قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه عندما يجتمع فريق ترامب للشرق الأوسط، هذا الأسبوع، لمناقشة ماذا سيفعلون تجاه خطة إسرائيل لضم أراضي في الضفة الغربية، سوف يسيطر عليهم سؤال أساسي: هل احتمال الضم هو تكتيك ضغط لجعل الفلسطينيين يتفاعلون مع خطة سلام الإدارة (صفقة القرن)، أم أن خطة السلام هي مجرد ستارة دخان للقيام بضم الأراضي الفلسطينية؟
وأكدت الصحيفة في تقرير لها، ترجمته "عربي21"، أن هناك هوة عميقة بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين حول هذا السؤال، وهو ما من شأنه أن يحدد كيف ومتى تتم عملية الضم.
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم حوالي 30% من الضفة الغربية المحتلة -كما تم التخطيط لذلك في خطة ترامب للسلام- مع حلول الأول من تموز/ يوليو. وهو يعتمد على دعم إدارة ترامب، لأن معظم العالم يرى أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية غير شرعية، وسيتعامل مع أي ضم لها من جانب واحد على أنه انتهاك صارخ للقانون الدولي.
لكن الإدارة الأمريكية أرسلت إشارات مختلطة، فأعطت الضوء الأخضر ابتداء، ثم غيرت رأيها، وكبحت هذا التوجه، والآن واضح أن البيت الأبيض يعيد النظر بالقرار.
وبينما يؤيد كل من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين عملية الضم من حيث المبدأ، جاء التشجيع من البيت الأبيض في سياق خطته لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ونأى نتنياهو بنفسه عن أجزاء من الخطة، التي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، وتجميد توسيع المستوطنات الإسرائيلية. فهذه الشروط تعتبر بغيضة في أوساط المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين، الذين سعى نتنياهو لكسبهم بموضوع الضم أصلا.
وأصرت الإدارة على أن يحصل نتنياهو على موافقة شريكه المحسوب على الوسط في الائتلاف، وزير الدفاع بني غانتس، للقيام بالضم. أما غانتس، فكان قد صرح بأنه يعارض أي ضم من طرف واحد، وقال إنه لن يوافق عليه إلا إذا وافق ملك الأردن على ذلك. لكن ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني، حذر من "صراع كبير" إن مضت إسرائيل في عملية الضم.
وأصر غانتس أيضا على أن تكون عملية الضم كجزء من خطة ترامب للسلام، التي يدعمها كاملة وليس أجزاء منها.
ويجب أن يغير أحد موقفه حتى يحصل أي شيء.
وقال عوفر زالزبيرغ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية: "نرى تضاربات.. ولا نرى بعد كيف سيتم حلها".
ويقول المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون إن حلها يحتاج إلى حل الاختلاف في الرأي بين شخصين مقربين من الرئيس الأمريكي: جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس وكبير مستشاريه، وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لإسرائيل، الذي كان لفترة طويلة محامي ترامب لقضايا الإفلاس.
وكان كوشنر المؤلف الرئيسي لخطة السلام، ويقال إنه يعتقد بأن الخطة قابلة للتطبيق وحل صراع طويل، وأن تعيد تشكيل الشرق الأوسط.
أما فريدمان، فكان متبرعا سخيا للمستوطنات الإسرائيلية قبل دخول الحكومة، ولعب دورا مهما في عكس سياسة أمريكية لفترة طويلة كانت تتعامل مع المستوطنات على أنها غير شرعية، جعل من الواضح أن اهتمامه أكبر في الضم من خطة السلام.
وتقوم استراتيجية كوشنر لجلب الفلسطينيين للتفاعل مع الخطة على استخدام الضم كأداة ضغط عليهم، بحسب المسؤولين. والضم من جانب واحد سيزيل هذا الضغط.
