عزا محللون إسرائيليون اليوم، الجمعة، امتناع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن الإعلان عن مخطط الضم، الذي حدده ليوم الثلاثاء الماضي، 1 تموز/يوليو، إلى عدم وجود ضوء أخضر من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتنفيذ خطوة كهذه، إلى جانب عدم جهوزية أجهزة الأمن الإسرائيلية لتنفيذ قرار بالضم في التوقيت الحالي.
ووفقا للمحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، فإن قادة جهاز الأمن طالبوا نتنياهو بمنحهم مهلة للاستعداد لتنفيذ الضم، وأن الأخير تعهد بإعطائهم مهلة شهر قبل الإعلان عن الضم. وهذه المهلة ستمنح لأجهزة الأمن "فقط بعد تسوية الخلاف بين السفير ديفيد فريدمان، الذي يريد ضما كبيرا وسريعا، وبين الصهر جارد كوشنر، الذي يريد القليل من الضم. ويفترض بترامب، الذي لا يعلم شيئا، أن يحسم بينهما". كما أن ترامب منشغل حاليا بانتخابات الرئاسة والاستطلاعات التي تتوقع خسارته، "وثمة شك إذا كانت لديه قوة كافية للدخول في صراع بين يهوديْ البلاط".
وأضاف برنياع أنه "خلافا للانطباع الحاصل، فإن القطيعة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية ليس مطلقا. وتجري اتصالات بواسطة المستوى المهني في القنصلية الأميركية في القدس. واقترح الأميركيون أن يتوجه أبو مازن شخصيا إلى البيت الأبيض ويقترح على ترامب إعادة التفكير بخطته. وقد رفض أبو مازن ذلك، لأن أي توجه إلى ترامب سيفسر في الشارع الفلسطيني، والعربي أيضا، كأنه شرعنة للخطة. وهو ليس مستعدا للقيام بذلك".
وتابع برنياع أن "كوشنر، وبعد أن مارس أمراء دول النفط ضغوطا عليه، طالب بأن توافق إسرائيل على إعطاء الفلسطينيين شيئا ملموسا، مثل منطقة في المناطق C مطابقة بمساحتها للمنطقة التي ستضمها، مقابل اعتراف أميركي بالضم. ويُذكّر هذا المطلب الأميركي نتنياهو بكوابيس من الماضي: اتفاقية واي من العام 1998، عندما تعهد بتسليم الفلسطينيين 13% من مساحة الضفة، وبعدها وجهت إليه انتقادات داخلية شديدة. ولن يكرر ذلك الآن".
"المستوطنات أكبر تضليل بتاريخ الصهيونية"
ونشر برنياع مقابلة مع الضابط برتبة في الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، إيلان باز، وهو عضو إدارة حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل"، التي تضم ضباطا متقاعدين من الوسط – يسار السياسي الصهيوني. وكان باز القائد العسكري لمنطقتي جنين ورام الله وتولى رئاسة "الإدارة المدنية" خلال انتفاضة القدس والأقصى، التي اندلعت عام 2000. وجرت المقابل في أعلى قمة في جبل جرزيم المطل على مدينة نابلس.
وقال باز "تجاهل حاليا المنطقة القريبة، فهذه المنطقة A. ووراءها، إلى الشرق، ترى مستوطنتي إيتمار وألون موريه. وتوجد بينهما ثلاث قرى فلسطينية كبيرة. وشارع واحد يوصل إلى المستوطنتين والقرى، وتمتد بينها أراض زراعية. فقُل لي كيف يمكن الفصل في هذه المنطقة".
وأضاف "لقد أقيمت المستوطنات المعزولة من أجل منع تسوية. وقد نجح هذا، فهي تمنعها فعلا. وإذا تم التوصل إلى تسوية، فإنها ستكون منوطة بتبادل أراض وإخلاء مستوطنات. وغير ذلك مستحيل".
وأشار باز إلى أن خطة "صفقة القرن"، التي تطرحها إدارة ترامب، "ترسم جدارا بطول 1800 كيلومتر. وطول جدار الفصل (العنصري) 800 كيلومتر. وقد بنت الدولة فيه أسوارا وجدران بطول 500 كيلومتر. وكلف ذلك 13 مليار شيكل. ووفقا لحساباتنا، فإن تكلفة بناء جدار بموجب خطة ترامب هي 50 مليار شيكل. وسيتم ضم نصف المنطقة الزراعية الفلسطينية إلى إسرائيل. (لكن) الفلسطينيين لا يعتاشون على الهايتك، وإنما على الزراعة. ممَ سيعتاشون؟" في حال تنفيذ الضم.
