منذ مايو / أيار، قتل أكثر من أربعين فلسطينيا في الضفة الغربية- جيتي
قال الكاتب الإسرائيلي، جدعون ليفي، الذي يعارض الانتهكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، إن عمليات قتل الفلسطينيين العزل، بما في ذلك أطفال، منذ توقف العدوان الإسرائيلي في أيار/ مايو، أصبح أمرا معتادا لم تعد وسائل الإعلام ولا الجيش يذكره إلا نادرا.
جاء ذلك في مقال على موقع "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21"، أشار فيه إلى أنه منذ أيار/ مايو الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي أربعين فلسطينيا في الضفة الغربية.
وتابع، بأنه يندر أن تغطي وسائل الإعلام الإسرائيلية أحداث القتل هذه. ولم تذكر أي من الصحيفتين الإسرائيليتين الرائدتين عملية قتل الغلام ذي الاثني عشر ربيعا في بيت أمر، القرية التي تقبع بين بيت لحم والخليل، ولا عبأت بذكر ذلك أي من القناتين التلفزيونيتين التجاريتين الأهم في إسرائيل.
وأضاف، أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قررت ألا أهمية أو لا مصلحة في حكاية قتل طفل فلسطيني في الثانية عشرة من عمره، اسمه محمد العلمي، كان يتسوق مع والده وشقيقته عندما فتح الجنود الإسرائيليون وابلاً من طلقات الرصاص على سيارة العائلة، فقتلوا الغلام، الذي مثله مثل والده لم يصدر عنه أي خطأ.
وتاليا نص المقال كاملا:
في الظاهر، تبدو الأمور هادئة نسبياً هذه الأيام في المناطق التي تحتلها إسرائيل. لا توجد إصابات بين الإسرائيليين، ولا هجمات تقريباً داخل الضفة الغربية وبالتأكيد ليس داخل إسرائيل. وغزة هادئة منذ نهاية آخر عدوان إسرائيلي عليها "عملية حراس الجدران".
في الضفة الغربية، تدور رحى الروتين الباعث على الأسى في هذه الفترة التي توصف بأنها فترة هدوء – وهو ما يمثل مفارقة تصرخ فينا معلنة عن الإحصائيات المرعبة التالية: منذ مايو / أيار، قتل أكثر من أربعين فلسطينياً في الضفة الغربية.
في أسبوع واحد أواخر شهر يوليو / تموز، قتل الجيش الإسرائيلي أربعة فلسطينيين أحدهم طفل في الثانية عشرة من عمره. اثنان من الأربعين كانا من قرية واحدة هي بيتا، والتي فقدت مؤخراً خمسة من سكانها، وخمسة كانوا متظاهرين عزلا، وواحد كان سمكرياً يقال إنه استدعي لإصلاح صنبور في مكان ما. لم يكن أي من الأربعة الذين قتلوا في أواخر يوليو / تموز قد شكل تهديداً لحياة أي من الجنود أو المستوطنين الإسرائيليين.
كان استخدام الذخيرة الحية ضد أي من هؤلاء الناس محظوراً، ناهيك عن أن يستهدفوا بالقتل، كما فعل الجنود الإسرائيليون الذين قتلوهم. أربعة من البشر، أو إذا كنت تفضل أربعون من البشر، مع عائلاتهم التي تحطمت حياتها، أناس كانت لهم خطط وأحلام وعواطف، كلهم فجأة قضى عليهم جنود إسرائيليون في سن الشباب بكل أريحية ووحشية.
وفي حالة ما إذا كان ذلك غير كاف، لاحظ التالي: يندر أن تغطي وسائل الإعلام الإسرائيلية أحداث القتل هذه. لم تذكر أي من الصحيفتين الإسرائيليتين الرائدتين عملية قتل الغلام ذي الاثني عشر ربيعاً في بيت أمر، القرية التي تقبع بين بيت لحم والخليل، ولا عبأت بذكر ذلك أي من القناتين التلفزيونيتين التجاريتين الأهم في إسرائيل.
بمعنى آخر، قررت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ألا أهمية أو لا مصلحة في حكاية قتل طفل فلسطيني في الثانية عشرة من عمره، اسمه محمد العلمي، كان يتسوق مع والده وشقيقته عندما فتح الجنود الإسرائيليون وابلاً من طلقات الرصاص على سيارة العائلة، فقتلوا الغلام، الذي مثله مثل والده لم يصدر عنه أي خطأ.
