيل الأول من المناضلين من أصدقاء الحزب الشيوعي المرحومين : عمر عصفور –أبو ناصر , صالح خليل – أبو الوليد , محمد داوود – أبو عدنان , عبد الله داوود - أبو عازم , محمد خميس – أبو بترس , عبد الله عوض الله – أبو العلا , هؤلاء حملوا راية يوم الذكرى باصرارمتحدين للحكم العسكري البغيض ومستعدون للتضحية ودفع الثمن لتبقى الذكرى حية , وقد توج نشاطهم بالذكرى العاشرة عام 1966 التي تميزت بمسيرة النعش المجلل بالسواد وفيها تعالت الهتافات والصراخ في وجه الظلام , وتترسم معالم يوم الذكرى كما شهدناها الى يومنا هذا.
وقد انضم اليهم الاخوة محمود النفيسة , عبد الله نمر –ابو ناشد , محمود العزات , الرسام عبد التمام ,يوسف العبد و المرحوم صالح السعادة.
وقد جن جنون السلطة في حينه لتكثف في السنة التالية عام 1967 من ممارساتها القمعية لوأد يوم الذكرى وتضع تركيزها على المناضل عمر عصفور كونه العصب الرئيسي والقائد لمجموعة المناضلين , وتمارس عليه الضغوط من خلال وجهاء كفر قاسم وحتى بالاغراءات بوظيفة مرموقة ولكن دون جدوى , ليواصل فتح بيته ودكانه المتواضع للشباب الذين عملوا لتحضير اللافتات والأكاليل والشعارات والكتابات ليوم الذكرى ,( في الوقت الذي ساد فيه الخوف بين الناس من كيد السلطات , (فحتى مجرد تحضير اكليل من الورد للشهداء كان يعتبر جريمة يعاقبوا عليها ), مما حدى بالسلطات الى اصدار امر النفي بحق عمر عصفور عشية يوم الذكرى , ولكن كل ذلك لم ينال من عزيمته , فيغير من تكتيكه في السنوات التالية ويفاجئهم صبيحة يوم الذكرى يقود المسيرة مع رفاقه مواصلين مشوار التحدي . الى أن رضخت السلطات وسلمت بيوم الذكرى حيث سمحت للمجلس المحلي المشاركة في يوم الذكرى في عام 1970 , وفيما بعد اصبح المجلس المحلي يتبنى يوم الذكرى , ولكن المعركة لم تنته ليتجدد الفصل الثاني منها بمواصلة الكفاح من أجل اقامة النصب التذكاري , لتتبلور الفكرة العملية لذلك في لقاء لرفاق الدرب في 9-05-1976 في الغابة الحمراء قرب بلدة أبو غوش يوم عيد النصر على النازية حضره الرفاق غازي شبيطة–أبو وهيب سكرتير منطقة الحزب الشيوعي في المثلث انذاك والرفيق عوزي بورشطين من اللجنة المركزية للحزب ومن كفر قاسم المناضل عمر عصفور ورفاقه محمد داوود-أبو عدنان ومحمود النفيسة وعبد الله نمر-أبو ناشد . هؤلاء عقدوا العزم على المبادرة باصرار, وبفضل الزخم الثوري لجماهيرنا في ظل هبة يوم الأرض المجيد , والعمل على اقامة النصب التذكاري في ذلك العام مهما سيكلف الأمر ,ورغم محاولة السلطات التعطيل والعرقلة الا أن اصرار الرفاق والالتفاف الجماهيري حولهم ومشاركة القوى الديمقراطية اليهودية أثمر بتحقيق هذا الهدف السامي في يوم الذكرى ال-20عام1976في فترة الرئيس عبد الله الحج موسى –أبو كمال , ليصبح النصب التذكاري حقيقة , مع اقامة مهرجان غير مسبوق في كفرقاسم في ذلك اليوم حضره الألوف من جماهيرنا من المثلث والجليل والقوى التقدمية من الوسط اليهودي.
وفي السنوات التالية اصبح يوم الذكرى والنصب التذكاري حقيقة واقعة بالاضافة الى افتتاح متحف الشهداء في الذكرى ال-50 عام 2006 في فترة الرئيس سامي عيسى , ومؤخرا افتتاح بانوراما الشهداءفي الذكرى ال-60 عام2016 في عهد الرئيس عادل بدير , لتعكس وتجسد ارادة أهالي كفر قاسم وشهدائها , وانتصارهم على أجندة السلطات لطمس معالم المجزرة ونسيانها.
ويتعزز هذا الانتصار هذه السنة في ظل الاعترافات التي نشرتها مؤخرا صحيفة هآرتس على لسان المجرم شدمي الذي ارتبط اسمه بمجزرة كفر قاسم والذي زال عن الوجود قبل حوالي شهر .ففي موقع الصحيفة الألكترونيسردوا سيرة حياته مع اظهاره في صور مع عائلته وأبنائه وأحفاده , يمارس حياة اعتيادية بعيدا عن دوره الملطخ بدماء شهداء كفرقاسم.
شدمي مع أفراد عائلته...!
