يأتي تقرير مراقب الدولة هذا بعد تقرير سابق في شهر آب من العام 2018، بشأن موضوع "حيازة أسلحة غير قانونيّة وأحداث إطلاق نار في مدن وقرى المجتمع العربيّ، وفي البلدات المختلطة". وقد تناول التقرير جملة من القضايا، من بينها مصادر الوسائل القتاليّة، معالجة محطّات الشرطة لمخالفات الوسائل القتاليّة.
يؤكد التقرير ما نعرفه جميعًا حول استفحال العنف داخل المجتمع العربي ويضع هذا الشعور بعدم الأمان في إطار من أرقام واحصائيات يوضح حجم الكارثة، خاصّة أن حصة المجتمع العربي من مخالفات إطلاق النار تصل 94% من مجمل المشتبهين مقارنة بـ 6% بين اليهود، رغم أن نسبة العرب لا تتجاوز 20% من السكان في الدولة. ووصلت نسبة الأشخاص الذين أدينوا في المحاكم من المجتمع العربيّ في العام 2019 وتبلغ 34% مِن مُجْمَل مَن جَرَتْ إدانتهم تَفُوق نسبتهم السكّانيّة بـِ13%.
يطرح التقرير معطيات مركزية تتطرق للعام 2019 أبرزها أن 70% من مجمل جرائم القتل تمت بواسطة الأسلحة النارية، أكثر من 9 آلاف حالة إطلاق نار، وأظهرت الرقابة السابقة حصول ارتفاع في الإجرام في المجتمع العربيّ في عدد من المجالات، ومن بينها حجم أحداث إطلاق النار مؤكدة مواصلة هذا الارتفاع: ارتفاع بنسبة 19% في العام 2018، وبنسبة 8% في العام 2019، وصولًا إلى 9,200 حادث إطلاق نار في السنة وهذا رقم قياسيّ. مع تسجيل ارتفاع آخر أيضًا في عدد ضحايا المخالفات ضدّ الأشخاص والأجساد بنسبة تزيد عن 10% في الفترة بين العامَيْن 2017-2019،
يطرح التقرير أيضًا المسارات القضائية لمحاربة العنف اذ لم تتجاوز نسبة لوائح الاتهام التي قدمت في ملفات إطلاق النار الـ 5%، ففي الفترة بين العامين 2017-2019 بلغت نسبة لوائح الاتّهام 3%-5% من الملفّات، بينما وصلت نسبة تقديم لوائح الاتّهام من مُجْمَل ملفّات التحقيق في الشرطة في العام 2019 إلى15%.
يُظهِر التقرير أن الارتفاع في لوائح الاتهام في جرائم إطلاق النار في العام 2019 هامشي، إذا أن الحديث يدور عن نسبة ضئيلة جدًّا من ملفّات الاتّهام من مُجْمَل ملفّات التحقيق. علاوة على ذلك، ارتفع عدد ملفّات الوسائل القتاليّة على امتداد السنوات، بينما كانت نسبة لوائح الاتّهام في هذه الملفّات عام 2019 هي الأدنى في السنوات الستّ الأخيرة، كما شهد العام 2019 تراجعًا كبيرًا في عدد لوائح الاتّهام بهذه المخالفات.
بالإضافة إلى النسبة المنخفضة في لوائح الاتهام، فإن الأحكام بالسجن لا تلائم العقوبات الموجودة في القانون. فعلى الرغم من أن العقوبة على التجارة بالسلاح تصل إلى 15 عامًا، حمل السلاح 10 أعوام، شرائه 7 سنوات، فالأحكام النهائية كانت أقل من ذلك بكثير إذ في 85% من الأحكام في مخالفات الوسائل القتاليّة التي صدرت في الفترة بين العامَيْن 2017-2019، حُكِم بفرض عقوبة سَجْن لمدّة أقصاها ثلاث سنوات فقط، مما يحث قيام الشرطة والقضاء "إجراء مراجعة بين حين ولآخر لتأثير تعديل القانون على مستوى العقوبات" حسب تعبير المراقب.
وانتقد مراقب الدولة أداء الشرطة حيث أكد أن نشاطها لضبط الأسلحة فشل، وأن حملتها لجمع الأسلحة في عامي 2017 و2019 اسفرت عن ضبط 15-19 قطعة سلاح فقط (بينما الحديث على مئات آلاف القطع بين العصابات)، وأكد المراقب أن معالجة تهريب الأسلحة من الحدود الأردنية لم يتم كما تدعي الشرطة، ولم تتم إقامة وحدة عمليات لعلاج هذه الظاهرة.
عروض فتح محطات الشرطة "لم تفض إلى إضافة ملحوظة في حجم القوات" قلب، لأنها عمليًا أعادت فقط عملية تنظيم القوات العاملة في المناطق نفسها وليس إضافة قوات، رغم صرف 597 مليون شاقل ضمن الخطة الخماسية (تصل إلى أكثر من 1,2 مليار شيكل). كما اعترف المراقب بفشل ما يسميه حملات "تجنيد مسلمين" (!) لسلك الشرطة وأن الارتفاع كان بنسبة طفيفة، من 2,6% إلى 3,4% من مجمل من يخدمون في سلك الشرطة.