وشدد باز على أن الوزراء الذين يتحدثون عن الضم لا يفقهون شيئا، "وضم كامل بموجب حساباتنا سيكلف 52 مليار شيكل سنويا. وقد توصل طاقم شكله لوبي أرض إسرائيل في الكنيست، وهذه هيئة يمينية، إلى مبلغ مشابه. ويوجد قانون في الدولة: من لا يسكن في أراضي الدولة وإنما في أراضي العدو، يعتبر غائبا. وتُنقل أرضه إلى ملكية الدولة. وبعد الضم سيأتي السلب".
وأشار باز إلى أن "العالم يسمح لنا منذ خمسين عاما بالتواجد هنا والسيطرة على الفلسطينيين. والحجة أن هذا وضع مؤقت. نحن نسيطر إلى حين نتوصل إلى اتفاق. هذه هي الإجابات التي يوفرها جهازنا القانوني بين حين وآخر للمحكمة في لاهاي. وإذا نفذت الضم، فإنك ستفقد الدرع الواقي. والجنود الذين يخدمون في يهودا والسامرة اليوم، لن يتمكنوا من السفر إلى الخارج" لأنهم سيكون معرضين للملاحقة القانونية لأن الضم يتعارض بشدة مع القانون الدولي.
وأضاف أنه "أقول رأيي الشخصي وليس رأي الحركة. إن قصة المستوطنات هي برأيي التضليل الأكبر في تاريخ الصهيونية. لقد ضللنا العالم والعرب وأنفسنا. وبإمكان الحكومة اتخاذ القرارات. (لكن) لو وُضع أمام صناع القرار ورقة موقف منتظمة وتشمل تفاصيل كافة الأفضليات، المخاطر، التكاليف ونقطة الخروج، لقرروا وفقا لإدراكهم. لكن نتنياهو لا يسمح لجهاز الأمن بوضع ورقة كهذه. كما أنه لا يسمح بذلك لوزارتي المالية والقضاء. فهو يعلم ماذا ستكون التوصيات".
وحض باز وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، على "ألا ينتظر رئيس الحكومة وأن يوعز للجيش الإسرائيلي بإعداد ورقة موقف كهذه. وأتوقع من رئيس أركان الجيش ورئيس الشاباك أن يبادرا إلى ذلك. وإذا توصلا إلى نتيجة أن الضم ضار، فعليهما مكافحته مثلما كافح أسلافهم ضد هجوم عسكري على إيران".
التنسيق الأمنى متوقف
وفقا للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، فإنه "خلافا لبعض التقارير في وسائل الإعلام، فإن القطيعة بالتنسيق المدني والأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تكاد تكون مطلقة هذه المرة".
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أعلن عن وقف التعامل بالاتفاقيات بين الجانبين، في أيار/مايو الماضي، على خلفية إعلان نتنياهو عن مخطط الضم، "وعباس، ليس كما في تصريحات سابق، يهتم بتطبيق تعليماته بشكل حازم".
واعتبر هرئيل أن هذا الوضع "يعقّد بشكل كبير الوضع الميداني. وطوال الـ15 عاما الماضية، عندما كان الجيش الإسرائيلي يدخل إلى مناطق A الخاضعة للسلطة من أجل تنفيذ حملات اعتقال مطلوبين، اهتم قادة الألوية العسكرية بإبلاغ أجهزة الأمن الفلسطينية بأن تجمع أفرادها في قواعدهم، للامتناع عن اشتباكات مسلحة. وتم الحفاظ على هذا الإجراء حتى مطلع الأسبوع الحالي، ولكن عندها، بأمر من أعلى، لم يعد الضباط الفلسطينيين يستقبلون رسائل الواتساب من الإسرائيليين".
وأضاف هرئيل أنه على إثر ذلك، "لم يعد بإمكان السلطة نقل قوات إلى القرى في المناطق B، (الخاضعة لسيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية إسرائيلية)، من أجل التعامل مع أحداث جنائية، لأن هذا الأمر منوط بتنسيق مع إسرائيل. والتبعات في المجال المدني متنوعة وضارة، بدءا من تأخير علاجات طبية وانتهاء بآلاف الرزم القادمة من خارج البلاد، التي ترفض السلطة أخذها من فروع البريد في إسرائيل وإيصالها إلى السكان".
وخلص هرئيل إلى أن "توقعات الجيش الإسرائيلي قاطعة: أي خطوة ضم، حتى لو تركزت على منطقة صغيرة نسبيا، ستؤثر على الوضع الميداني. وتحريك حاجز على سبيل المثال، سيقابل بمظاهر مقاومة عنيفة من جانب الفلسطينيين. وبعد سنوات من اللامبالاة، ورغم القلق من كورونا والأزمة الاقتصادية، قد يخرج الجمهور في الضفة إلى الشوارع. وشدة الاحتكاك متعلق بمتغيرات عديدة، مثل عمق الضم، والتعبير العملي له ومدى استعداد السلطة الفلسطينية لتبادل الضربات مع إسرائيل".
اضف تعقيب