وهنا يستوجب السؤال عن هؤلاء الشهداء وماذا عنهم وعن عائلاتهم , واتخيل صورهم مع عائلاتهم , أبنائهم وأحفادهم الذين منعتهم من ذلك الحق الطبيعي يد الغدر والاجرام في 29-10-1956 من قبل شدمي والمسؤولين عنه وجنودهم. وعادت صحيفة هآرتس لتنشر في ملحقها الأسبوعي مقالا مطولا عن يسخارشدمي ولكن هذه المرة للصحفي عوفر أدرت معنونا " لقد كانت محكمة مبيوعة" : الاعتراف الأخير لقائد القطاع في مجزرة كفر قاسم –يسخارشدمي.
هذا الصحفي أجرى لقاء مطولا مع شدمي في السنة الماضية وفيه يعترف شدمي وبصوته بما كنا نقوله دائما أن المسؤولية عن مجزرة كفر قاسم لا تقتصر فقط عليه وعلى الجنود القتلة وقائدهم ملينكي انما تقع أيضا على القيادة العليا في دولة اسرائيل وجيشها من رئيس الحكومة بن غوريون , ورئيس الأركان موشيه ديان وقائد لواء المركز في حينه تسفي تسور .
وكذلك يستشهد هذا الصحفي بما قام به مؤخرا المؤرخ الشاب آدم راز من بحث وتأليف كتاب جديد عن حيثيات مجزرة كفر قاسم التاريخية –من وجهة نظر سياسية وتحديدا ابراز" مخطط الخلد" لتهجير عرب المثلث حيث عملت كل المنظومة لتنفيذه تحت غبار العدوان الثلاثي على مصر من خلال اقتراف المجازر في كفر قاسم وباقي قرى المثلث .
وفي الحقيقة فانه بناء على ما ورد في هآرتس فان الباحث آدم راز لا يأتي بالجديد لنا في كفر قاسم ولجماهيرنا بما يخص الجانب السياسي لأننا ومنذ البداية قلنا هذه الحقائق عبر الوثيقة التاريخية للرفاق طوبي-فلنر التي كانت الشرارة الأولى في كشف وفضح هول المجزرة وأبعادها على الملأ, ومرورا بالكتاب الذي أصدره الكاتب الكبير الرفيق أميل حبيبي على شرف الذكرى ال-20 عام 1976 تحت عنوان – كفر قاسم المجزرة السياسية وكذلك ما ورد في كتاب روبيك روزنطال عام 2001 حول مخطط الخلد , بالاضافة الى ما كتبه الكاتب يوسف الغازي ونجله المؤرخ جادي وآخرون حول حيثيات المجزرة .
ولكن من جهة اخرى نعم فان ادم رازيضع الحقائق من جديد أمام قوى اليسار الصهيوني وجماهيرها في المجتمع الاسرائيلي وكيف سيعيشون مع حقيقة أن المسؤولية عن المجزرة تطال من هو بنظرهم الأب الروحي للدولة ...والمطلوب من ادم راز وزملائه تكثيف ظهورهم بالذات في الوسط اليهودي في مختلف المحافل , وهذا سيشكل لهم ولجمهورهم تحدي كبير خاصة في ظل الاعتراف الأخير على لسان شدمي , والذي ربما أراد من خلال ذلك تنقية ما تبقى لديه من ضمير ويعترف أنه كان قدم نفسه حاجزا يمنع رفع المسؤولية عن المجزرة الى كبار المسؤولين , وقد فشل تنفيذ مخطط "الخلد" بفضل صمود الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والشعب المصري أمام العدوان الثلاثي في حينه.
في ظل هذا الاعتراف يصبح الشعار الذي طالما نادينا به بطلبنا من المؤسسة الحاكمة في الدولة الاعتراف بالمجزرة أكثر واقعيا ويجب أن يترتب عليه المطالبة باعادة المحكمة ومقاضاة كل المسؤولين حتى لو كانوا أموات , وهذا من أجل احقاق العدالة للضحايا وذويهم وبلدهم وشعبهم من جهة ولو كان متأخرا , ومن أجل ضمان عدم تكرار مثل هذه الجريمة!!!
وكذلك الاعتراف بالاجحاف والظلم والاضطهاد الذي مارسته السلطات بحق كل من رفع صوته لفضح الجريمة ولصنع يوم ذكرى شهداء كفر قاسم من أبناء كفر قاسم ومن خارجها...!
وهي الارادة الربانية شاءت أن يطول عمر شدمي ( 96 عام ) , ليشهد بأم عينه كيف تحولت كفر قاسم بلد الشهداء الذين كان وراء قتلهم الى مدينة رائدة وهي الآن مركز البلاد حيث فيها يلتقي أكبر الشوارع في اسرائيل( شارع 5 , شارع 6), وليأتي قبل زواله بهذه الاعترافات
ولتعلوا الآن البسمة على محيا شهدائنا الذين " هم أحياء عند ربهم يرزقون"."
فَرِحِينَ بِمَآ آتاهمٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا"" .
وقمة الفرح هي من نصيب الذين يضحكوا في الأخير.
اضف تعقيب