وهم المثالية وسقط الواقع!! بقلم: الأسير احمد أبو جابر/أبو جولان سجن نفحة-النقب
وهم المثالية وسقط الواقع!! بقلم: الأسير احمد أبو جابر/أبو جولان
سجن نفحة-النقب
الحال وصف معرّف لوضع قائم وآني،رفيع متغيّر ومتبدّل،وان بدا للناظر كأمر ثابت كونه مرتبطا بلحظة النظر،الا ان التغيير يحدث ببطء على طول الخط الزمني دون ان نلاحظه او نتمكن من الإمساك به،وذلك لعدم القدرة على إبقاء النظر الكلي شاخصا تجاه الموضوعة النظرية،أي الحال، وأيضا بسبب غياب إمكانية توحيد كل لحظات النظر لكل الناظرين في لحظة واحدة جامعة تعكس كل تحوّلات الحال في نظر كيان كلي واحد،ان كان هذا كيانا فرديا او مجتمعيا.
إذا كان الجماد موضوعه حال متغيرةتعمل فيها البيئة والمناخ فعلا وتأثيرا متغيرا ومبدلا مع مرور الزمن، فكم بالحري ان يكون الانسان والحيوان والنبات مواضيعتتغير وتتبدل بشكل دائم.
ان التغيير والتبدل الحيواني والنباتي امر طبيعي لأنه مرتبط بالجوهر البيولوجي الذي يسيّر حال الحيوان لإشباعغرائزه.اما الانسان فيجمع ما بين التغيير والتبدل الطبيعي الذي يميز الحيوان والانسان ويبين التبدل والتغيير الذهني والسيكولوجي الذي يميز الانسان وحده،فالحال الإنسانية يحكمها النضوج البيولوجي والوعي والفكر التراكمي والمؤثرات النفسية والبيئية المحيطة به الطبيعيةوالاجتماعية.لذلكلا تبقى حال الانسان ثابتة أبدا وانما متغيرة، وليس في الوجود حال مثالية ،فالمثالية تعني الكمال الذي يمثل كل ما هو جيد وحسن وسام روحيا مع تجاهل الواقع.
وبما ان الحال او الحالة مرتبطة بحياة المخلوق الانسان من غير المنطقي الادعاء بوجود حياة مثالية وبغياب الحياة المثالية يغيب الانسان المثالي فتغدو المثالية مجرد ادعاء او وهم كاذب تعزي البشرية نفسها بها وأحيانا تمني بها النفس.
من يدعي المثالية فهو غير صادق ويجافي الحقيقة ومن ينشدها فهو مجرد حالم وساذج سيكتشف بطلانها عند اول تجربة على المحك العملي حين يخيب ظنه في أقرب الناس له ويكتشف ان كل انسان حر مجرد مخلوق تحكمه النوازع الطبيعية والفكرية والنفسية والبيئية.
من هنا لا يمكن لنا ان تكون تلك الشخصيات الهوليودية التي نشاهدها في الأفلام والمسلسلات والنجومية او حتى تلك الشخصيات التاريخية التي نقرا عنها في الاسفار، فالبطل او البطلة وفارس الاحلام، او عروس البحر مجرد شخصيات وهمية من نتاج الفكر البشري صاغها في قوالب معيارية صارمة، وحاول الممثل او الممثلة تقمّصها وعكسها للمشاهد خلال فترة زمنية قصيرة ومن ثم خلعها وعاد الى شخصيته الحقيقية التي تحمل كافة التناقضات البشرية التي تميز الانسان الطبيعي.
لا غرو اذا من الانتكاسات التي تصيب العديد من افراد المجتمع في هذه الأيام لدرجة انتشارها لدى صغار السن ومنهم الأطفال ،فالحياة غدت مجرد فلم او مسلسل او اغنية او سكيتش تعيشها الناس سرعان ما تساقط فئة منهم بسبب خيبات الامل والإحباط عند الاصطدام بالواقع واكتشاف الحقيقة ،فتنضم فئة أخرى بدلا منها لهذا الركب الحياتي المجنون ومن ثم تتساقط فئة أخرى وتنضم فئة تالية،وهكذا دواليك تسير الناس في سياق حياة استهلاكية ماديا ومعنويا تستخدم لمرة واحدة ومن ثم يبدأ البحث عن نوع آخر جديد من أغراض الاستهلاك المطروحة في السوق.
لقد غدت الامراض الاجتماعية والنفسية وباء قاتلا،منها الاكتئاب والتوحدوالشجار والخصام والتفكك الاسري والطلاق والانتحار والقتل هذا عدا عن الاستهلاك المفرط في الادوية والمهدئات وصولا للإدمان على السموم والكحول في سبيل الهروب من الواقع ومن وجه الحقيقة لخلق واقع جديد وان كان واقعا كاذبا ووهميا.
في هذا الواقع نجد أيضا ظاهرة التدين والتي يطيب او يحلو وصفها بالصحوة او العودة الى جادة الصواب، هذه الظاهرة غير مقتصرة على المجتمعات الإسلامية بل برزت في العقود الأخيرة كظاهرة اجتماعية عالمية في أوساط العالم المسيحي واليهودي أيضا وخصوصا منذ الوهن والتراجع الذي أصاب الفكر الشيوعي والفكر الاشتراكي والفكر الليبرالي وبدرجة ما الفكر القومي،حيث عجزت هذه الأفكار عن تقديم الحلول المناسبة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
ان حقيقة ظاهرة التدين هذه هي انعكاس للانتكاسات الاجتماعية والسيكولوجية كنتاج للمثالية الكاذبة والوهمية التي تعيشها او عاشتها فئات كثيرة من الناس. فالتدين غدا مهربا ومناصا للاحتماء به ساعة الاصطدام بالواقع،على امل وجود مخرج ما يلوذ اليه الانسان.
خلاصة القول،أيها المثالي الحالم لا تتوقع مني ان أكون ذاك الشخص الذي يرسمه خيالك الجامح،فانا مجرد انسان تسوقه الغرائز الطبيعية التي يحاول تهذيبها بالأخلاق، تأخذه الأفكار المجنونة ويعيده المنطق الصائب يتأرجح ما بين المرغوب والمطلوب وتعمل في نفسه أهواء متناقضة.أحب وأبغض أفرح وأحزن أنجح وأفشل أريد ولا أريد.
هذا هو أنا خذني كما أنا بحسناتي وسيئاتي، حينها أقبل بك كما أنت وسأعيش بك ومعك ولك،أيها الانا انت نصفي الاخر.
الأسير احمد أبو جابر/أبو جولان
سجن نفحة-النقب
3/2/2019
اضف تعقيب