أسيل جندي-القدس المحتلة
تجسد الشابة الفلسطينية مادلين عيسى -الملقبة بـ"عزيزة الأقصى"- حالة ارتباط خاصة بالمسجد الأقصى، جعلتها تنذر نفسها له غير عابئة بالاعتقال والإبعاد اللذين تعرضت لهما على أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ولدت مادلين (27 عاما) في مدينة كفر قاسم بالداخل الفلسطيني، وزارت المسجد الأقصى للمرة الأولى وهي في العاشرة من عمرها صحبة جدتها، لكنها انقطعت لسنوات عقب وفاة الجدة.
وعن استئناف الزيارة، تقول "سمعت بتسيير حافلات مرتين أسبوعيا إلى المسجد الأقصى فسارعت لمرافقة المصلين، ولم يكن ذلك سهلا ولا مقبولا من العائلة وأهالي كفر قاسم الذين لا يتقبلون خروج فتاة من الفجر نحو مدينة أخرى وحدها".
من المصاطب لحفلات الرباط
بعد عام من مواظبتها على التوجه إلى المسجد الأقصى، أخبر أحدهم مادلين بوجود مصاطب للعلم فيه، فشعرت أن حلمها بدراسة الشريعة قد اقترب.
وفي اليوم الأول لانضمامها إلى مصاطب العلم، اقتحم عضو الكنيست المتطرف موشيه فيجلين الأقصى في أبريل/نيسان 2014 وسط إجراءات مشددة من القوات الخاصة والشرطة الإسرائيلية، وسمعت مادلين حولها تكبيرات المرابطات اللاتي يغطين وجوههن.
تقول مادلين "كنت الفتاة الوحيدة التي لا تغطي وجهها، مما دفع الشرطة الإسرائيلية لمحاولة اعتقالي، لكن المرابطات أخفينني بينهن وخرجت بسلام وعدت لمنزلي، وبدأت البحث في الإنترنت عن المكان وقضيته".
دفعت الحادثة مادلين إلى البحث والقراءة عن تاريخ الأقصى، فبدأت توثيق كافة الاعتداءات على المسجد ومصليه، فتعرضت للاعتقال والإبعاد مرات عدة.
تقول الفتاة "بداية الرحلة كانت قاسية لأن عائلتي وأهالي كفر قاسم لم يتقبلوا خروجي فجرا نحو القدس.. كان الطقس باردا والحافلة التي تنطلق نحو الأقصى تخرج من قرية مجاورة، وهذا صعب المهمة، لكنني صممت على الرباط".
وتضيف أنها بذلت ما بوسعها للتملص من اعتقالها داخل الأقصى أو على بواباته، وحرصت لمدة عام ونصف على دخول المسجد والخروج منه في ساعات الازدحام، وبينما اعتقلت معظم المرابطات وأبعدن عن الأقصى بقيت وحدها تقارع المستوطنين وتصدح حنجرتها بالتكبيرات رفضا للاقتحام.
مادلين عيسى ضمن مشروع قوافل الأقصى الذي تديره (الجزيرة) |
مطاردة وإصرار
وفي سبتمبر/أيلول 2015 طاردتها شرطة الاحتلال وتمكنت من اعتقالها قرب باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى، ومكثت ساعات في التحقيق، ثم حولتها المخابرات إلى مركز تحقيق المسكوبية، وهناك زجها السجانون في زنزانة انفرادية.
أفرج عنها لاحقا وأبعدت عن المسجد الأقصى لمدة أسبوعين، ومن هنا بدأت رحلة جديدة في إحياء الأقصى بتسيير حافلات على حسابها الشخصي من ثلاث بلدات في الداخل المحتل إلى الأقصى.
تصف مادلين هذا الإصرار قائلة "قلت لشرطي خلال حراسته للمقتحمين: كل مرابطة تبعدونها عن الأقصى سيرابط بدلا منها مئة، وهذا ما بدأت تنفيذه فعلا".
بعد أشهر من تسيير الحافلات استلمت الشابة وظيفة مديرة قوافل الأقصى في "جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية"، وتمكنت من تسيير آلاف الحافلات سنويا من ثلاثين بلدة عربية في الداخل المحتل يتبرع بتكاليفها أهل الخير.
اعتقال وتحريض وإبعاد
لم تتوقف الملاحقة الإسرائيلية لمادلين، وتابع الاحتلال نشاطها وأقدم على اعتقالها خلال هبة البوابات الإلكترونية عام 2017، بعد نشر صورتها على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة له والزعم أنها تنوي تنفيذ عملية ضد الاحتلال.
تقول مادلين "لن أنسى تلك الدقائق ما حييت، اعتقلت من أمام باب القطانين في البلدة القديمة، وصوب عدد من الجنود سلاحهم نحوي. أغمضت عيني ومر في مخيلتي صور شهداء وشهيدات هبة القدس، ونقلت إلى سجن الرملة ثم أفرج عني بشرط الإبعاد عن القدس".
لم يثن الاستهداف المتواصل مادلين عن إكمال مسيرتها في الرباط وبرز دورها في هبة باب الرحمة وفي إطلاق حملة ضد طرد المعتكفين من الأقصى في رمضان، وبعد عدة استدعاءات في شهر رمضان، حيث أقدم الاحتلال على اعتقالها مؤخرا من منطقة باب الرحمة بتهمة قراءة القرآن بصوت مرتفع أمام المستوطنين.
وجه الاحتلال لها عدة تهم أيضا، منها استغلال الأطفال لمواجهة المستوطنين في الأقصى، وتحريض المصلين ضد المستوطنين، وعرقلة عمل الشرطة، وأفرج عنها في اليوم التالي بشرط العودة للتحقيق بعد أسبوع؛ وكانت النتيجة إبعادها عن الأقصى لمدة أربعة أشهر.
تسرد مادلين تفاصيل قصص رباطها وملاحقتها واعتقالها وإبعادها في سبيل المسجد الأقصى وكأنها تربط فصول الأحداث بخيط قوي واحد، وتأبى محوها أو تجاهلها، ولم يخلُ حديثها من حشرجة الصوت حينا ومن البكاء والصمت حينا آخر.
المصدر : الجزيرة
اضف تعقيب