عدم المبالاة بالقتل
لا يوجد سبيل آخر لتفسير هذه اللامبالاة على نطاق واسع إزاء ارتكاب جرائم القتل. خذ بالاعتبار حقيقة أن جميع تلك الجرائم التي ارتكبت منذ شهر مايو / أيار يندر أن تغطى إعلامياً، ناهيك عن أن يجري التحقيق فيها، وتحصل على صورة لقمع إسرائيل وإنكارها للاحتلال من خلال النسخة الإعلامية من "القبة الحديدية"، بفضل الصحافة الحرة، بكل بؤسها وشقائها.
تحت حماية وسائل إعلام صامتة، جُنب الإسرائيليون رؤية هذه الصورة القبيحة لجيشهم ولما ينفذه من عمليات ميدانية وحشية. تحت حماية الصمت والإنكار والقمع، حتى السياسيون والجنرالات الإسرائيليون لم يرغموا على تفسير أو حتى التطرق لحقيقة أنه من النادر أن يمر أسبوع في المناطق المحتلة بدون سقوط ضحايا في صفوف الفلسطينيين، حتى أثناء تلك الفترة الهادئة نسبياً.
ولذلك، وحتى أيام قليلة مضت، لم يصدر عن أي من قادة الجيش أي انتقاد لسلوك هؤلاء الجنود، ناهيك عن أن يكون هناك أي ذكر لتوجيه تهم أو فتح تحقيق جدي. فقط بعد نشر سلسلة من المقالات والافتتاحيات في صحيفة هآريتز قام القائد العسكري الجنرال أفيف كوتشافي، الذي ينظر إليه على أنه شخصية تتحلى بمعايير أخلاقية، بتقديم طلب بتخفيض درجة الحرارة. لم يكن ذلك أمراً وإنما طلب. لا توجيه تهم ولا إجراء تحقيق، فقط إعلان غامض عن حسن النوايا للمستقبل.
يقف من وراء كل ذلك النظر بازدراء إلى الأرواح الفلسطينية. لا يوجد في إسرائيل أرخص من حياة الإنسان الفلسطيني. ولك أن ترسم خطاً مستقيماً من حوادث سقوط عمال البناء كالذباب إلى حتفهم في مواقع الإنشاءات في إسرائيل دون أن يعبأ أحد بهم إلى المتظاهرين العزل في المناطق المحتلة الذين يردون برصاص الجنود دون أن يرف جفن لأحد.
هناك عامل واحد مشترك يوحدهم جميعاً: الاعتقاد في إسرائيل بأن حياة الفلسطينيين غاية في الرخص. لو أن الجنود يطلقون الرصاص بكل أريحية على الحيوانات الضالة كما يطلقونه على الفلسطينيين لربما أحدث ذلك موجة عارمة من السخط ولربما قدم الجنود للمحاكمة وعوقبوا. ولكنهم فقط يقتلون فلسطينيين، إذن ما المشكلة؟
عندما يطلق جندي إسرائيلي النار على رأس طفل فلسطيني أو فتى فلسطيني أو متظاهر فلسطيني أو يصيبه في القلب، يصمت المجتمع الإسرائيلي ولا يبدي تعاطفاً مع الضحية، ويكتفي بالتفسيرات الباهتة وفي بعض الأوقات الافتراءات السافرة الصادرة عن الناطقين الرسميين باسم الجيش، وبذلك تتبدد كل الاعتبارات الأخلاقية التي قد تسبب القلق إزاء الحاجة للقيام بعملية القتل.
لقد كتبت في الصحيفة عن الكثير من عمليات القتل هذه التي حققت فيها ووثقتها بنفسي، ولكن لا حياة لمن تنادي.
موت سمكري
شادي عمر لطفي سالم، البالغ من العمر واحداً وأربعين عاماً، سمكري موسر يعيش في بيتا وسط الضفة الغربية. غادر شادي منزله مساء الرابع والعشرين من يوليو / تموز، متوجهاً إلى الطريق الرئيسي حيث يوجد صمام خط المياه الرئيسي الذي يزود القرية، وذلك فيما يبدو بعد أن اكتشف أحد المارة وجود مشكلة هناك.