وبالنسبة لفريدمان، فإن في تأخير الضم مخاطرة بفقدان الفرصة، خاصة إن لم يفز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وطفا الخلاف بين الاثنين إلى السطح بعد ساعات من لقاء ترامب مع نتنياهو، حيث أعلن عن خطة السلام في البيت الأبيض في كانون ثان/ يناير. وأكد فريدمان ونتنياهو للصحفيين بعد ذلك أن إسرائيل حرة في ضم أراضي الضفة الغربية مباشرة. ولكن كوشنر قال مباشرة إن على إسرائيل الانتظار على الأقل حتى يتم تشكيل حكومة جديدة.
ويقلل مسؤولو الإدارة الأمريكية من حجم الخلاف بين الاثنين، ويصرون على أن لكل منهما موقفا مختلفا داخل نفس الفريق؛ فبينما مهمة فريدمان محصورة في إسرائيل والفلسطينيين، تتضمن مسؤوليات كوشنر الشرق الأوسط بشكل عام وحملة انتخاب ترامب أيضا.
ويقول مسؤولون آخرون إن تسرع فريدمان يجعل موقفه أقرب إلى موقف نتنياهو والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، اللذين يضغطان للتحرك بسرعة في مسألة الضم.
وقد اعتبر فريدمان خطة السلام على أنها غير محتملة. وقال إن الشروط المفروضة على الفلسطينيين للحصول على دولة يمكن أن تكون معقولة فقط "إن أصبح الفلسطينيون كنديين".
وشدد الناقدون على هذا التعليق. واقترح الكاتب والزميل في معهد شالوم هارتمان في القدس المحتلة، يوسي كلاين هاليفي، في مقال له في "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي، أن فريدمان وقيادات المستوطنين يستخدمون ترامب على أنه "أحمق مفيد"، ستخدم خطته للسلام مصالح المستوطنين الآن، ولكنها لن تؤدي إلى قيام دولة للفلسطينيين.
وبحسب بعض المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، فحتى في الاجتماعات الخاصة، يسأل المسؤولون الإسرائيليون فريدمان كثيرا إن كان يطرح آراءه هو أم أنها تلك آراء الإدارة الأمريكية.
وليست الخلافات بين فريدمان وكوشنر أوضح في مسألة أكثر منها في مسألة توقيت الضم.
ويضغط نتنياهو وحلفاؤه للاستعجال، ويقولون إن إدارة ترامب تعتبر "فرصة ذهبية" للموافقة الأمريكية، والتي ستختفي إن فاز جوزيف بايدين جونيور، الذي يعارض الضم من جانب واحد، في تشرين ثان/ نوفمبر.
ولكن يشير المحللون والمسؤولون إلى أن هذه النظرة تضع فريدمان في موقف من يحتاط لأن يكون رئيسه لدورة واحدة فقط.
وقال دنيس روس، مفاوض السلام السابق تحت إدارات جمهورية وديمقراطية: "إنها الرغبة في استغلال ما توفره رئاسة ترامب مع توقعات متواضعة لمستقبل إدارة ترامب، إن ذلك لافت للنظر".
وحاول فريدمان الأسبوع الماضي وفشل في التوسط بين نتنياهو وغانتس. وقال المسؤولون إنه بقي جالسا ينتظر لساعات في قاعة، بينما كان نتنياهو وغانتس يتساومان خلف أبواب مغلقة حول موضوعات أخرى.
وتم تفسير تدخل فريدمان في إسرائيل على أنه محاولة للضغط على غانتس.
ويتوقع أن تتضمن نقاشات البيت الأبيض، الثلاثاء، كوشنر وفريدمان ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي روبرت اوبرايان، والمبعوث للشرق الأوسط أفي بيركويتز، ونائب الرئيس مايك بنس وربما ترامب.
وبحسب مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين كبار، فإن الإدارة قد تدرس خياراتها، بما في ذلك ضم محدود، لكسب موافقة غانتس، أو السماح لنتنياهو بالمضي قدما دون موافقة غانتس، وما يمكن عرضه على الفلسطينيين لتهدئتهم.