وتوصل مراقب الدولة في التقرير إلى استنتاجات أبرزها ضرورة استكمال مكتب رئيس الحكومة التحاور مع ممثلي المجتمع العربي، وعرض التوصيات بغية المصادقة على خطة حكوميّة لمعالجة الجريمة والعنف في المجتمع العربي وتطبيقها.
كما يبدي التقرير اعترافًا جزئيًا بالجذور العميقة التي تقف وراء هذه الآفة حيث أكد المراقب أنه "ثمّة حاجة إلى تنفيذ نشاط في مجال عمل الوزارات الحكوميّة المختلفة، ومن ذلك -على سبيل المثال- نشاطات في المجال الاجتماعيّ _ الاقتصاديّ، والمجتمعيّ، والتثقيفيّ، وفي مجال الرفاه". كذلك الإشارة إلى العلاقة مع نسبة الفقر المرتفعة والفجوات مع المجتمع اليهودي في نسب أصحاب استحقاق الحصول على شهادة البجروت، ونِسب طلبة الدراسات المتقدّمة.
يتبيّن من التقرير أن القتل في المجتمع العربي في العام 2019 ارتفع بأكثر من 28% عن العام 2018 وبارتفاع 48% عمّن قُتلوا في العام 2016. وذلك بتأثير نسبة السلاح المرتفعة في المجتمع العربي حيث أنّ نسبة استخدام السلاح الناريّ في المجتمع العربيّ في مخالفات القتل، في الفترة الواقعة بين العامَيْن 2013 - 2019، تَفُوق نظيرتَها في المجتمع اليهودي بثلاث مرّات.
يَظهر أنّ ثمّة تراجعًا منذ العام 2016 في نسبة الحالات التي ارتُكِب فيها القتل بواسطة السلاح الناريّ في المجتمع اليهودي، بينما حصل ارتفاع متواصل في المجتمع العربيّ بنسبة 24% منذ العام 2016، ووصلت النسبة في العام 2019 إلى78% من مُجْمَل أعمال القتل.
وأكد مراقب الدولة في تقريره ما كان واضحًا للجميع، وما طالبت به الجماهير العربية منذ سنوات: جمع السلاح المتوفّر بشكل غير طبيعيّ هو أهم خطوة في الطريق من أجل وقف العنف المستشري.
ويصل العنف إلى بوابة السلطات المحليّة العربيّة بعد أن طرقت عصابات الإجرام هذا الباب ووجهت أجندتها الإجرامية لسلب المال العام وسط استعمال العنف والتهديد، إذ يشير التقرير إلى أنّ أكثر من 40% من رؤساء السلطات المحلّيّة العربيّة كانوا مهدَّدين في العام 2019، مقابل 10% من رؤساء السلطات المحلّيّة اليهوديّة، إذ حصل تراجع بنسبة 33% في الفترة بين العامَيْن 2017 - 2019 في عدد رؤساء السلطات المحلّيّة المهدَّدين في المجتمع اليهوديّ، بينما حصل ارتفاع بنسبة 59% في عددهم في المجتمع العربيّ في تلك السنوات.
يتبيّن من البيانات في قسم التحقيقات والاستخبارات أنّ الوسائل القتاليّة تصل إلى المجتمع العربيّ من أربعة مصادر رئيسيّة: سرقات من جيش الاحتلال، التهريب من الأردن، الإنتاج في مناطق الضفة الغربية، استيراد قِطع وسائل قتاليّة وأدوات تشبه الأسلحة من خارج البلاد. الكثير من هذه الأدوات يجري تحويلها إلى أسلحة في إسرائيل، أو في مناطق الضفة. بعض الأسلحة تصل أيضًا من خلال سرقتها من البيوت والمَرْكبات.
ويتوقّف التقرير على الارتفاع الكبير في كمية الأسلحة التي تجري سرقتها من الجيش، معظم السرقات لا يتم التبليغ عنها، وأحيانًا لا يعرف الجيش بهذه السرقات أصلا وأظهرت تقارير الجيش والشرطة أنّ كمّيّة ما تقبض عليه الشرطة من الوسائل القتاليّة التي سُرقت من الجيش تفوق كثيرًا كمّيّة الوسائل القتاليّة التي بُلِّغ في تقارير الجيش أنّها قد سُرِقت، وأكد التقرير ضرورة تشديد الرقابة وتحميل الجيش مسؤولية تسريب هذه الأسلحة لعصابات الإجرام، بينما أكد التقرير أن الرقابة ومعالجة تهريب الأسلحة لم تنظّم ولم تصل للمستوى المطلوب.
اضف تعقيب