أوقف سيارته الجيب على جانب الطريق وسار إلى الوراء باتجاه الصمام وبيده مفتاح أنابيب أحمر. كانت الساعة العاشرة والنصف مساء. وبينما كان يقترب من الصمام، فتح جنود في الجوار النار فجأة وأصابوه في مقتل. زعموا فيما بعد أنه ركض باتجاههم وبيده قضيب معدني. والحقيقة أن الشيء الوحيد الذي كان بيده هو مفتاح المواسير الأحمر، والذي ظل ملقى في الطريق بجوار علبة سجائره وبقعة دم كانت قد جفت عند وصولنا هناك بعد أيام قليلة من وفاته.
بعد أسبوع واحد في نفس القرية، قتل الجنود عماد علي دويكات، البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، وهو عامل بناء وأب لأربع فتيات وغلام عمره شهران. كان ذلك أثناء احتجاجات الجمعة الأسبوعية في القرية. لم يزل سكان بيتا يتظاهرون كل أسبوع طوال الشهرين الماضيين تقريباً للاحتجاج ضد إقامة نقطة استيطانية مارقة على أراضي القرية. تم إنشاء المستعمرة، واسمها غيفات إيفياتار، بشكل غير رسمي، ثم قامت إسرائيل بإخلائها من سكانها – ولكن الكيانات الأربعين التي أنشئت هناك على عجل ظلت قائمة ولم تهدم، ولم تعد الأرض لأصحابها الذين لا يسمح لهم بالاقتراب منها.
منذ تدشين غيفات إيفياتار قبل أكثر من عشرة أسابيع، قتل خمسة من المحتجين الفلسطينيين هناك على أيدي الجنود. لم يكن أي من الخمسة قريباً بما يكفي لأن يشكل خطراً بأي شكل من الأشكال على حياة الجنود، حتى بينما كان المتظاهرون يرمون الحجارة ويشعلون الإطارات للاحتجاج على الاستيلاء على أراضيهم.
والسكان عازمون على الاستمرار في المقاومة إلى أن تعاد لهم أرضهم، وفي تلك الأثناء يستمر تدفق سيل الدم أسبوعاً بعد أسبوع.
القتل العشوائي
كان دويكات يشرب كوباً من الماء عندما اختاره قناص إسرائيلي ليكون هدفاً له، بشكل عشوائي فيما يبدو، وأطلق عليه النار فأصابه في القلب من مسافة عدة مئات من الأمتار. انفجرت الرصاصة داخل جسمه فأتلفت أعضاءه، وتوفي دويكات في نفس المكان، بينما كان الدم يتدفق من فمه. وبذلك أصبح طفله الصغير علي يتيماً بعد فترة قصيرة من ولادته.
قبل ذلك ببضعة أسابيع، أطلق الجنود النار على الفتى محمد منير التميمي من قرية محتجة أخرى اسمها النبي صالح، فمات على الفور. كان محمد منير في السابعة عشرة من عمره، وأصبح خامس شخص من قريته الصغيرة يلقى حتفه خلال السنوات القليلة الماضية. جميع من في هذه القرية ينتمون إلى عشيرة التميمي التي لم يتوقف أبناؤها عن الاحتجاج منذ سنوات ومقاومة سرقة أراضيهم من قبل المستوطنات المحيطة بها.
كل هذه الوفيات كانت عمليات إعدام، ولا توجد طريقة أخرى لوصفها. إطلاق النار على متظاهرين عزل، فتيان وأطفال، وسمكري وعامل بناء. فلقد غدت جريمة أن يقوم أشخاص بالتظاهر علانية في سبيل استعادة أراضيهم والحصول على حريتهم. فيما عدا إسرائيل، "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، هناك أنظمة قليلة جداً في هذا العالم تطلق فيها النيران على المحتجين العزل.
ما يسمع من حين لآخر من تذمر إزاء عمليات القتل المنتظمة يتعلق في الأغلب بما إذا كان ذلك سيفضي إلى تدهور في الأوضاع ككل، أما فيما يتعلق بمدى قانونية، أو بشكل خاص أخلاقية، جرائم القتل التي ترتكب بحق الأبرياء، فلا أحد ينبس ببنت شفة.
تعتبر إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي البنت المدللة للعالم الغربي، إذ تنتحل قيماً غربية مشابهة، ومع ذلك ثمة صمت رهيب إزاء مقتل أربعين مدنياً أعزل خلال الشهرين ونصف الشهر الماضية ومقتل أربعة خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو / تموز وحده. من المؤلم أن ينظر إلى إسرائيل على أنها ديمقراطية ولكن تطبق عليها معايير مخالفة لتلك التي تطبق على أي بلد ديمقراطي آخر.
اضف تعقيب