كما قد يقرر الاجتماع أن تحركا إسرائيليا أحادي الجانب يتسبب بغضب -بما في ذلك احتمال اندلاع عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين- سيشكل صداعا غير مرحب به لرئيس يواجه أصلا مشاكل محلية وحملة انتخابية صعبة.
وهناك أيضا مسألة ما إن كان نتنياهو، إن حرم الضوء الأخضر الذي اعتمد عليه، يجب أن يمنح شيئا آخر بالمقابل لحفظ ماء وجهه.
ومن بين المحفزات المطروحة للتوقف عن الضم، بحسب المسؤولين، هو إحياء الجهود للتوصل إلى اتفاقية "عدم اعتداء" بين إسرائيل وأربع دول خليجية: البحرين وعمان وقطر والإمارات.
وقال روس ومسؤول مطلع على تلك النقاشات إن الضم سيقتل أي احتمال لمثل هذه الاتفاقية. وقال روس إن "الرسالة التي تم إيصالها، ولا أتحدث نظريا عن الموضوع، هي أن الضم يعني أن هذا الموضوع (اتفاق عدم الاعتداء) يصبح غير مطروح، ليس الآن فقط، بل أبدا".
ومن ناحية سياسية، فإن فائدة الضم لترامب محدودة. فعالم المسيحيين الإنجيليين، الذين يشكلون قطاعا مهما في قاعدة ترامب الانتخابية، لا يهمهم موضوع الضم بحد ذاته، بحسب روبرت جيفريس، القسيس في كنيسة المعمدان الأول في دالاس وأحد مستشاري ترامب غير الرسميين.
وحذر جويل روزنبيرغ، المؤلف الإنجيلي الذي أوجد مجموعة تحشد المسيحيين لدعم إسرائيل من أنه إن تسبب الضم بفوضى فقد يكون لذلك أثر عكسي على ترامب. وقال: "لا أرى أي تشجيع لهذا التحرك بين الناخبين الإنجيليين، وهناك خطر بخسارة بعض أصوات الإنجيليين في الولايات التي قد يكون (ترامب) فيها ضعيفا".
وكره المسؤولون أن يقوموا بأي توقعات حول إلى ما ستنتهي إليه النقاشات، خاصة اذا ما اعتبرنا صعوبة التنبؤ بموقف الرئيس. وقال ديفيد ماكوفسكي، مفاوض السلام السابق الذي يعمل حاليا في معهد سياسة الشرق الأدنى: "إن لم ير ترامب فائدة انتخابية كبيرة، قد يقول: 'إنها مسألة مشوشة ومعقدة جدا، وسأتعامل معها إن تمت إعادة انتخابي'".
كما أن الازدواجية في رسائل نتنياهو جسدت الانقسام حول الضم.
وفي إسرائيل، يصر هو وأقرب الحلفاء أن عمودية خطة ترامب -دولة فلسطينية وأربع سنوات تجميد على توسيع المستوطنات- ليست على وشك التطبيق.
ولكن ديرمر، سفير نتنياهو لأمريكا، كتب في واشنطن بوست يوم السبت، أن الضم سوف "يفتح الباب أمام حل دولتين واقعي" بحسب خطة ترامب.
وقال تساحي هانغبي، المقرب من نتنياهو، إن الكلمة المهمة في المقال هي كلمة "واقعي".
وقال هانغبي: "لا يهمنا إن سميتموها أقل من دولة أو أكثر من حكم ذاتي ما دام معلوما أنها ليست ذات سيادة".
ولكن روس اقترح أن كوشنر قد يتوصل إلى استنتاج آخر، فما يقوله ذلك لجاريد هو ربما "بالنسبة لبيبي ومن حوله الآن هذه مجرد خطة ضم.. وهذا ليس ما طرحناه'".
اضف تعقيب